بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي الكبرى عمرها 13 عاما لكني أشعر أن شخصيتها وتصرفاتها ما تزال في مرحلة عمرية أصغر فهي لا تهتم بما تهتم به صديقاتها من نفس العمر، وعندما آخذها للسوق لشراء ثيابها فإنها تقوم بانتقاء موديلات تصلح لمن هن أصغر منها ببضع سنوات، حتى إننا نجد صعوبة كبيرة لنجد أخيرا شيئا مشابها لما تختاره يكون على مقاسها، بالإضافة إلى ذلك فهي تحب أن أصطحبها لزيارة صديقاتي اللاتي لديهن بنات في عمر 6 أو 7 سنوات، وعندما نكون في حفلة أو اجتماع عائلي فيه بنات من أعمار مختلفة أجدها ترافق من تصغرها ببضع أعوام بدل أن تندمج مع من هن في مثل سنها.
وهي لا تحب المطالعة رغم بذلي جهودا كثيرة على مدى سنوات لتحبيبها بالقراءة كي توسع آفاقها وقد أثمرت جهودي بقراءتها بضع قصص وروايات أطفال لكنها الآن إذا شجعتها على القراءة تقوم بإعادة قراءة نفس القصص ولا تحب أن تقرأ شيئا جديدا، ولا تحب مشاهدة التلفاز لكنها تحب إعادة مشاهدة البرامج التي كانت تفضلها في عمر صغير، فمثلا تابعت مسلسل أطفال وهي في الصف الثالث ثم تابعته عندما أعيد وهي في الصف الخامس. وفي العام الماضي عندما أعيد بثه أرادت أن تعيد مشاهدته لكن والدها منعها؛ لأنه مسلسل لمن هم دون العاشرة وطلب منها أن تشاهد شيئا أخر لكنها رفضت.
وقد يمر عام كامل دون أن تتابع أي مسلسل أو تقرأ أي كتاب بل تقضي وقتها في رسم فتيات صغيرات بنفس الأسلوب الذي كانت ترسم به منذ 7 سنوات وكثيرا ما جلست معها أثني على رسوماتها وأعطيها أفكارا لتطوير رسوماتها لكنها لا تحب التغيير حتى إنني أشعر بأن الوجوه التي ترسمها مكررة ولا أكاد أكتشف الفرق بين رسم وأخر، وعندما نكون جالسين جميعا نتحدث في موضوع ما أنا وأبوها وإخوتها كثيرا ما تعبر عن عدم فهمها لأشياء يفهمها أخوها الذي يصغرها بعامين ونصف. حتى إن أخاها كثيرا ما يسخر منها فأمنعه وأفهمه أن تصرفه لا يليق.
ومنذ فترة قصيرة سمعت أن بنات عمها اللاتي في صفها يعتبرن صحبتها مملة ويحاولن التهرب من البقاء معها لأنها لا تشارك في أحاديثهن وليس لديها ما تحكيه لهن ولا تبدي رأيا فيما يفعلن بل تسير معهن كالتابع وإذا أخذن يلعبن لعبة تحتاج للركض والنشاط فإنها تنتحى جانبا أو تشارك ولكن على استحياء (مشاركة وجدانية).
بقي أن أقول إنها خجولة ومعلماتها يشتكين دوما من قلة مشاركتها وخفوت صوتها في الصف رغم تفوقها وأدبها وحتى في الزيارات العائلية لا تكاد تتحدث، وإذا سألتها إحدى الموجودات عن أحوالها احمر وجهها وتجيب بصوت خافت إجابة مقتضبة لا تكاد تسمع مع أنني أحاول تشجيعها وأبث فيها الثقة ولكن "دووووون جدوى". لقد مللت وأصبح وضعها يؤرقني ويؤلمني خاصة أنها بدأت تفقد صديقاتها وأصبحت أخشى أن تكون في المدرسة موضع سخرية من أترابها وهذا بحد ذاته سيزيد وضعها سوءا.
أرشدوني أرجوكم
وجزاكم الله خيرا
10/4/2022
رد المستشار
الأخت الفاضلة، "أم إيلاف" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما تفعله "إيلاف" يطلق عليه : "السلوك النكوصي" Regressive Behavior وهو يعني رغبتها دائما في العودة إلى مراحل سابقة من نموها والتشبث بتلك المراحل مع عدم قدرتها على مواكبة مرحلة النمو الحالية أو المتوقعة في مثل سنها. وقد يرجع ذلك إما لضعف في قدراتها العقلية أو لعوامل نفسية.
ففي حالة ضعف القدرات العقلية يكون العمر العقلي أقل من العمر الزمني، والفتاة تتصرف طبقا لعمرها العقلي في حين أن توقعاتنا منها أن تتصرف طبقا لعمرها الزمني، وهنا تحدث فجوة بين توقعاتنا وتصرفاتها. وهذا الاحتمال يتأكد بإجراء اختبارات ذكاء على يد متخصص لمعرفة نقاط الضعف ونقاط القوة في قدراتها العقلية، ونتيجة الاختبار (خاصة إذا كان اختبارا تفصيليا مثل اختبار بينيه الصورة الرابعة) تشكل قاعدة لعمل برنامج لمساعدتها للتغلب على نقاط ضعفها. وهناك برامج لتنمية القدرات العقلية والمساعدة على التكيف مع القدرات التي يصعب تقويتها.
ومن المهم في حالة وجود ضعف في القدرات العقلية أن لا نضغط عليها أكثر مما تحتمل بهدف تحقيق توقعاتنا منها؛ لأن ذلك كفيل بأن يؤدي إلى اضطراب سلوكها واضطراب تكيفها، بل علينا أن نتقبل قدراتها ونحترمها ولا نقارنها بأخوتها أو بأقرانها، وفي ذات الوقت نساعدها على تنمية هذه القدرات بقدر ما تستطيع وليس بقدر ما نريد نحن.
أما العوامل النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى السلوك النكوصي فهي تتلخص في رغبة الفتاة في التعلق بمرحلة الطفولة التي نعمت فيها بقدر أكبر من الرعاية والتدليل وهي تكره أو ترفض أن تكبر؛ لأن الكبر والنضج يحمل معه الكثير من الأعباء والمسؤوليات. وقد يشجعها على سلوك هذا الطريق أن ترى أن إخوتها الأصغر ينالون حبا وتدليلا أكثر من الكبار لهذا تميل إلى البقاء صغيرة حتى تحتفظ بمميزات الصغر.
والحل في هذه الحالة أن نشعرها بميزة الكبر فكما أنه يتطلب تحمل مسؤوليات وأعباء فإنه يحمل ميزات أخرى مثل الاحترام والتقدير والاستقلال والكثير من الفرص للاستمتاع بالحياة بشكل أرقى وأفضل، وتشعر أن حبنا لها يزيد حين تعيش سنها الحقيقي وأننا نفرح بمراحل نضجها ولا نهملها بحجة أنها كبرت وأن إخوتها الأصغر في حاجة لاهتمامنا أكثر منها.
وفي كل الحالات تحتاج "إيلاف" لأن نهيء لها فرصا لتنمية قدراتها الاجتماعية من خلال ممارسة أنشطة ترفيهية جماعية تثق فيها بنفسها، ونساعدها بتشجيعنا والثناء عليها، ونصبر عليها حتى تنتقل بسلام من عالم الطفولة إلى عالم النضج.
واقرئي أيضا:
عندما ينعزل الطفل ماذا نفعل؟
انطواء وضعف مهارات اجتماعية