السلام عليكم
أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة متدين، ولي نشاطات دعوية والفضل في ذلك لله.. بعد تخرجي من الجامعة وحصولي على عمل مناسب تقدمت لخطبة فتاة في العشرين من عمرها محافظة ومن عائلة كريمة.
بعد الرؤية الشرعية حدث القبول من الطرفين وتمت الخطبة.. وقبل ثلاثة أشهر من الآن.. عقدت عليها.. فكنت أزورها مرة أو مرتين أسبوعيًّا.. والحق أن قلبي تعلق بها جدًّا بل إني ملكتها قلبي.. فهي زوجتي ولم تكن لي أية علاقات سابقة وكما قال الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
ولكني كنت ألاحظ عليها بعد الملاحظات فكانت أحياناً تبكي بدون سبب عندما أكون معها، وبعض الأحيان أحس بأنها غير سعيدة بوجودي معها.. هذا بالإضافة إلى الشح العاطفي الذي أجده من جهتها.. بعد شهر من العقد صارحتني قائلة: "أنت رجل لا تعوّض، وأكثر من امرأة تتمناك، ولكني لا أريد أن أكمل المشوار معك" .. كانت لي صدمة كبيرة.. سألتها عن السبب فأخبرتني أنها لا ترتاح لي، وأنها لا تجد تجاهي أي مشاعر.. ولكنها طلبت مني فرصة لتتخذ قرارها الأخير.
حاولت أن أساعدها كثيراً.. أخذتها إلى أكثر من شيخ ليقرأ عليها على افتراض أنه أصابها شيء من عين أو سحر.. ثم نسقت لها لقاء مع طبيب نفسي لعلها تكون مشكلة نفسية.. وبالفعل كانت.. اكتشفت أن مشكلتها تكمن في أخيها الوحيد والمصاب بمرض التوحّد.. فبعد أن توفي أبوها قبل ثلاثة سنوات أصبحت تعيش مع أخواتها وأمها في جحيم مع هذا الأخ العنيد.. فهي لا تراه إلا كل يومين أو ثلاثة، وإن رأته فلن تسلم من سلوكه العدواني تجاهها، وإن سلمت فلن تجد منه خيراً قط.
ومشكلتها تكمن في أنني أشبه أخاها في بعض الصفات الجسدية "مثل الطول والنحف واللحية" وكذا بعض الصفات النفسية "الهدوء والبرود على حد تعبيرها"، وأنها كلما رأتني تذكرت أخاها فأسبب لها قشعريرة وضيقا وهي تتألم من هذا الشيء.. حاولت أن أقنعها أن الصفات النفسية التي لا تريدها فيَّ سأحاول جاهداً أن أغيرها، ولكني لن أستطيع أن أغير الصفات الجسدية.. وما أصعب أن تكون أنت الداء والدواء!!
ومما زاد المشكلة أن والدتها امرأة بسيطة لا تتفهم مشكلتها، وهي تضغط عليها لتوافق مما سبب لها ضغطاً كبيراً.. هي حائرة جدًّا لأنها من داخلها غير مقتنعة في أنها تستطيع أن تعيش معي، ولكنها تقول إن مصلحتها في أن تكمل هذا المشوار.. ولكن حيرتي أشد منها فكيف أستطيع أن أقترن بفتاة لا تحبني ولا تريدني؟
في بداية هذه المحنة كنت أفكر بقلبي فلم أكن أتخيل أني أستطيع أن أعيش لحظة من دونها وكأن لسان حالي يقول: "قال التي كانت سمائي في الهوى صارت لقلبي في الغرام جهنما .. خانت عهودي بعدما ملكتها قلبي فكيف أطيق أن أتبسما"
أما الآن فأنا أفكر بعقلي وأزن الأمور وأريد أن أعمل الأنسب وأعلم أن الله سيختار لي الخير، ولكن حيرتي تكمن في أنني لا أريد أن أظلمها فأقابل الله بظلم يتيمة، وكذلك لا أريد أن أظلم نفسي فأعيش حياة غير سعيدة؛ لأنها بنيت على شفى جرف هارٍ.
