لا أجد نفسي في الحياة
السلام عليكم... أتمنى قبل طرح الآراء حول حكايتي أن تعيشوا جوانب ما أشعر به من ألم ومعاناة نفسية.
كنت في بداية عمري (أذكر في سن ال 10 سنوات) طفل محب للمجتمع وأحب أن أخالط الكل، وكنت جريئاً وأستطيع فعل ما أفكر فيه، ولم يكن يوقفني شيء نحو ما أسمو إليه، وكنت أحب أخالط من هم بسني، ولكن كانت جدتي تضطهدني، فلم تكن تحب أن أجلس عندها، وكانت تطردني من منزلها وتجعل أبناء عمومتي عندها، فكنت أحزن بسبب تفريقها، ولم تكن في العيد تعطيني المال، بل كنت أراها تعطي الآخرين ولا تعطيني.
وفي يوم تعرضت للاختطاف من قبل شخصين، وفي ذلك الوقت كنت أبكي طلباً منهم أن يتركوني، وتعذبت نفسياً من الموقف رغم أنهم _والحمدلله_ لم يتعرضوا لي، ولكن لا أعلم ما هي فعلاً نواياهم، هل هي التعذيب نفسي أم هو القدر!
مرت فترة من الزمن منذ تلك الحادثة وأصبحت شخصاً منطوياً يخاف الخروج للمجتمع، ويخاف أن يذهب مع أي شخص لا يعرفه.
كان أبي ذو دخل قليل جداً فلم يستطيع إعطائي المال للمدرسة، فكنت أجلس وأنظر لمن حولي وهم يأكلون ويلعبون وأنا أجلس أنظر لهم، فأصبحت أنظر لمن هم حولي وأقول في نفسي "لماذا أنا أعاني وهم لا؟"، وتأثرت بالموقف لدرجة أني إلى يومي هذا لا أنساه مطلقاً.
دخلت في سن 14 ولم أكن أستطيع الخروج من المنزل ولا اللعب مع الأشخاص الآخرين (حتى المقربين مني) فقد كنت أعاني وأنظر لهم أقول "لماذا لا يشعرون بشعوري؟ ولماذا هم سعيدون وأنا لا؟ لماذا حدث ذلك الموقف في حياتي وأصابني بالهلع؟".
كنت أحب أن أشارك في صغري في النشاطات الطلابية ومنها الظهور أمام الجميع في الإذاعة الصباحية، ولكن تغير كل شيء فلم أكن أستطيع الظهور، وكنت أتوتر، وإذا اختارني معلم للإجابة على سؤال كانت دقات قلبي تزيد وأبدأ بالتعرق، كرهت نفسي أشد الكره "لماذا أتوتر؟ ولماذا لا أستطيع فعل ما يحلو لي؟"، وحاولت جاهداً تجنب التوتر ولكنه مازال يصاحبني إلى يومي هذا.
مرت الأيام وكنت أتعرض للتنمر من الفتية في المدرسة بسبب وزني وشكلي، وكنت أتعرض للضرب مما زاد الأمر عليَّ، فأصبحت أخاف من مواجهة الأشخاص ولا أستطيع أن أفعل شيئاً تجاه ذلك، فقد كنت وحيداً طيلة حياتي لا أملك أصدقاء أو أقارب في مدرستي.
كان أبي من النوع العصبي جداً، فقد كان يدخل في شجار في الشارع مع أشخاص آخرين، وكنت أراه وكان الأمر يوترني لأني لا أستطيع الدفاع عن والدي أو أن أفعل شيئاً، هذا زاد الأمر على نفسي رغم أني حاولت ألا أثقل عليها لكنه كان أمراً مقضياً.
أنا شخص لا أقدر على تغيير فكرة تأصلت في رأسي مهما حاولت جاهداً، فقد كرهت المجتمع وأصبحت أنظر للناس من حولي عل أنهم سعداء وأنا لا أقوى على فعل شيء، فقد حرمت من صغري من أبسط الأمور، ولم يكن والدي يستطيع توفير ما أتمنى، ولا حتى لعبة مثل الأطفال.
مرت الأيام وأصبحت في ال 17 من عمري، حاولت تخطي ما مررت به من معاناة، لكن كبر سني وكبرت مطالبي، ودخلت للمرحلة الثانوية وكان المجتمع أكبر مما توقعت، حاولت جاهداً الاختلاط بمن هم حولي لعلَّ ما أعاني منه يزول، انغمست في أيام الدراسة ولكن سرعان ما عاد لي الفكر بأنني شخص أقل ممن أعرفهم، فكنت في تلك السن أتمنى أن أمتلك سيارة كغيري من الشباب، ولكن مالبث الأمر حتى عادت الحسرة في قلبي، فوالدي لم يكن يملك لنفسه سيارة، فكنت أذهب قاطعاً مسافة طويلة أنا وإخوتي للذهاب للمدرسة، كان حلمي أن أملك ما يراه الآخرين أمراً تافهاً، فقد كانت السيارة بمثابة حلم، ومازالت إلى يومي هذا.
