أحتاج لحل قبل أن أجن!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
هذه أول مرة أرسل فيها مشكلتي هذه لمستشاري الموقع الكرام، وأتمنى من كل قلبي أن أجد حلا قبل أن أنفجر أو أنتحر والعياذ بالله، فوالله ما فكرت أن أبوح بمشكلتي إلا لأنني أحس أني قد وصلت حافة الانهيار.
مشكلتي ببساطة هي العنوسة، وليست العنوسة الفردية بل العنوسة الجماعية، أبلغ من العمر 27 عاما ولم يتقدم لخطبتي أحد وكذلك الحال مع إخوتي اللاتي هن أكبر مني في السن، بسنوات عديدة ليست بسيطة، أحس بالذنب تجاه أمي وأبي، لقد تعبا علينا دون جدوى، ومازلنا نعيش معهم، نتحمل الإهانات والتلميحات من الغير لعدم زواجنا، نتحمل رؤية أبناء أهلنا الصغار ونحن الأكبر منهم لم نتزوج بعد.
نحن لا تنقصنا لا الأخلاق ولا الجمال والحمد لله ولا التربية ولا المستوى المعيشي. وكل من يرانا يعتقد أننا نرفض كل من يتقدم لنا.. أشعر أني مجبرة بعمل كل شيء في حياتي، لا يوجد شيء أفعله برغبتي. فأنا مضطرة أن أواجه العالم الخارجي رغم الإهانات، مضطرة أن أذهب إلى العمل كل يوم رغم أني أستيقظ يوميا بغضب شديد وحالة من الهيجان النفسي الداخلي الذي لا يطاق. أشعر أن حياتي عبارة عن دوامة لا تنتهي، لا يوجد بها أي تغيير، لا حبيب ولا خطيب ولا زوج ولا يوجد أمل أصلا، وفرصتي الوحيدة هي عندما أذهب إلى بلدي في العطلات حيث أننا في بلد عربي شقيق ولا نرى شبابا من نفس جنسياتنا، وحتى عندما نذهب يعجب بنا الكثيرون ولكن لا أحد يتقدم أبدا، فكرنا أن نذهب لشيخ حتى يرى إن كان هناك عين أو سحر، ولكن دون جدوى.
مللت حياتي، صديقاتي كلهن تزوجن وكل واحدة مشغولة بحياتها الجديدة، وأنا كما أنا، لا تغيير، فقط عمل، كل يوم أشعر أن لا نهاية لما يحدث لي، روتين قاتل، فظيع، لا يطاق، أحس أني أريد أن أموت حتى أرتاح، أحاول قراءة القرآن ولكن شيئا ما يمنعني، أشعر بالإحباط والكسل الدائم وعدم الرغبة في الذهاب إلى العمل.... تخيلوا، أذهب كل يوم للعمل وأنا أستغفر الله وأقول إلى متى يا رب؟
أعينوني، أشعر أني سأموت حسرة على نفسي أو سأجن حتما!!
17/2/2010
رد المستشار
أهلاً بك في أول رسالة منك، لكنها بالطبع ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها لظاهرة العنوسة، وكنت من وقت مبكر قد حظرت استخدام الكلمة لأنها غير علمية، ومن أجل آثارها النفسية السيئة، واخترنا أن نستخدم تعبير "تأخر زواج" بدلاً منها!!
على كل حال العبرة بالمسميات لا بالأسماء، ودعينا ندخل إلى مساحة أوجاعك مباشرةً... وفي الحقيقة لم توضحي لنا سبب بقائكم في الخليج، إذا كانت فرص الارتباط بالزواج فيه أقل!!
ولا أدري ما هي الاختيارات أو السبل العملية المقترحة أو المتاحة أمامكم للتواصل مع الرجال حتى يقرر أحدهم أن يتقدم لإحداكن؟
أنا معك ناقم على الواقع وأوضاعه المختلفة، ولكن ألا ترين أنك أنت وأسرتك قد اخترتم وضعا يزداد معه طينكم بلة بالبقاء في الخليج حيث لا توجد حياة اجتماعية عامة يتلاقى فيها البشر فيتعارفون، وربما يقررون تصعيد علاقة عامة إلى الارتباط بالزواج!!
صحيح أن البلدان العربية التي تعيش صوراً من التفاعل الاجتماعي ربما غالباً لا تمارسه بشكل سليم، ولكن غياب هذا التفاعل أصلاً في بلدان الخليج، أو في أوساط معينة من غير الخليج يجعل فرصة اللقاء مستحيلة، ولا يترك للزواج أية فرصة غير عبر الترشيح الذي تمارسه الأخوات والأمهات للأبناء والأخوة بناء على ما يرونه في بنت معينة من صفات أخلاقية وجمالية.
إذن لا الزواج عبر اللقاء الاجتماعي متاح بحكم وجودكن في الخليج، ولا الزواج عبر الترشيح العائلي وما شابه موجود، ربما لضعف علاقات الوالد والوالدة الكرام سواء في الخليج، أو في بلد الأصل!! فما أخبار اجتماعياتكن؟!! وكيف تتناولن هذه المعضلة في أحاديثكن مع الوالد والوالدة؟!! وهل البقاء في الخليج هو قدر أو سجن لا يمكن مغادرته أو تغييره؟! وهل من سبيل لكسر العزلة التي تعيشونها؟!
