السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة لم يتقَدَّم أَحَدٌ لخِطْبَتِي لأنِّي لست جميلة. وأُمِّي تقول بأنِّي لست جميلة، وتَشُكُّ إنْ كنت سأَتَزَوَّج أم لا.
بدأت أَكْرَهُ نفسي وأكره الخروج من المنزل؛ لأنِّي أسمع الكلام ذاته "لست جميلة"، أسمعه من عدد كبير من الناس، فأَصمُت ولا أُجِيبُ بشيء حتى لا يشعرون بحُزنِي ويَأْسِي من كلامهم، ولأنَّنِي أعرف بأنِّي غير جميلة.
أنا راضية _الحمد لله_ لَكِن كلامهم يُزعِجُنِي، وبدأت في الشك إن كنت سأتزَوَّج أم لا، فأنا لا أَعجِبُ أيَّ شخص، ومُعظَم اللَّوَاتِي أَعرِفُهُن تَزَوَّجن.
ماذا تَرُون؟ هل مِن حَلّ؟
شكرًا.
12/6/2021
رد المستشار
أهلا وسهلا بك يا "هناء" على موقع مجانين للصحة النفسية ونعتذر عن التأخير
تسألين عن الحل، إن كان الحل بخصوص الزواج فيصعب توقعه، لكن هناك حل على مستويات عدّة، المستوى الأول هو مدى تقبلك لنفسك وصبرك على كلام الناس وتنمّر مجتمعاتنا (غربا وشرقا)، والمستوى الثاني هو الأهمية التي تولينَها للزواج وتخوفك الشديد من البقاء دونه.
من جهة كلام الناس، للأسف نحن نقدم انتقادات وكلمات مجانية تخرج دون عناء أو تعب، فقط لنعبّر عن شيء بداخلنا دون أن نزِن تبعاتها وثقلها على مسامع الناس، نصف هذا بالغباء، والآخر بالكسل واللامسؤولية، ونصف هاته بالقبح والأخرى بالأنانية.... هكذا لدينا "مُلصق" لكل شخص نعرفه أو لا نعرفه حتى، وضع الملصقات على الناس وإصدار الأحكام في حقهم يريحنا ويشعرنا أننا نفهم العالم ونعرف الناس فيه. بعض هذه الأحكام لها وجاهتها لكن أغلبيتها سلبيّ ومدمّر ومجرّد تنمّر يأخذ أشكالا من الفضيل والنصح والشفقة الزائفة أحيانا. كلّ هذا كان ولا يزال ولن يتغيّر!! لكن ما الذي يجعل الناس مختلفين وسط هذا التنمر؟ هو ردة فعلهم اتجاهه، هو طريقة تلقيّ تلك الهجمات المتتالية وطريقة تأويلها وكيفية التعامل معها، هل هي مجرد كلام لا يقدم ولا يؤخر ولا يغير من الواقع (السلبي والإيجابي معا) شيئا، أم هو شيء يعكس حقيقتي أو شيئا منها وكنت أنتظر أن يقولوا لي كلمات تشجيعية وجميلة ومريحة؟ لاحظي أنك لو كنت تنتظرين منهم عكس ما تسمعين الآن ستشعرين بالإحباط أكثر وتشعرين بالقلق أكثر. وكلما كنت غير متقبلة لذاتك وشكلك كلما كان كلامهم مؤثرا أكثر، لأن كلامهم ما هو إلاّ صدى لحديثك مع نفسك وقناعاتك الداخلية، التي تحاولين إنكارها والتهرّب منها. أما لو عرفت جيدا أنك لستِ جميلة (على حدّ وصفك الذي قد يكون مبالغا فيه) فستشعرين بشيء من الأسى من كلامهم القاسي والمباشر لكنه لن يجعلك تنهارين وتتراجعي عن أي نشاطات اجتماعية أو مجابهة.
لديك الحق في إثبات ذاتك، في العيش رغم شكلك الذي لا يعجبهم، فالأخطر هو ألا تقبلي به أنت، لا أقول أن تعجبي بشكلك، لنكون واقعيين لكن القبول بشكلك مهم جدا، القبول يقتضي نوعا من الفخر والاستيعاب كون هذا الجسد وهذا الشكل هو أنت وليس أحدا آخر به تروحين وتذهبين هو الاحتمال الوحيد من عدة احتمالات وهو ما يجعلك أنت "هناء" لا أحد غيرك، القبول هو نوع من الامتنان أنه رغم عدم الإعجاب لكني "موجودة" وشكلي وجسدي هو ما خولني أن أوجد وأفرض وجودي وأفكر، بل وأشعر بإنسانيتي وأفكر وأعيش أحاسيسَ مختلفة. لذا أعتقد أن تقدير ذاتك جزء مهم من المشكل.
