الزواج الثاني في حالتي
هو جامعي مثقف ناجح في عمله، يتحمل المسؤولية في بيته وعمله ولا يتهرب منها، له علاقات اجتماعية واسعة.. ووضعه المادي مستقر. تزوج حين تزوج بسرعة بسبب ظروف سفره ولم تتح له فرصة -ولعله لم يحاول- التعرف على جوانب الاتفاق والاختلاف بين وبين زوجته. اكتشف مع الوقت أن هوة الخلاف أكبر مما يتوقع، وأن ردمها ليس بالأمر الهين بسبب عناد زوجته وتشبثها بمواقفها وآرائها، رغم أنها أقل منه تعليمًا واحتكاكًا بالحياة.
والنتيجة المتوقعة:
عدم اقتناع بالزوجة من الناحية الفكرية والعقلية، زاد منه أنه ينضج عقليًّا مع الزمن، بينما تتقوقع هي داخل أفكار خاطئة ومسلمات تراها كذلك وهي ليست من المسلمات في شيء.. ومن الناحية العاطفية لم يشعر أنه يحبها، ومع الوقت زاد هذا الشعور لديه، أما زوجته فهو متأكد أنها تحب أن تتملكه، ويشك في أنها تحبه.
جاء الطفل الأول ومن ورائه الثاني والثالث.. والمشكلات تتفاقم.. في البداية كان الخصام يذهب سريعًا، ثم بالتدريج أصبحت مدته تطول.. وهي من عنادها لا تطلب الصلح ولو كانت مخطئة، فأصبح يتعمد ألا يبادر بالصلح.. وهكذا أصبح من المعتاد أن يقضيها أشهرًا دون اتصال حقيقي بينهما سوى إلقاء السلام والرد عليه أو التعليقات المنتقدة لتصرف أحد الطرفين.. وخلال ذلك أهملت الزوجة زوجها فهو آخر من تهتم بشؤونه، ولا ينال من اهتمامها إلا ما هو مشترك في البيت كالأكل وغسل الملابس مما تفعله مع الجميع.. وفقد أي خصوصية له في بيته رغم انشغاله بعمله وسعيه لتوفير كل متطلبات البيت والأبناء.
كبر الأطفال وبدأ يلاحظ أن عدم التوافق بدأ يظهر بينهم وبين أمهم أيضًا، مما زاد قناعته بسلامة موقفه.. وزاد من معاناته أنها تعاني من أمراض مستمرة، وبعضها مبالغ فيه من وجهة نظره، حتى إنها لا تستطيع أن تقوم بأعمال يقوم بها الأطفال، والأسوأ من ذلك كثرة شكواها من المرض، فالحديث عنه لا يخلو منه مجلس.. حتى إنه يتعجب لماذا تتفاخر بعجزها ومرضها وهي أمور ينبغي أن تكتمها عن الزوج؟ أليس ذلك أحد أسباب هروب الأزواج؟! لم يفكر في الطلاق حرصًا منه على ما تبقى من تماسك الأسرة، لكنه فكر في الزواج الثاني، مرة ومرة.
وفي الخلاف الأخير الذي طال أشهرًا قرر أن يشرع في خطوة عملية.. تعرف على واحدة عبر بعض الأصدقاء.. كانت مطلقة.. عانت كثيرًا في زواجها ولا تزال تعاني من تبعات الطلاق، لم تتمتع في زواجها الذي لم يدم طويلاً بما تتمناه أي فتاة عند الزواج ووجدت نفسها وحيدة مسؤولة عن تربية طفلين.. تخشى تكرار الفشل.. وتتوجس من المشاكل التي يمكن أن تظهر.. هل يستطيع الزوج الوفاء بالتزاماته تجاه بيتين؟ هل هي تظلم الزوجة الأولى إذا قبلت الزواج؟هل ستحصل على العاطفة التي حرمت منها؟ هل يتقبل المجتمع ذلك الوضع؟
تبدو إجاباته بالنسبة لها مفرطة في الثقة أو غير مقدرة للعواقب، لكنه يرى الأمر مقدورًا عليه وفي حدود المتاح.. وهل هي تجربة نادرة؟ ألم يفعل ذلك كثيرون عبر التاريخ؟ في وجود العزلة بين الزوجين قبلت الخطيبة -التي تصغره بأكثر من 15 سنة- الزواج بعد محادثات مطولة.
