إخوتي في الله، كم سعدت كثيرا عندما قرأت المشاركة التي بعنوان استمع قولنا فاتبع أحسنه.. قصة نجاح، وسعدت أكثر برد الدكتور أحمد؛ لأنه من الأشخاص الذين أكنُّ لهم الاحترام هو والدكتور وائل أبو هندي والدكتور سداد ود. علاء مرسي وأفراد الفريق بالكامل، وإن كان هناك أسماء جديدة بدأت في الظهور على الساحة.. أكنُّ لهم جميعا كل احترام وتقدير وحب، وأتمنى من الله أن ينفع بهم هذه الأمة وأن ينفعني بهم وأولادي وزوجتي إن شاء الله.
ما أعجبني في تلك المشاركة أنها وصفت حالتي بالضبط مع وجود بعض الاختلافات؛ فأنا والحمد لله شاب في السادسة والعشرين من العمر، متزوج والحمد لله، ورزقني الله بابنتي إيمان التي عندما أراها أظن أن الله قد منَّ عليّ بنعمة لا أوافيه شكرها، ولو ظللت على الحمد له طوال عمري.
ولكن ما كان يواجهني هو أني عندما تزوجت كانت فترة خطوبتي خالية من أي نوع من أنواع العاطفة، وكانت زياراتي قليلة على عكس ما هو معروف لمن في مثل سني وحالي، وقد اخترت زوجتي تفضيلا من أمي ونزولا على رغبتها، وكانت نيتي أن تكون زوجة ترتضيها وأرتضي خلقها لكي تستطيع أن تعينها؛ فهي كبرت في السن، ولا أستطيع أن أتركها وحدها هي وأبي مع كل الأعباء المنزلية دون معين.
وتزوجت والحمد لله، ولكن في بداية الوقت صُدمت بالواقع؛ وهو أن هناك اختلافا كبيرا بيني وبين زوجتي في الطباع، خاصة أنني من بلد ريفي تتزايد فيه الأعراف التي يجب أن تتغير، وأن نقف أمامها، ولكن التربية كانت غالبة على الطابع، وكان لا بد من وقفة وتغيير لهذه الطباع التي تتنافى مع تعاليم ديننا إلى حد كبير مثل سلام الرجل على المرأة، وكيفية التعامل بين الرجال والنساء، والضوابط اللازمة في ذلك إلى مثل هذه الأشياء.
صدمت أيضا أن زوجتي تنظر إلى ذلك الدين بسطحية شديدة، وترى أنه مجموعة من العبادات التي يجب أن تؤدى فقط دون النظر إلى جوهر هذا الدين وعظم التبعة فيه وثقل الأمانة الملقاة على عاتق المسلم والمسلمة، كل في دوره، ولكن في النهاية لا نستطيع شطب أي الدورين ولا تهميش أحدهما، وفي النهاية وجدت نفسي أمام وابل من الاتهامات لنفسي، وبدأ يحاصرني الكثير من مشاعر الندم على هذا القرار.
وكدت أغرق في مشاكلي لولا أن تذكرت موقعكم، وقد كنت من المطلعين عليه بشكل يومي، ولكن لقسم تربية الأبناء وذلك لشغفي بهذا القسم، وكان هذا بمثابة طوق النجاة بالنسبة لي؛ فجلست مع نفسي فترة طويلة لكي أحصر مدى المشاكل التي تواجه بيتي في نقاط، وأجد لها الحلول، وبالتالي وجدت نفسي أمام المشاكل التالية:
عدم الوعي الكافي بماذا يعني انتمائي للإسلام، وعدم تقبل الإسلام كمنهج تصلح وترقى به حياتنا، والثقافة والاطلاع، وعدم الاهتمام بدور المرأة في المجتمع المسلم، وقصر دورها في المنزل والطعام والشراب، والعمل لهذا الدين.