حاولت أن أبتعد عنها لفترة لتستطيع أن تأخذ قرارها ولعلها أن تشتاق إلى رؤية زوجها، ولكن شيئاً من هذا لم يكن.. فهي تتهرب من رؤيتي وتختلق الأعذار حتى لا تراني وهذا أمر يؤلمني كثيراً.. هل يمكن لي أن أعيش معها بوضعها هذا إن تقبلته هي؟ وإن أردت أن أضحي من أجل إنسان فكيف أعرف أن الشخص الذي أمامي يستحق هذه التضحية؟
آسف على الإطالة وأرجو أن تكرموني بالإجابة والدعاء
فدعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجاب
9/5/2022
رد المستشار
أخي الكريم.. يضحي الإنسان بقدر "استطاعته" للتضحية أولا، ثم يقدر "استحقاق" الشخص الذي أمامه لها ثانيا
بمعنى، إن السؤال الأول من وجهة نظري هو: هل أنت "تستطيع" أن تقدم هذه التضحية؟ والسؤال الثاني هو: هل هي "تستحق" هذه التضحية؟
أتصور، من وجهة نظري أيضا أن الذي يستطيع هذه التضحية هو .. مثلا. رجل متزوج زيجة أولى ناجحة تلبي له احتياجاته، ثم هو يتزوج الآن زوجة ثانية مريضة ليقف بجانبها في أزمتها حتى تتعافى... أو أن الذي يستطيع التضحية هو عاشق قد جمعته بحبيبته قصة حب طويلة استمرت سنوات وسنوات حتى أصبحت جزءًا "حقيقيا" من حياته لا يمكن الاستغناء عنه ... وأعتقد أنك لست متزوجا من أخرى، ولست عاشقا لها، وأنك كما تعلق قلبك بها في ثلاث أشهر فإنه سيتعلق بأخرى فهذه هي طبيعة الإنسان، ولا تغتر بالتهاب مشاعرك نحوها، فهذه مشاعر الظمآن عندما يرى الماء بعد طول انتظار.
أما سؤالك الثاني وهو: هل تركك لها يعتبر ظلما لها وهي يتيمة؟
وأقول لك: بل إن زواجك منها وهي على هذه الحال هو الذي يعتبر ظلما لها ولك معا!!! لأنك عندما تتزوج امرأة لا تحبك فإنها لن تستطيع أن تقدم لك شيئا من المشاعر، والنتيجة هي أنك كبشر وليس لك مصدر آخر للمشاعر ستضيق بها ذرعا في يوم من الأيام، وعندئذ فإنك ستطلقها أو ستهجرها وتتزوج بأخرى بعد أن تكون قد أنجبت منك طفلا أو اثنين.. أتصور يا أخي أنك مخير بين ثلاثة أمور:
* إما أن تتزوجها إن كنت تستطيع.
* أو أن تتركها الآن.
* أن تطيل فترة العقد وتراقب حالتها هل تتقدم نحو الأمام أم هي ثابتة أم ترجع للوراء؟ .. المهم هو أنك لا تدخل بها من باب عش الزوجية إلى إذا شعرت بحبها لك واشتياقها لوجودك بجانبها.
الملحوظة الأولى: هي أنك لن تظل "ملاكا" بعد الزواج، بل إن لك عيوبا ستظهر وأخطاء سترتكب، فإن كان حب خطيبتك أو من عقدت عليها في فترة العقد على شفا جرف هار كما تقول، فكيف سيكون الحال عندما تظهر عيوبك وأخطاؤك؟ لذلك كن مستعدا لأي انتكاسة تحدث بعد الزواج مع أول خطأ أو عيب؛ لأن هذا النوع من "العقد" النفسية سهل الانتكاسة ويحتاج صبرا طويلا.
الملحوظة الثانية: حذارِ من أن توصل لخطيبتك الشعور بأنك "فرصة" فتضطر للموافقة عليك (خوفا) من الندم على تضيع هذه الفرصة، أو أن توصل لها أنك ستنكسر إذا انفصلتما حتى لا تضطر للموافقة (شفقة) عليك.
أنت طلبت منا -في نهاية رسالتك- أن ندعو لك بظهر الغيب، ولكني في الحقيقة سأدعو لك على الصفحة أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه، وأن يقدر لك الخير، حيث شاء ثم يرضيك به. آمين.