أعطيك أمثلة: بعض الفتيات يضعن أنفسهن ضمن شبكات اجتماعية تتعارف على أسلوب الزواج بالترشيح الذي شرحته لك تواً، حيث تنتشر الدروس الدينية من كل نوع، ومجالس القرآن وغيرها، وحيث تتقابل النساء ويتعارفن، ويكون الترشيح بعد ذلك، فأين أنتن من ذلك؟! وأين علاقاتكن الاجتماعية؟!
طبعاً أنا شخصياً عندي تحفظات على أسلوب كهذا، ولكنني أقلب معك الأمور بحثاً عن كسر لوضع "لم يتقدم أحد"!! الذي تشيرين إليه!!
وسيكفل الحراك والتفاعل العائلي سواءا في الخليج أو في بلدك الأصلي فرصا أفضل عبر تعارف العائلات على الوالد والوالدة، وبما يمكن أن يتضمن حركة أخواتك، وأنت طبعا، في زيارات منزلية قد تكون نسائية فقط، لكنها يمكن أن تؤدي ـ مرة أخرى ـ إلى ترشيحات فيتقدم أحد.
والبعض يجرب مواقع الزواج، فهل فعلت؟! وما هي نتائج خبرتك هذه؟!
طبعا لن أخوض معك في مسائل مثل النظرة الاجتماعية المتخلفة الظالمة لمن تأخر زواجها، وبالمناسبة ما تزالين صغيرة بمعايير الوقت الحاضر!!
وستجدين أمامك مدرستين في التعامل مع ظاهرة تأخر الزواج: مدرسة أو اتجاه "النصيب"، وهؤلاء يدبجون خطابا لتسكين الأوجاع مبني على الزواج رزق يأتي مثل المرض والموت، ولا يد لنا فيه، وعلينا أن ننتظر ونحتسب، ونصبر على البلاء، وقد يروق لك أن تسميها مدرسة "الصبر"!!
أما الأخرى فهي مدرسة "عيشي حياتك"، وتلك تدبج خطابا قوامه أنه لا بأس من تأخر الزواج، وأنه لابد من شغل الوقت والجهد بما ينفع ويمتع حتى يأتي الزواج، إن جاء!!
وقد يتطور البعض أو يتجاوزون ذلك إلى إقامة علاقات حرة دون إطار شرعي، أو في إطار شرعي، ولكن سري، وكل هذه الاختيارات جميعا إنما تحاول تحاشي مواجهة المجتمع فضلا عن تغييره، ذلك التغيير الذي صار حتما، والتغيير إما أن يكون واعيا ومعلنا ومدروسا ومتدرجا، أو يكون من وراء حجاب.. في السر.. وبسرعة كما ينهار أي بناء هش، وهكذا يحدث لنا حاليا في الخليج وغيره، والمدهش أننا نواجه هذه الانهيارات بالمزيد من التشدد لنتماسك، فإذا بنا ننهار أكثر، لأن تغييرات عميقة، وعلاجات مركبة، ومصارحات صادقة ينبغي أن تبدأ لنصل يوما إلى حلول صحية للتعامل مع هذا الانهيار، ونحن تدربنا وتعودنا على الحلول الشكلية العاجلة، والدهانات الرخيصة المغشوشة للتغطية على عيوب البناء، وبالتالي ننهار أكثر!!
ولو أنك قرأت لي ستكتمل أمام عيونك صورة لما أطرحه في مساحة تأخر الزواج إجمالا:
فأنا أعرف وأعترف أن الزواج قسمة ونصيب طبعا، ولكن هذه البديهية لا تصلح أساسا لبرنامج عمل أو خطة انتظار، إنما هي يقين إيماني ينبغي أن يستقر في الوجدان والروح، وبالإضافة إليه لابد من حركة على المستوى الفردي والجماعي لتنمية الذات نفسيا ووجدانيا وجسمانيا وعقليا وثقافيا، لأن رحلة الحياة هي رحلة نمو، وبالتالي فإن برامج النمو والتفاعل والنضج الإنساني ليست مجرد شغل لوقت الفراغ أو قتل للملل حتى يأتي الزواج!!
كما أرى وكتبت في حتمية إعادة النظر في أشكال وأساليب وخطوات الزواج عندنا حيث يبدو نظام الزواج حاليا خارجا عن الشرع والعقل والمعقول الإنساني كله!!!
كما كتبت مرارا أدعو إلى إعادة بناء المجال الاجتماعي العام للقاء الطبيعي بين الجنسين وتفاعلهما، ولن أتوقف عن الدعوة إلى حتمية التغيير الاجتماعي حتى تنعدل أوضاع كثيرة في حياتنا، وهي لن تنعدل بمجرد الوعظ ولا القدوة الحسنة، ولا الابتهال إلى الله أن يغير أحوالنا!!! ولهذا حديث آخر.
أرجو أن أسمع منك قريبا، وتقبلي تحياتي وتعاطفي وكامل دعمي!!!
لك ولأخواتك، ولكل المحرومين والمحرومات من الحب.
واقرئي أيضاً:
العنوسة شبح يخيم على عقول بناتنا
بين الأنوثة والعنوسة
جرة قلم
العنوسة مشهد مختلف مشاركة1
ويتبع: >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> قبل الانفجار: تأخر الزواج..فضفضة م