صاحبتني مخاوفي كالتوتر وعدم القدرة على مواجهة الجمهور حتى وصلت لسن ال 19 عشر من عمري، وانتهت مرحلتي الثانوية وحملت منها ما حملت من هموم أخرى.
في مرة من المرات كنت ذاهباً لمنزل جدتي فرأيتهم يحتفلون لتخرج ابن عمتي، ولم يهتم بي أحد منهم، وقال لي والدي "لماذا لا تصبح كابن عمتك؟" فصدمت من كلامه وترك أثراً في قلبي، فلم أكن أتوقع أن يقول أبي عني هذا، فحزنت وغضبت وكرهت ابن عمتي بسببهم وساءت عليَّ الأمور أكثر.
تمكنت رغم الصعاب من الالتحاق بكلية الهندسة الكهربائية، وحاولت نسيان الماضي لكن لم يكن ليدعني، فقد كانت هواجسه تأتي من حين لآخر، لكن تأقلمت مع حياتي الجديدة وأصبحت أنا الوحيد من يعول أهلي في المنزل، فلم يكن أخي الكبير يعمل، وكنت أنا من يساند أبي في حياته، لكن كنت كلما خرجت إلى الشارع أرى الناس وعيناي يملأهما الكره للمجتمع، فأنا لم أحبه يوماً، وكلما رأيت شخصاً يملك ما أتمنى كنت أكره حياتي أكثر وأكثر "لماذا لا أملك مثلهم؟ ماذا ينقصني عن غيري؟" لكن سرعان ما أستغفر في نفسي وأتمنى لهم الخير، فوالله أنا لا أتمنى الشر للناس لكني أشعر بانكسار نفسي وأنها حُمِّلَت ما لم تسطع حمله.
أنا تعبت من كل شيء حولي، لا أرى لذة في الحياة كما في سابق عمري، ولم أجد معنى لحياتي، وكثيراً ما أفكر بالانتحار ولكن يمنعني خوفي من الله وأنه لا توجد فائدة من ذلك التفكير، وأعاني من كثرة التوتر، وإذا تعرضت لموقف ضد شخص كمشادة في الكلام أو سوء فهم أتوتر كثيراً وتزيد دقات قلبي.
أرجوكم ساعدوني فقد حاولت جاهداً تغيير أفكاري لكن لم أستطع تغيير أي شيء في حياتي، فكلما مررت بموقف سيء أُصاب بالإحباط وتعود لي أفكار الماضي وما مررت به...
وشاكراً لكم موقعكم هذا، كتب الله أجركم وأثابكم به الجنة، والسلام خير الختام.
20/10/2020
رد المستشار
أهلا بك على موقع مجانين للصحة النفسية.
قد نلخّص استشارتك في الآتي:
- كنت اجتماعيا وتغيّر الوضع بعد تعرضك للاختطاف.
- صدمة الاختطاف التي لم تُعالج أثّرت عليك وكوّنت رهابا اجتماعيا.
- أسرة لا توفّر لك ما كنت تراه ضروريا لبناء تقدير وثقة بنفسك
- تقدير منخفض للذات وكراهية لنفسك تحوّلت لكراهية ولوم اتجاه المجتمع.
التشخيص رُهاب اجتماعي (واذا تعرضتُ لموقف ضد شخص كمشادة في الكلام أو سوء فهم فأتوتر كثيرا وتزيد دقات قلبي) مع تخوّف ناتج عن صدمة الاختطاف في الطفولة. أما ما يتعلّق بكراهية المجتمع وتمني ما عند الآخرين أعتقد أنه شيء متعلّق بالمستوى الماديّ، وبتعبير أدّق عجزك وغضبك وإحباطك من تغيير قدرتك الاستهلاكية، فتوجّهت نحو المجتمع ونحو نفسك لتفرغ الغضب والإحباط بطريقة خاطئة. وله جانب أيضا بعدم تأقلمك مع الناس ولعب "دور المراقب المستاء" اتجاه المظاهر الاجتماعية، لو كان تفاعلك الاجتماعي مع الناس أكثر إيجابية لكانت علاقتك مع المجتمع أقلّ "سوداوية".
كيف تغير أفكارك وشعورك؟ تقول أنك حاولت جاهدا أن تغيّر أفكارك لكنك فشلت.... والسبب بسيط في نظري، إنّك تريد أن تتغيّر بشروطك أنت لا بالشروط التي يتطلّبها التغيير، بمعنى أنّك تريد أن تُبقِيَ على بعض الأفكار والمسلّمات الخاطئة عندك وتراها غير مضرة بمسيرة التغيير. تريد أن تحافظ على أنماط إدراكك القديمة لنفسك والمجتمع وللحياة وتريد في الوقت نفسه أن يتغير إحساسك وشعورك وتصير شخصا آخر.