نأتي للمشكل الثاني، الزواج وتضخّمه في نفوس البنات في مجتمعاتنا أو في بيئات معينة من مجتمعاتنا العربية، فالبنت التي لا تريد الزواج أو لم تستطع أن تتزوج ناقصة وممسوخة!! تتمركز فكرة النجاح عند البنت العربية على فكرة الزواج وكثرة الخطاب الذين يطرقون بابها، مع أنّ الزواج هو مرحلة من الحياة قد تكون نحو الأفضل وقد تكون نحو الأسوء، قد يكون الإنسان به أفضل وقد يكون به في حالة مزرية يتمنى لو بقي أعزبا/عزباء لو عرفها. وتزيد الأسر والمجتمع من حجم هذا الضغط عندما يُشعرون البنت أنّها شيء مستعار ربوه وأطعموه وألبسوه ودرسوه إلى حين يأتي رجل ليتزوجها ويأخذها بعيدا عن الأسرة ويحمل معها ثقلها معنويّا وجسديا، وإن لم ترحل البنت بسرعة وترفرف تبدأ المعاناة ونظرات الشفقة وأحيانا العض والركل والنقر مثل بعض الحيوانات وقت انفصالهم عن صغارهم البالغين! هذه فكرة خاطئة وتمرر رسائل قاتلة وسلبية للبنت وأنها مجرد ضيف ثقيل ننتظر من يخلّصنا منه.
فكرة أنك غير صالحة ومسخ مجتمعي وثقل يُراد التخلّص منه إن لم تتزوجي ستجدينها إن فتّشت جيدا في أعماقك مقترنة بكونك غير جميلة وغير متقبلة لشكلك، فهما مشكلتان منفصلتان وإن كانت كل واحدة تغذّي الأخرى. من تعرفينهن تزوجن وأنت لا، هذا مثل أن من نعرفهم قد ماتوا ونحن لا، أو أكلموا دراستهم ونحن لا، أو هاجروا للغرب ونحن لا.... إلخ، يعني أننا لسنا مثل أحد أصلا حتى نضع تلك المقارنات التي تفترض أننا يجب أن نكون مثلهم، والفكرة الأهمّ هي أن البنت تتخيل نفسها زوجة وأمّا فإن تأخر ذلك عنها أو لم تدركه في حياتها شعرت أنّها لا تصلح لشيء! أنها ليس إنسانا أصلا ! تفقد كل حيويتها وليس لها أهداف غير الزواج والإنجاب وعيش الرومانسية (إن هي حصلت عليها) فهل انعدام الزواج يعني انعدام الحياة والإنجازات.؟ هل الزواج هو الإنجاز الوحيد والأكبر للبنت العربية؟ نعم إن جاء مع أو بعد إنجازات سيكون ذلك إنجازا آخر يضاف إليها لكنها ليس الإنجاز الوحيد الذي يجعلها إنسانا عاقلا منتجا حيوية مقبلا على الحياة.
وأخيرا أنبّه لفكرة أخرى وهي ارتباط الزواج بالجمال (بمعاييرك على الأقل) وعندي سؤال بسيط: من أين يأتي الأبناء "غير الجميلين" في نظرك، إن لم يكونوا نتيجة زواج رجل وامرأة ورّثوا لهم تلك الصفات أو على الأقل واحد منهما؟ الجواب يوضّح أنّ الزواج قد يُبنى على اعتبارات أخرى غير الجمال فقط، وإلا لما وجدت ذريّة "غير جميلة" أبدا.
والمفارقة هنا وركزي معي، أنّ البنت كلما تحطّمت وتثاقلت عن أهدافها وإنجازاتها بدعوى أنها لم تتزوج بسبب شكلها ولا تفتأ تقارن نفسها مع معارفها ومن هنّ في مثل سنّها، تزيد من احتمالية عدم زواجها إذ أنّها لا تطور نفسها ولا تزدهر في جوانب شخصيتها المتعددة، تلك الجوانب الأخرى التي تجعل شريكا آخر يطلبها ويريدها زوجة له بغض النظر عن مدى جمالها.
أعرف أنه بالمنطق الأمر سهل، لكنّ لا حلّ سوى هذا، فأنت إن عملتِ على تطوير نفسك وتحسينها (ودائما هناك مجال للتطوير والأفضل حتى إن لم تكوني أسوء شخص في العالم) فستربحين أشياء أما الزواج فلا طائل من انتظاره وقد يضيع عمرك وأنت تنتظرينه فلا الزواج أدركت ولا أهدافك حصّلتِ.
ولا أقصد هنا أن تتحولي لشخص آخر، فالذي لا يقبلك كما أنت في أحسن حالاتك وفي حدود إمكاناتك للتغيير فلا يصلح لك شريكا، ولا أقصد أيضا التطوير في المجال المهنيّ فقط، أقصد بالخصوص تطوير جوانب شخصيتك، طريقة نظرتك لنفسك وتعاملك مع الناس والانطباع الذي تتركينه إن أنت تركت التباكي المخنوق على الزواج وانطلقت غير مكترثة به ولو مؤقتا.
دعيك من كلام الناس قليلا وحاولي التركيز على إنجازات وأهداف أخرى وبناء صورة إيجابية عن ذاتك لا يكون الزواج هو نواتها الوحيدة والمتفرّدة.
وإليك بعض الروابط:
أهمية تقدير الذات
انخفاض تقدير الذات
قبل الانفجار: تأخر الزواج.... فضفضة موجعة
حرمت الجمال والجميع لا يحبني
رفضوني بسبب الجمال أريد حلا
رفضوني بسبب الجمال أريد حلا مشاركة1
الجمال إن أكرمكم عند الله أتقاكم مشاركة
الجمال والقبح
الجمال أم الثقة ؟ أهم حاجة للبنت ؟
لا أمتلك الجمال ماذا أفعل ؟