ذلك كان حجم المشاكل التي كنت أواجهها، ولكن كان في الناحية الأخرى عيوب كان يجب مواجهة النفس بها لكي أستطيع وضع منهج لحل تلك المشاكل:
العصبية الشديدة؛ وذلك لأنها وراثة في العائلة كلها، وعدم إعطاء منزلي الوقت الكافي لتغييره والاستمتاع به، والتراخي في بعض الأمور التي أطالب زوجتي بها، وفتور العاطفة بيني وبين زوجتي إلى حد يقلق.
وبعد ما وضعت تلك النقاط، وحللت المشكلة بهذا الشكل قمت بوضع منهج عملي واضح، مستعينا في ذلك بما قرأته من مشاكل خاصة بالموقع والحلول التي يقدمها فريق العمل، على أن يكون لفترة زمنية محددة أقوم من خلالها بقياس مدى الإنجاز المحقق من ذلك المنهج، وكان يعتمد على التواجد في المنزل لفترة أكبر، والاستفادة من الوقت دائما بأشياء مشتركة، وأعمال نتعاون فيها معا للقيام بها، ومساعدة الزوجة في كل الأمور المنزلية بقدر المستطاع، وعدم العصبية والتعامل الدائم برفق، وإذا حدث يجب عليّ الاعتذار عن الخطأ، وأخذ نفسي بالعزيمة للحفاظ على ما أطالب به زوجتي، والقراءة والزيارات المستمرة للأصدقاء الذين سيساعدون في قيام ذلك العمل.
وانقضت المهلة، وجلست لأقيم الأعمال والنتائج، ووجدت النتيجة التي ترضي الله ورسوله، وتجعل من بيتي لبنة نظيفة في بناء المجتمع المسلم، وجدت حبا وتفاهما وعلاقة لم أشعر بها من قبل، وجدت زوجة تفهم ما أريده دون أن أقوله وتتفهمه بل وتحارب من أجل تنفيذه، وجدت امرأة تحاول الاستزادة من فكرة الإسلام الشاملة التي يجب أن تكون منهج حياة، وتعمل من أجل الإسلام بما توصلت إليه من أفكار وفهم ليس بالعميق لقضايا الأمة ولكن الاستعداد موجود، وأهم شيء أني وجدت السكن والحب والمودة منها والعاطفة التي لم أذق حلاوتها من قبل الزواج، وبعد ذلك رزقنا بإيمان، وكانت مصباح ذلك الطريق والدافع إلى الاستمرار بهذه النتائج التي أحمد الله على فضله وكرمه أن منَّ عليّ بها.
وبعد فترة وجيزة أتتني فرصة عمل في الخارج، وكان يجب أن أكون متواجدا وحدي في الفترة الأولى؛ فسافرت وتركت ذلك البيت على أمل أن يمن الله عليّ مرة أخرى بأن يجمع بيني وبينهما على خير حال إن شاء الله.
وبعد هذا أدعو كل أخ يواجه مشاكل في بيته أو مع أسرته ومع والده ووالدته أن يسعى جاهدا لإدانة ذاته، ويسأل نفسه السؤال الذي يجب أن يجيب عليه بصراحة: ماذا قدمت لكي أستعيد الثقة أو السعادة أو الحب بيني وبين والدي أو زوجتي أو إخوتي؟ ويحدد بوضوح مواطن التقصير من ذاته؛ لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ثم يسارع في تدارك ذلك التقصير وينظم حياته على هذا النهج، ويستعين بكل الوسائل التي تؤدي إلى ذلك الهدف، ولا ينسى النية في أن يخلق من هذه العائلة أو البيت لبنة من لبنات المجتمع المسلم الذي ننشده.
جزاكم الله خيرا، وأعتذر عن الإطالة ورداءة الأسلوب في التعبير، ولكن كتبت ما يدور في خلدي وأشعر به،
وأسأل الله أن ينفع به، وأن يصلح حالنا وحالكم وحال المسلمين جميعا، والسلام عليكم ورحمة الله.