لا يمكننا أن نتغير بمجرّد الإحساس بالألم، بل ينبغي الشعور "بالألم الصحيح"! ماذا يعني هذا ؟ يعني هذا أنّنا قد نتألم كثيرا ونشكي ونلعب دور الضحية، قد نقبل بالألم، لكنه رغمَ ذلك ألمٌ مألوف عشناه وعرفناه، في حين نرفض ألما من نوع آخر، ألم تغيير القناعات، تغيير الرؤى، ألم جديد يترافق مع تغيير سلوكاتنا واكتساب سلوكات جديدة، وأفكار جديدة، هذا النوع من الألم هو الذي لا يتحملها الكثيرون لذلك هم لا يتغيرون... يحبون أن يبقوا متألمون ومتعبين من آلامهم "المألوفة" حتى لو كانت أكبر من تلك الآلام الجديدة الغريبة عنهم.
غير نظرتك لنفسك، بتغيير المسلمات الخاطئة، الناس لا تنظر لما عندك، بل تنظر لشخصيتك أكثر، الناس لا تنتبه لنقصك كما تنتبه أنت له، فقط بتضخيمك لإحساسك بالنقص تكون ثقيل العشرة، فالناس لا تحب المتحسس المتردد في المواقف الاجتماعية، لا تحب الكتوم غير الواثق، فتبتعد عنه شيئا فشيئا، وهو يصدّق أنهم ابتعدوا عنه لأنه فعلا كما يرى ولا يملك ما لا يملكون. لأنه يفسر كل شيء حسب "معيار مهم" عنده وهو خاطئ. ويحقّق ما يخاف منه بالضبط، يخاف من النبذ ويجعله يتحقق بتصرفاته المبنية على أفكار خاطئة عن نفسه، وعن الناس. هذا ما يحصل معك.
أدهشني أنك تقول عن "السيارة في سن المراهقة" أنّها شيء تافه عند الناس! من قال أن امتلاك سيارة في سن 17 عاما شيء تافه؟! ربما عند العائلات الغنية، لكن عند عموم الناس هو شيء نمتلكه بعد أن نتخرج ونعمل ونجمع بعض المال، هذه فكرة ثابتة في عقلك وهي خاطئة جدا، وإذا راكمنا مثل هذه الأفكار التي بها تحطم نفسك وتحتقرها فسنجدها كثيرة جدا
إذا كنت تريد أن تتغير ينبغي أن ترى من زاوية أخرى، وفي الحقيقة قد يصعب عليك هذا، وتحتاج لمن يعينك، وأفضل من يعينك هو مختص نفساني بارع يعيد معك ضبط "معايير الثقة والاحترام" لنفسك، ومعايير المجتمع في عقلك. تحتاج لزيارة مختص للحديث عن حادثة الاختطاف وتعديل كل تلك الأفكار والرهابات المتعلقة بالمجتمع.
أعتقد أنك إن عالجت رهابك الاجتماعي فتخطو خطوة كبيرة في العلاج والانعتاق، زر مختصا نفسانيا في مستشفيات الحكومة أو استعن بكتب ومقالات إن لم تجد وكانت الجلسات غالية الثمن (وهي كذلك)
حاول بكل ما أوتيت من قوة أن تغير منظورك وزاوية الرؤية عندك بدل أن تبذل طاقتك في المقارنات وجلد الذات.... كفّ عن الحكم على الناس وعلى نفسك للحظة وتفرّغ لتغيير قناعاتك واكتساب معارف ومهارات جديدة تساعدك على ذلك، لأنك لن تتغير إن بقيت على نفس ثقافتك ونفس الأماكن التي ترتادها، ولن تتغير إن فضّلت الاختباء بدل المواجهة، ولن تتغير إن فضلت البقاء في الظل.. لا تضغط على نفسك ولكن في الوقت نفسه لا تدلّلها فلا يوجد تغيير دون ألم.
صاحب الناس الناجحين والواثقين، بل سينفعك أن تصاحب ناس فاشلين واثقين من أنفسهم حتى يعلموك أن الثقة وحب الذات لا علاقة له بالإنجاز والنجاحات !
وأتمنى لك التعافي، وإليك بعض الروابط:
التخلص من الرهاب الاجتماعي خطوة خطوة
من رهاب اجتماعي إلى سجن أبدي
الرهاب الاجتماعي خيارات علاجية
الرهاب والاكتئاب، والطبيب يوم الحساب !
رهاب أم اكتئاب؟ بل هو رهاب اجتماعي !