استشارة نفسية
قبل 10 أشهر من الآن مرضت وحُرمت الإحساس بملذات الحياة، وأيضاً بدأت تأتيني وساوس كفرية، وأيضاً وساوس حول الأشياء "كيف خُلقَت؟ ولماذا هذا شكلها؟" حينها أيقنت أني مريض نفسياً وذهبت للطبيب النفسي وشخَّصني بالاكتئاب والوسواس القهري، وصرف لي أدوية "فافرين" و"ريدون".
في تلك الفترة جاءني إحساس غريب وكأن جسمي مفصول عن روحي، وبدأت أستغرب أشكال الناس والحياة وكل شيء تقريباً، وصرت أتخوف من النظر بالمرآة وأستنكر وجهي فيها، وأحس بعدم ارتياح وعدم القدرة على النوم، وكنت أحس أني سأفقد عقلي قريباً.
وبدأت تأتيني أفكار حول أنه كيف يمكنني الكتابة والقراءة والفهم وهكذا، وكانت تأتيني هذه الحالة قبل النوم بساعات، وعندما أستيقظ في اليوم التالي تختفي تماماً،
فما رأيكم في هذا الحالة؟ وبماذا تشخص؟
23/8/2020
رد المستشار
رغم رسالتك المقتضبة لكنها تحمل المعانة والألم النفسيين الشديدين..... كما ذكرت في رسالتك انفصال الروح من الجسد وتشوه رؤيتك للواقع وغيرها من الأعراض.
سوف أحاول أن أشرح لك وبشكل مبسط عن هذا المرض (اضطراب تبدُّد الشخصيَّة/الواقع):
تحدث الإصابةُ باضطراب "تبدُّد الشخصيَّة/الواقع" عندما يشعر المريضُ بشكلٍ مستمرٍّ أو متكرِّر بأنَّه يراقب نفسَه من خارج جسمه، ويمكن أن تكونَ هذه الحالةُ مزعجةً جداً، وقد يشعر المريض بأنَّه يعيش في حلم.... يمرُّ الكثيرُ من الناس بتجربة تبدُّد الشخصيَّة في مرحلةٍ ما من حياتهم، ولكن عندما تبقى هذه المشاعرُ مستمرَّة الحدوث أو لا تَزُول بشكلٍ كامل فإنَّها تُعدُّ حالةً مَرَضيَّة... ويكون هذا الاضطرابُ أكثرَ شيوعاً عندَ الأشخاص الذين مرَّوا بتجارب مؤلمة أو صادِمَة.... يمكن أن يكونَ هذا الاضطرابُ شديداً، وقد يؤثِّر في علاقات المريض وعملِه وأنشطته اليوميَّة الأخرى.
كل هذه المشاعر مناوئة للأنا رغم محافظة الشخص على علاقته بالواقع وفهمه له، وهذا التغير تكفي شدته لإزعاج الشخص، وليس سببه اضطراب آخر مثل الهلع أو رهاب الساحة حيث يمكن أن يكون تبدد الواقع عرضا مصاحبا لاضطرابات أخرى.
يصاحب الإصابةُ باضطراب تبدُّد الشخصيَّة Depersonalization كثيراً وتبدد المحيط أو الغربة عن الواقع Derealization عندَ شُعورِه بأنَّ الأشياءَ المُحيطة به ليست حقيقيَّة، وتبدد المحيط هو إدراك الموضوعات (أو العالم المحيط) كأشياء غير مألوفة أو غير حقيقية حيث يدرك الأشياء متغيرة الشكل أو الحجم أو يدرك الناس كموتى أو كآلات، ويصاحبه أيضًا الدوخة والاكتئاب والاجترارات الوسواسية والانشغال بأعراض جسدية والقلق أو الخوف من أن يصيح مجنونا واختلال الإحساس الذاتي بالوقت، مع الشعور أن الاستدعاء صعب أو بطيء.
حاولت جاهداً أن أترجم لك ماورد في الدليل الإحصائي الخامس للأمراض النفسية DSM-5, 2013
أ_ خبرات مستديمة أو معاودة من شعور تبدد الشخصية أو تبدد الواقع أو كليهما:
1. تبدد الشخصية معاناة غير حقيقية، والشعور بأن الشخص منسلخ عن نفسه وبأنَّ أفكارَه وأحاسيسه ومشاعرَه وجسده وحركته يُراقَبها من الخارج، على سبيل المثال: تغير الإدراك، إحساس مشوه عن الوقت، الخَدَر العاطفي أو الجسدي.
2. تبدد الواقع: معاناة غير حقيقية، والشعور بأن الشخص منسلخ عن واقعه، على سبيل المثال: يبدو الأفراد أو الأشياء غير حقيقية مثل الحلم أو ضبابية أو ميتة أو تشوه الرؤية.
ب_ يبقى اختبار الواقع سليماً أثناء خبرة تبدد الشخصية.
ت_ تسبب الأعراض ضائقة مهمة سريرياً أو اختلالاً في الأداء الاجتماعي أو المهني أو مجالات أخرى هامة من الأداء الوظيفي.
ث_ إن تبدد الشخصية لا ينجم عن تأثيرات فيزيولوجية مباشرة لمادة مثل: سوء استخدام عقار، تناول دواء أو عن حالة طبية عامة مثل: صرع الفص الصدغي.
