السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
مشكلتي باختصار يا سيدي هي الشهوة؛ فأنا شاب في الثانية والعشرين من العمر أحاول أن ألتزم بتعاليم الدين الإسلامي وأن أرضي ربي،
لكن في النهاية معصيتي هي في شهوتي، حاولت علاجها لكن النهاية هي النهاية، أرجو مساعدتي يا سيدي.
24/5/2024
رد المستشار
أخي الحبيب، من قال إن الشهوة معصية؟!! لا تتعجب، نعم إن الشهوة في حد ذاتها ليست معصية، بل هي فطرة وغريزة وضعها الله عز وجل في جميع خلقه، لتحقيق غايات رفيعة وسامية، منها التناسل وتعمير الدنيا، والتعارف بين بني البشر، وتوفير السكن والمتعة لهم.
وقد راعى ديننا الحنيف هذه الفطرة، فلم ينكرها ولم يكبتها، بل جعل لها سبلاً شرعية لتصريفها وإنفاذها، فشرع الزواج، وأوصى الشباب به وبتعجيله، وأنكر على التاركين له، وأوصى الناس بالتيسير في نفقاته وإجراءاته.
الوقاية خير من العلاج
ليست الشهوة معصية، ولكن المعصية هي الأفعال المحرمة التي تُنتج الشهوة وتهيجها وتثيرها، وكذلك الممارسات المحرمة التي تنتج عنها، لذا فقد وضع الإسلام تشريعات وضوابط تحمي المسلم من الوقوع في براثن الشهوة المحرمة، فقد أمر الله عز وجل المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأمر المرأة المسلمة بالتستر والاحتشام في زيها، وعدم إبداء زينتها للأجانب، حيث يقول عز وجل: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...).
حتى إن الله عز وجل -حماية للمجتمع وصيانة لعفته وطهارته- قد نهى النساء عن أي فعل قد يثير الشهوة في نفوس الرجال، حتى ولو كان مجرد إحداث صوت بأقدامهن يلفت النظر إليهن وإلى زينتهن، فقال جل وعلا: (ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)، كما أنه سبحانه وتعالى نهاهن عن الخضوع بالقول وترقيق الصوت في مخاطبة الأجانب، فقال: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفًا).
فكل ما نهى عنه الله عز وجل المؤمنين عنه هو من باب تجفيف منابع الشهوة المحرمة التي لو اشتعلت وضعف الإنسان أمامها، دفعته في حمئة الرذيلة دفعًا، وأسقطته في غياهب الفاحشة فيدمنها حتى لا يجد منها فكاكًا، ويدور في حلقة مفرغة، لا تهدأ له نفس، ولا تطمئن له سريرة.
ولتعلم أخي الحبيب أن الفاحشة التي تدفع إليها الشهوة المحرمة لا تروي ظمأ واردها، ولا تطفئ لهيبه، بل كلما انغمس فيها ازداد سعارًا، بعكس الزواج الحلال الذي يعف الإنسان به، وتهدأ وتطمئن نفسه فيه.
أخي الحبيب، قد جاءت رسالتك مقتضبة، ولم تشرح لنا ما تدفعك الشهوة إليه، ولم أفهم معنى قولك: "ولكن النهاية هي النهاية".
على أي حال قد وضحت لك أين يكمن الخطر ومن أين تأتي المعصية. وما تشعر به شيء طبيعي، خاصة عند من في عمرك، وما عليك فعله ألا تسمح لهذا الوحش الكامن في نفسك بأن يستيقظ إلا على طعام حلال، وحتى يتوفر هذا الطعام فاحذر إزعاجه، واحذر أن توقظه أو تنبهه، والطريق سهل إن شاء الله، فقط اتبع شرع الله عز وجل، وائتمر بما أمر وانتهِ عما نهى، فلا تتعرض بهذا لما يثير شهوتك ويصيبك بالتوتر الذي معه تضطرب حياتك كلها.
كما أنصحك أن تسعى في طريق الزواج سريعًا، وتلبي نداء نبيك الحبيب صلى الله عليه وسلم، حيث نصحك ونصح الشباب بقوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج"؛ فاجتهد في توفير الباءة للزواج، ولتعلم أن الناكح الذي يريد العفاف هو من الذين حق على الله أن يعينهم، كما قال صلى الله عليه وسلم. ولتبحث عن الزوجة الصالحة التي تكمل بها دينك، وتصلح بها دنياك.
برنامج عملي
وحتى تتهيأ تلك الظروف ويمن الله عليك بالزواج أنصحك بالآتي:
1- ابتعد عن كل المثيرات، مثل مشاهدة الأفلام الخليعة والمجلات الفاضحة.
2- التزم واجتهد في غض بصرك في الطرقات والأماكن العامة، وحاول أن تمنع تعاملاتك مع الفتيات والنساء الأجنبيات إلا لضرورة.
3- إذا عرضت لك الفتنة فتذكر ربك سبحانه، وغضبه وعقابه، وليكن لك في يوسف عليه السلام أسوة حسنة، فاستعصِم بالله كما استعصم، ولُذ بجنابه كما لاذ، وانظر كيف فضل عليه السلام السجن على ارتكاب الفاحشة، وانظر لعاقبة فعله، وجزائه عند الله، وإكرامه له، وتقديره إياه.
4- حافظ على الصلوات في أوقاتها، وأدِّها جماعة في المسجد، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
5- صُم إن استطعت الإثنين والخميس من كل أسبوع، والأيام البيض من كل شهر قمري (13، 14، 15)، سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستجابة لتوجيهه للشباب الذي لا يملك باءة الزواج، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، أي وقاية وحماية من المعصية، حيث إنه يهدئ من الشهوة، ويخلع على النفس طمأنينة وسلامًا.
6- احمِ نفسك بذكر الله عز وجل دائمًا، فلا يزال عليك من الله حافظ إذا ذكرته، فلا تهمل أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال المختلفة.
7- اجعل لك وردًا يوميًّا من القرآن الكريم، لا تغفل عنه.
8- إذا سقطت مرة، وأغواك الشيطان، فلا تعتبرها النهاية، ولا تستسلم لليأس، بل اهزم شيطانك، واستغفر ربك، وقُم من جديد، وكن ممن قال فيهم عز وجل: (إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُون). وتذكر بشرى الله عز وجل: (والَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ ولَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وهُمْ يَعْلَمُونَ . أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ونِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ).
9- أدمن الدعاء والتبتل لله عز وجل بأن يحفظك من الفتن، وأن يقوي ضعفك، وأحسن الظن به سبحانه وتعالى، واصدقه يصدقك.
10- لا تترك نفسك في فراغ أبدًا، واشغل نفسك بالنافع من الأمور، سواء كان دراسة أو عملاً أو هواية.
11- ابحث عن رفقة صالحة تعينك على الطاعة والالتزام، وتقضي أوقاتك وتمارس هواياتك معهم.
وأخيرًا أخي: اعلم أنك في جهاد، وأنك مأجور على كل ما تفعله وكل ما تلقاه في هذا الطريق من عنت ومشقة، ولكن تأكد أن العاقبة خير، بل كل الخير الذي يسلم لك فيه دينك، ويصلح فيه معاشك، وتهنأ فيه دنياك.
وفقك الله أخي وأعانك، لا تنسنا من دعائك، ونرجو أن تتابعنا بأخبارك، ومرحبا بك دائما