31/1/2024
رد المستشار
الأخ الكريم،
لقد أسعدتنا بمشاركتك القيمة التي تسلط الضوء على جانب مهم من جوانب الحياة الزوجية..
وأعتقد أن إغفال التعرض لهذا الجانب يسبب الكثير من المشكلات الزوجية، وما أقصده هو كيفية التعامل والتعايش مع الجوانب السلبية التي لا نرضى عنها في شركاء الحياة؛ فقصتك تبدأ بسرد لواقع ارتباطك بفتاة ارتضتها والدتك ولكنك تكتشف فيها الكثير مما يحتاج للتغيير.. تصاب بشعور الندم والإحساس بأنك أسأت الاختيار، تسقط في هذه المرحلة.. مرحلة الاكتشاف أو مرحلة الصدمة، والكثيرون غيرك يدخلون هذه المرحلة ولا يخرجون منها لسنوات طويلة، أو يستمرون في هذه المرحلة العمر كله، ولكنك بفضل الله ثم بفضل حكمتك وتعقلك قررت أن تغادر هذه المرحلة وتعمل جاهدا من أجل تحقيق ما تريده في شريكة حياتك. والحمد لله أنك لم تختر الأسلوب الشائع الذي يظن الكثيرون سهولته، وهو أسلوب اللوم والتقريع وأسلوب النقد المستفز وفرض الأوامر، ولكنك بحق اتبعت خطوات إستراتيجية تغيير شريك الحياة بحذافيرها؛ فكان لك ما أردت، وكان حقا على الله سبحانه أن يوفق مساعيك؛ لأنك أحسنت العمل، والسؤال هو:
ما هي خطوات استراتيجيات التغيير التي اتبعتها؟
1. التأمل العميق في أحوالكما.. وتحديد رؤوس المشاكل التي تهدد استقراركما ومسبباتها، أعتقد -والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم- أن المقصود بالتفكر الذي يعتبر من أفضل العبادات (تفكر ساعة خير من عبادة سنة) يشمل فيما يشمل تفكر الإنسان في أحواله وأوضاعه والبحث عن طرق إيجابية لتغييرها.
2. وتلا مرحلة التفكير والتأمل مرحلة البحث عن حلول علمية ومتخصصة للمشاكل التي تعاني منها.. ووجدت في صفحتنا بغيتك، فأدعو الله لنا أن يبارك في هذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون.
3. وكانت الخطوة التالية التي تتمثل في البدء بلوم نفسك والتعرف على أخطائها وبذل الجهد من أجل إحداث هذا التغيير.. فقاومت عصبيتك، واعتذرت عن الأخطاء غير المقصودة، وفرغت وقتا لبيتك تكون فيها مع زوجتك وتخفف عنها بعضا من الأعباء الملقاة على عاتقها، والتي أعتقد أنها أعباء ضخمة لأنها تتحمل بعضا من مسؤوليات والديك.
4. ولم تطلب التغيير باللسان فقط، ولكنك اجتهدت لتكون القدوة لزوجتك في كل ما تطلبه منها وأخذت نفسك بالعزم، واعتمدت مبدأ التشجيع بديلا عن اللوم والتقريع.
5. ولم تغفل في كل خطواتك دور الحب والإشباع العاطفي في التغيير.. وكما يقولون: "الحب يصنع المعجزات".
ويمكننا أن نقول ببساطة:
إنك أدركت أنك لن تجد ما يرضيك في بيتك، ولن تسعد بحياتك مع زوجتك، ولن تجد منها حرصا على تلبية احتياجاتك ورغباتك إلا بعد أن تتعرف أنت جيدا على واجباتك وتؤديها حق الأداء، ولأنك أخلصت في رغبتك في التغيير ولم تألُ جهدا لتحقيق هدفك فقد وفقك الله، ووجدت في زوجتك وفي غضون شهور قليلة الزوجة التي ترتضيها؛ فبارك الله في زوجك وابنتك ورزقك سعادة الدنيا والآخرة