لكن متغيرًا طرأ:
فقد مهّد الزوج لإخبار زوجته برغبته في الزواج، فوسطت أحد أفضل أصدقائه للتدخل في الموضوع.. ولم يتوانَ الوسيط في أن يكشف لها أخطاءها. ومع استشعارها الخطر على الأبواب بدأت معاملتها تتحسن وتبدي قدرًا معقولاً من الاهتمام بالزوج، لكن الزوج يشك في أن ذلك يمكن أن يستمر، وأن الهدف هو تعطيل مشروع الزواج الثاني.
عرفت الخطيبة بتحسن العلاقات.. وهي وإن كانت قد رضيت به إلا أنها عادت تطلب منه إعادة التفكير في القرار. لكنه مصر على موقفه.. فقد تعلق عقله وقلبه بها ويرى أن من حقه أن يتزوج بمن ارتاح إليها حتى لو جاء ذلك متأخرًا وفي الفترة التي تسمونها بأزمة منتصف العمر. كما أنه لا يطيق أن يظن به أنه انصرف عنها بعد أن بدا أن مشكلاته في طريقها للحل.
قرأ الزوج معظم إجاباتكم في الموقع، ولم يجد رغم كل ما كتب مانعًا يمنعه من الإقدام على الزواج الثاني.
نطمع في الاسترشاد بنصيحتكم.. وجزاكم الله خيرًا.
11/5/2023
رد المستشار
هي.. كانت فتاة ككل الفتيات تحلم بفارس الأحلام الذي سوف يأتي في أسعد أيامها (ليلة العمر كما يسمونها)، ويحملها معه على حصانه الأبيض ليحلق بها في سماوات السعادة وبين سحب الحب؛ ليرتقي بها ومعها درجات سلم الحياة الزوجية المستقرة والسعيدة، وكانت ككل فتاة لها تصوراتها ولها رؤاها التي اكتسبتها من بيئتها ومن حياتها السابقة، ولها سماتها الشخصية وقدراتها العقلية، ولها ميزاتها وعيوبها، وفي غمرة الحلم تقدم العريس المنتظر، وهو رجل وجدت فيه بغيتها وتقبلته كما هو، وهي تأمل أن تحقق معه أحلامها البسيطة وتسعد به ويسعد بها، ولكنه للأسف الشديد أخطأ -ربما لتسرعه وربما لأنه لم يحاول- فتزوجها بدون أن يتعرف عليها جيدًا وبدون أن يحدد مدى ملائمتها له، وأدرك منذ بداية زواجهما أنها لم تكن العروس الأنسب له، وبالتالي ظهر رفضه لها واضحًا جليًّا عن طريق رسائل رفض يومية مستمرة يبعثها لها، يرفض كل ما فيها:
عقلها... ثقافتها... آراؤها... تصرفاتها، وهذا الرفض تستقبله قرون استشعارها بكل حساسية؛ فقرون استشعار المرأة شديدة الحساسية لرسائل الحب والكره والرفض، ورسائل الكره والرفض من حبيبها تشعرها أنها مجرد حطام امرأة لا قيمة لها بين البشر، تقوقعت "هي" داخل غلاف صنع من بقايا الحلم الجميل الذي تكسر على صخرة الواقع، ومع كل محاولة للخروج كانت تواجه بمزيد من الرفض مع غياب أي محاولة منه للاقتراب منها والتقارب معها؛ مما يجعلها تفضل أن تعود لقوقعتها، حيث تجد بعض الراحة في اجترار الأحزان وأحيانًا في تذكر الحلم الجميل... الذي كان.
هو.. تزوجها بسرعة وبدون أن يعطي نفسه فرصة للتعرف عليها، وعندما وجد أنها لا تطابقه علمًا وفكرًا وسلوكًا اختار الطريق الأسهل.. دخل قوقعته المركبة، والتي تكونت من طبقات عدة، حاول أن يضيف على هذه الطبقات رتوشًا تجعلها براقة زاهية بحيث لا يحتاج للخروج منها، وبمرور الوقت كانت الطبقات تزداد تركيبًا وصلابة، وكذلك تزداد بريقًا وجاذبية، غلاف القوقعة تكون من هذه الطبقات:
عمله ونجاحه وتميزه فيه.. التميز العقلي والرقي الثقافي.. هو كتلة من الحسنات والميزات.. هي كتلة من البشاعة والعيوب ولا يوجد لها أي ميزات تُذكر، ومع كل محاولة للخروج من قوقعته كان يضيف المزيد من الطبقات، ويزيد من عمق الفجوة، لم يحاول يومًا ما أن يقترب منها ويتعرف على مسببات ما تفعله، والآن هو يسعى لإضافة طبقة شديدة الكثافة وهي طبقة الزوجة الثانية.
أخي الكريم:
لقد حاولت أنت أن ترسم صورة لحياتكما كما رأيتها وأنت قابع داخل قوقعتك في ركن من أركان حياتكما، وحاولت أنا أن أرسم نفس المشاهد واللقطات ولكن من منظور آخر، حاولت أن أنظر إلى حياتكما من فوق لأرى تمحورك داخل قوقعتك وعزوفك عن أي محاولة أو سعي للتقريب وإزالة الفجوة الحادثة بينكما، وأرجو ألا يفهم من كلامي أنني ضد زواجك الثاني بمَنْ تشاء؛ فهذا أمر تستقل أنت بتقديره بناء على كل الظروف والعوامل المحيطة بك، ولكنني فقط أريد أن أوضح لك بهذه الصورة المرسومة العوامل التي دفعت بحياتكما نحو هذه الهوة السحيقة، والتي جعلت من بيتكما بيتًا يخلو من المودة والسكن اللذين جعلهما الله سبحانه أساس كل حياة زوجية سعيدة، وحاولت من خلال هذه الصورة أن أحدد في هذه النقطة الفاصلة من حياتكما مَن المسؤول عن تردي الأوضاع بينكما، وذلك حتى يمكننا سويًّا أن نفكر في أمر زواجك الثاني والعواقب التي قد تترتب عليه.
المهم أنه يمكن أن نلخص القصة وملابساتها في النقاط التالية:
• زواجك منها سريعًا وإنجابك منها الولد تلو الآخر رغم إدراكك أن مسام قلبك لم تتفتح لها في يوم من الأيام، وأنك لم تشعر نحوها بأي قبول... هل كان خطؤها الذي يجب أن تدفع هي الآن ثمنه أم خطؤك أنت؟!!
• تركيزك على جوانب النقص والقصور في زوجتك بحيث لا ترى إلا عيوبها ومساوئها، فهل زوجتك بدون أي ميزات ومحاسن؟!! حتى حبها لك كان حب تملك وسيطرة، فمن منا يخلو من الميزات والمحاسن التي تحتاج ممن حولنا أن يكتشفها فينا ليتقبلنا على حالنا ويقبل علينا.
• وفي مقابل تركيزك الشديد على مساوئ زوجتك وعيوبها.. لم ترَ من نفسك إلا كل جميل؛ فهل منا من يخلو من العيوب؟!!
• ألا يمكن أن تحمد لزوجتك أنها ولسنوات طويلة تحملتك بعيوبك، وأنها ولسنوات طويلة تحملت رفضك المستمر لها؟!! وهل يمكن أن ننظر لشكواها المستمرة من المرض على أنها عَرَض لضغوط نفسية شديدة من جراء شعورها الدائم برفضك لها "ما يعرف بالأمراض النفسجسمية"؟!! وهل يمكن أن نتصور أن شكواها المستمرة من المرض كانت محاولة لتنبيهك أنها في أمس الحاجة لعطفك وحنانك وحبك؟!! وهل يمكن أن نتصور أن عزوفها عن الاهتمام بك كان دافعه أنها لم تجد منك أي اهتمام وأي تقدير؟!!
• لم نلحظ في رسالتك أنك حاولت أن تبذل أي جهد لمعالجة الوضع المتردي بينكما، فلم تتحدث معها، ولم تتحاور معها لتفهم مبررات سلوكياتها المضطربة، ولم تحاول أن تمد جسور الحب والود بينكما، ولم تحاول أن ترتقي بها عقليًّا وثقافيًّا فردود أفعالك كانت سلبية فقط، وكذلك لم تحاول الاستعانة باختصاصي نفسي ليساعدك ويساعدها على التغلب على ما تلاحظه من اضطرابات في حياتكما، والدليل على أن الإصلاح كان ممكنًا ببعض الحوار وبعض الحزم أن تعاملات زوجتك تحسنت عندما واجهها صديقك بأخطائها.
والآن وفي ظل هذه الأوضاع المتردية بينكما.. وفي ظل رفضك الشديد لها تريد أن تتزوج من أخرى، بحيث يصبح وضعكما كالآتي:
• أنت بين زوجتين تبغض الأولى "أم أولادك"، ولا تكن لها إلا مشاعر الرفض وذكريات الألم، وتحب الأخرى الجديدة، وتقبل عليها بقلبك ونفسك ومشاعرك وعواطفك وبالتالي جسدك، وتريد أن تعوضها عما عانته في حياتها الزوجية الأولى، فهل يمكنك في ظل هذه الأحوال أن تعدل بين الزوجتين، وأن تؤدي كل حقوق زوجتك الأولى كما تؤدي حقوق الثانية؟ هل ستقدم لها كلمات الحب كما تقدم للثانية؟ وهل ستقبلها كما تقبل الثانية؟ وهل ستقبل على علاقتكما الزوجية معها بنفس الحماسة والشوق الذي تقبل فيه على الثانية؟ أم أنك تنوي أن تتركها كالمعلقة؟!!
نحن بشر يا أخي الكريم، ولسنا آلة ميكانيكية نضغط على أزرارها لتبث مشاعر وعواطف، وكما تعلم أن الشرط الأساسي لتعدد الزوجات هو القدرة على العدل كما قال المولى عز وجل في كتابه الكريم:
"وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا"، والقدرة على العدل هذه لن تتوافر إلا إذا تخلصت من مشاعرك السلبية تجاه زوجتك الأولى وأم أولادك، وحاولت أن تعطي لقلبك فترة وفرصة لتتقبلها وتتطلع على مزاياها ومحاسنها، وحاولت أن تستغل التحسن المؤقت الحادث في علاقتكما للوصول لمزيد من التواصل، وبدون هذه الخطوة يخشى عليك من الوقوع في إثم أن تميل عن زوجتك الأولى كل الميل فتذرها كالمعلقة.
• وفي ظل هذه المعطيات يمكننا أن نلحظ أن أمامك أحد خيارين:
أولاهما أن تؤجل مشروع زواجك بعض الوقت، فلا يوجد أي مبرر للاستعجال، على أن تستغل هذه الفترة في تحسين ورأْب الصدع الحادث في جدران حياتكما الزوجية، حاول أن تتقرب من زوجتك وأن تقربها إليك، تعرف على محاسنها ومزاياها، واخلع عن عينيك المنظار الذي يضخم عيوبها ومساوئها، واطلب منها أن تعينك على إحداث هذا التغيير في حياتكما، حاولا أن تقضيا سويا إجازة في مكان هادئ، واجتهد في أن تلبي احتياجاتها العاطفية، وكذلك اجتهد في أن تجدد وتطور وتحسن من وضع علاقتكما الجنسية، وبعد أن تتحسن الأحوال بينكما يمكنك أن تقرر ما يمكنك فعله بشأن مشروع الزواج الثاني، فقد تجد أنك أصبحت مكتفيا بعلاقتك بزوجتك الأولى، وقد تجد أنك ما زلت محتاجا للأخرى، ولكن البداية هنا ستكون مختلفة حيث تغيرت علاقتك بزوجتك الأولى من النفور إلى القبول مما يعينك أكثر على العدل بين الزوجتين.
أما الخيار الثاني فهو أن تتخذ قرارك بالزواج الفوري، وهنا عليك أن تخير زوجتك بين الاستمرار معك أو أن تخلي سراحها بإحسان، فإذا اختارت الأولى فاجتهد قدر المستطاع ألا تظلمها، وتحمل كل رد فعل سلبي منها، وحاول أن تعوضها عن الألم الذي سببته لها، تحمل غضبها وثورتها، وتقبل كل ما تفعله بنفس راضية حتى تهدأ ثورتها وبركان غضبها، واحرص كل الحرص على العدل بين الزوجتين، وإن اختارت الثانية فأجزل لها العطاء وأعطها حقوقها بزيادة، وتأكد من أنك وفرت لها الحياة الكريمة فهي كانت وستظل أم أولادك.
أخي الكريم:
في النهاية أرجو منك ألا تغضب من كلماتي وأن تقرأها بعين العقل، وأن تتأنى في قرأتها، وأنصحك أيضا بالقراءة المتأنية والمدققة لردنا على مشكلتي: "الزواج من ثانية.. وسيكولوجية الرجل الشرقي" و"الزواج الثاني.. قيد على قيد"
وأدعوك أيضا لاستخارة المولى عز وجل، والتضرع إليه أن يشرح لك صدرك ويعينك على حسن الاختيار، وتابعنا بالتطورات .