ج_ الاضطراب لا يفسر باضطراب عقلي آخر مثل الفُصام أو اضطراب الهلع أو الاكتئاب أو اضطراب الكرب الحاد أو اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب تفارقي آخر.
ويتم التشخيص بوجود عدة أعراض منفصلة مثل إحساس الشخص المصاب بـ:
1. تغيرات جسدية.
2. ازدواجية الإحساس بالنفس كمشاهدته لنفسه وقائم بالأفعال في ذات الوقت.
3. إحساسه بكونه معزولاً أو مفصولاً عن الآخرين.
4. إحساسه بكونه معزولاً عن مشاعره الداخلية.
5. دائمًا ما يشعر المريض بصعوبة بالغة في التعبير عما يشعر به معبرًا عن ذلك ببعض من الجمل مثل: "أنا حاسس إني ميت، لا شئ يبدو حقيقيًا، أنا واقف خارج نفسي، أنا بشوف نفسي، أنا أراقب نفسي".
طبعا ذكرت في مقدمة الرسالة عن الاكتئاب والوساوس التي تنتابك والاجترارات الوسواسية وبرغم تحدثي عن الوساوس في ردود سابقة إلا أنني سوف أحدثك قليلًا عن الوساوس التي تحمل طابعا تكفيريا.
من الوساوس وسواس يعرف بـ "وساوس كفرية" عندما يكون مسيطراً ومستحوذاً على تفكيرك يصبح "وسواس الكفرية" اضطراباً نفسيّاً وأشبه بمرض القلق والذي يمكن أن يؤثر سلباً على حياتك، وقد يمنعك من ممارسة مهامك اليومية والعيش بطريقة طبيعية.... ويمكن القول أن هذا الوسواس هو قلق، فأعراضه يمكن أن تكون على شكل نوبات من الهلع تشمل الخوف الشديد والخوف من فقدان أحد الأقرباء أو حتى الذات، العزلة، الأرق وفقدان الشهية.
بما أن الوساوس تستحوذ على أفكارنا ومشاعرنا ولكن نستطيع أن نتخلص أو نتجاوز هذه المشاعر والأحاسيس وتكون المعاناة أو الأعراض في لحظتها في الحدود الطبيعية ويعرف هذا الوساوس، ولكن يصبح هذا الوسواس مشكلة حينما يسيطر على حياتنا ويتحكم بها تماماً، وهنا لابد من العلاج.
رسالتك في طياتها ألم وحسرة وخوف ومشاعر اكتئاب ووسواس تكفيري وأحاسيس بالذنب وتأنيب الضمير... أود أولاً أن أطمئنك أن كل تلك الأفكار والنزعات والصور هي أعراض مرضية، وليس عليك أن تشعر تجاهها بالذنب أو بتأنيب الضمير على الإطلاق، هذا أولاً.
ثانيا: تعرف هذه الوساوس الكفرية وتتمثل بالسب واللعن والألفاظ النابية وخاصة التي تتعلق بالدين أيا كانت الفكرة أو الصورة، وأحياناً تكون الوساوس على شكل إصدار صوت أو صراخ أو تلفظ بكلمات نابية أو التصرف بشكل غير لائق.
عزيزي، لا ضير عليك فأنت لست محاسباً على التلفظ سراً أو أمام نفسك، فالله أعلم بما نفسك وهو الرحيم لكن بشرط أن لا تتلفظ أمام العامة.
لا يمكنك محاولة تجاهل أو إيقاف الوساوس، وكلما تحاول ذلك يزيد الضيق والقلق، وفي نهاية المطاف تشعر بأنك مدفوع لأداء الأعمال القهرية في محاولة لتخفيف التوتر كما هو الحال معك.
ما أنصحك به هو عدم دفع أو مقاومة الوساوس لأنك لن تستطع ذلك، لكن إهمال وجودها وإهمالها وعدم التعامل معها لأنك سوف تنخرط بدوامة لا نهاية لها، وهنا تأتي حنكة الطبيب المعالج في احتواء الوساوس التى تعاني منها في كيفية التعامل والتخفيف وعلاجها.
لا أنصحك بعلاج المراسلة، وإنما يحتاج الأمر أن تشد الرحال وتعزم في الأمر على أن تطرق باب العلاج، ولن يتأخر الطبيب أو الاختاصي في معالجتك.. ابدأ بخطوة أولى وهي ثقتك بالله وبنفسك أن هناك علاج لحالتك.
أريد أن أكون معك صادقاً وأميناً.... ليست هناك عقاقير تمت تجربتها مع هذا الاضطراب وإن كان القلق المصاحب له يتحسن بمضادات القلق والوسواس والاكتئاب بمضادات الاكتئاب... أما التحليل النفسي أو العلاج النفسي التبصيري فإنه يفيد في تلك الحالات.
الخلاصة أن هذا الاضطراب (اضطراب تبدُّد الشخصيَّة/الواقع) ما إذا كان مصاحبا لاضطراب آخر فإنه يتحسن بتحسن ذلك الاضطراب.
أرجو ألا أكون أثقلت عليك بالرد.