أنا فتاة أبلغ 24 عاما، والدي أستاذ بالجامعة، تربيت في بيئة تقريبا مغلقة فلا خروج ولا علاقات اجتماعية ولا معارف.
ولقد كبرت على هذه الطريقة، أي لم أر شيئا غير ذلك، فلم أفعل غيره، لم تكن لي علاقات مستمرة مع أحد، ولم أعرف كيف أتعامل أو أتكلم، فبدأت أتجنب الناس وأخاف منهم، وأرتبك في وجودهم حتى الأقارب، ولا أستطيع في وجود أحد أن أتكلم، ولا أعرف كيف أتصرف، وأشعر أن قلبي يدق بسرعة والدم يهرب من وجهي، وأكثر من مرة ترتعش قدماي بشدة وأحيانا يداي.
لكن الغريب أنني استطعت أن أخفي هذا الخوف داخلي دون أن يلاحظ أحد ذلك، حتى والداي لم يلحظا ذلك ولم يصدقا عندما قلت لهما.
وأريد أن أقول إن لي آرائي وتفكيري، ولكن من طول السكوت وصل إليهم شخصية أخرى غير التي أمتلكها.
أما علاقاتي الشخصية فمحدودة وليس لي صداقات، لذلك كنت أبكي وحدي ليلا دون أن يشعر أحد، وبدأت أيضا أنسج لنفسي خيالا أني أعيش مع أشخاص آخرين يفهمونني ويتعاطفون معي ويساعدونني، وكنت أشعر بإحساس غريب حتى أعود إلى وضعي السابق.
وفي ذلك الحين أيضا كنت أتعامل مع أهلي ببعض العنف والشدة دون أن يكون هناك سبب واضح، وأحيانا كنت أمد يدي على أخواتي، سواء في صورة جد أو هزار كان تنفيسا، ولقد قال والدي لأمي إنني منفرة، ولذلك فإن البنات ينفرن مني.
ولقد كنت أتعرض لمواقف في الخارج ولا أستطيع التصرف، وهناك مواقف لم أشعر فيها بشيء رغم أن فيها إساءة، أشعر أنني فقدت بعض إحساسي وأستغرب نفسي وأنا أتكلم أو أنفعل وأيضا أفقد الناس بسهولة.
أما المشكلة التي أعتقد أنها الكبرى فهي أنني أستغرب نفسي أن أكون مخطوبة أو زوجة لأحد، وأستغرب نفسي جدا عندما يقال إنني تقدم لي عريس، ولا أتصور نفسي أعيش قريبا جدا من أحد، وأحيانا كثيرة عندما يتقدم لي أحد أشعر بالقرف منه ومن نفسي ومن الدنيا، وأنا أخشى لو حتى حدث وارتبطت أن أتنازل عن حقوقي وكرامتي مقابل هذه العلاقة، وألا أحب نفسي وأحتقرها.
وبمناسبة الزواج فقد حدث لي موقف غريب وأنا في الكلية، وكنت عند واحدة أعرفها عن طريق العائلة، وقد عرضت علي أخاها، وكنت أشعر أني أحيانا أميل إليه، ولكن عندما قالت لم أرد عليها ولم أشعر بما قالت ولم أقل حتى لوالدتي وقتها.
أريد أن أقول إنني لا أشعر بأحد أو بمعنى أصح غير قادرة على أن أحب أحدا، وعندما أعمل شيئا فيه خير لأحد أستغرب نفسي ولا أصدق نفسي، أنا لا أعرف من أنا، وأحس بغربة أو اغتراب وأنا بين الناس ولا أستطيع التواصل معهم.
على فكرة أنا ذهبت إلى مختص كبير، ولكني لم أستفد شيئا كثيرا، وبصراحة شعرت أنه استنزاف مادي فتوقفت، لكن هناك شيء أريد أن أقوله هو أنه عندما عرف المختص أني كنت أرسم وأنا صغيرة طلب مني أن يرى رسمي، وقال إنها موهبة ينبغي ألا تضيع، وطبعا أنا لا أرى أنها موهبة ولكني اقتنعت بعضا ما على الأقل كتنفيس عما بداخلي.
لكن المشكلة أني لا أعرف كيف الوصول إلى المكان المناسب لتنمية هذا الموضوع خصوصا أنه في بلدي لا يوجد شيء، أي أنه سيكون في القاهرة، ولكن لا مانع من ذلك، لكن كيف السبيل إلى ذلك لا أدري؟ وهل من الممكن أن يساعدني أحد في ذلك؟
وأرجو أيضا المساعدة في المشكلة الأساسية، ولكني أريد حلا عمليا، لأنني حاليا لا أثق في أحد للذهاب إليه مرة أخرى،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
10/2/2024
رد المستشار
صديقتي
توترك وخوفك في حضور آخرين معناه أنك تخافين من رأيهم فيك... هذا لأن رأيك في نفسك سلبي وبدون أسباب واضحة... تتوترين لأنك تخافين أن يكتشفوا ويستشفوا عيوبك التي تحسين أنها كثيرة وكبيرة.
ولكنك لم تحددي لنفسك من تريدين أن تكوني... تعيشين بطريقة رد الفعل الذي يغذيه رأي سلبي في نفسك وبالتالي في الآخرين... تتعجبين عندما تفعلين الخير... وكأنك متأكدة ومقتنعة بأن الخير لا يمكن أن يكون من أفعالك... لماذا وكيف تكونت هذه الفكرة؟
إنك تكرهين نفسك وتخافين من اكتشاف جوانبها وطبعا تسقطين ذلك على الآخرين وبالتالي لا تريدين الاقتراب منهم، سواء كانوا أهلك وزملاء ومعارف وغرباء... لذلك ليست لديك صداقات.
خوفك من اكتشاف نفسك تحول إلى خوفك على نفسك من الاكتشاف... للأسف ليست هناك طريقة لاستكشاف نفسك واستكشاف الحياة عموما بدون التعامل مع الآخرين... يقول الله في القرآن في سورة الحجرات آيه ١٣: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"
ليس هناك طريقة لمعرفة التقوى وأي شيء آخر بدون التعارف مع الآخرين الذي لا يمكن أن يحدث بدون التعامل على المدى الطويل.
من تريدين أن تكوني؟ ولماذا؟ وما الذي يمنعك من أن تكوني من تريدين؟ لن تعلمي أي شيء حقيقة بدون تجربة، ركزي على إجابة هذه الأسئلة... هذا هو الحل الذي لا يمكن لأحد غيرك أن يجده ويحدث التغيير الذي تريدينه.
بالنسبة للرسم فهناك المئات من الفيديوهات على الإنترنت يمكنك أن تتعلمي الكثير منها بدون حجة البعد عن القاهرة
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب