السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحييكم بداية على هذا الموقع المتميز، وفقكم الله وأجلى الحق على ألسنتكم، لدي سؤالان واجهاني أثناء عملي هما:
السؤال الأول:
تعرض طفل في العاشرة من عمره لمحاولة اغتصاب، وقد وضحت له الأم هذا الأمر وقبحه، مبينة له أنه حرام ولا يجوز، هذا وقد مضى على ذلك عام ولم يحدث شيء فهل هذا يكفي أم بما تنصحوننا كمختصين؟
السؤال الثاني:
يحاول مجموعة من الطلاب –في الإعدادية- أن يمارسوا اللواط مع أحد زملائهم معتمدين في ذلك على كونهم مجموعة وهو فرد؛ مما يجعل هذا الولد المسكين يصاب بحالة من البكاء الشديد – التي عرفت منها هذه الحكاية البشعة – وبفضل الله منعت هذه المحاولات من مهدها، السؤال كيف نتجنب الآثار النفسية السيئة التي أصابت هذا الطفل المسكين؟ وماذا لو حدث لواط فعلي كيف نعالجه؟ ونعالج آثاره المدمرة على نفسية المفعول به؟ أرجو أن يتسع صدركم كما أرجو أن تكون الإجابة شاملة لهذا الموضوع برمته؛ فأنا وأخواني في المدرسة في أشد الحاجة إلى الإجابة، وكلنا ثقة أن الله سبحانه سيجري الحق على ألسنتكم وأيديكم وجزاكم الله خيرًا.
7/10/2024
رد المستشار
قاومت بشدة أن يجرني سؤالك يا أخي إلى الكتابة الموسعة عن الموضوع، وأقتصر هنا على معالجة الحالة دون التقليل من أهمية التفصيل فيما يبدو أننا نعاني منه، ألا وهو الفوضى الجنسية العارمة على مستوى الفكر والتعبير والممارسات.
ولأن المشكلة مهمة فقد عرضتها على أكثر من زميل وزميلة في فريق استشارات مجانين وكانت ردودهم كالتالي:
د. وائل أبو هندي يقول: أبدأ بالترحيب بك والإشادة بما أستنتجه من سؤالك وهو أنك مدرس مختلف عن المعتاد في هذه الأيام، تبدو مؤمنا بأن لك دورا تربويا واجتماعيا وليس فقط التدريس الذي تتقاضى أجرا عليه، أنت مثال لما يجب أن يكون عليه المعلم في تلك المرحلة الحرجة من حياة أبنائنا وبناتنا، خاصة وقد أشيع إعلاميا على مستوى العالم أن اللواط أمر عادي وأن الأمر طبيعي لا هو مرضي ولا هو انحراف حتى عن الطبيعي، ومفهوم كيف يمكن أن يدفع ذلك الطفل والمراهق والراشد الصغير إلى التجريب وهو المستعد لتجريب الغريب فما بالك بما يشاع عنه أنه عادي وطبيعي!أما بالنسبة لعلاج الآثار النفسية للطفل الذي تعرض للاعتداء الجنسي فإن الأمر يختلف من طفل إلى آخر، طبقا للعديد من العوامل منها سنه ومن المعتدي وتفاصيل الاعتداء وكيفية اكتشافه ووجد تأثيرات جسدية من عدمه وكيف تفاعل الآخرون مع المعلومة وكلها تفاصيل سيسأل عنها الطبيب النفساني... في نفس الوقت كثير من الأطفال يستوعبون ما حدث ويحتاجون فقط للتوعية، وبالتالي في حال كون الطفل ما زال يعاني فعليك أن تتواصل مع أقرب طبيب نفساني لمعاونتك كبداية ونواة لمجهود أكبر في هذا الاتجاه، وجزاكم الله خيراً على اهتمامك.
وأما ما أراه فائق الأهمية في هذا الموضوع هو ضرورة التوعية المجتمعية بالخرافات والأكاذيب التي تعتنقها وتنشرها غالبية وسائل الإعلام في الوقت الحالي حول موضوع التوجه الجنسي رغم غياب أدلة موضوعية على صحة أي منها، وللأسف لا أرى أي انتباه لتلك الضرورة من قبل أولى الأمر.
أما المستشارة سمر عبده الباحثة الاجتماعية فتركز ـ بعد الشكر على اهتمامك بأبنائك الطلبة، والثناء على تفهمك لدورك مربياً قبل كونك مدرساً ـ على الناحية الاجتماعية لهذه الجريمة، أو هذا الخلل.
تشير إلى دور الأسرة في تفهم الحالة، وواجبهم في تقديم الدعم النفسي للابن، وتشير إلى أهمية عقاب الجاني عقاباً يردعه عن تكرار هذا الخطأ من ناحية، ويؤكد معنى الأمان والثقة عند الطفل "الضحية"، ويكون العقاب كذلك عبرة لمن تراوده نفسه بارتكاب نفس الجرم، وتؤكد السيدة "سمر" على أهمية تعليم الأطفال الشجاعة، وجانبا من المعلومات عن هذه المسائل بما يساعده في المقاومة بالصراخ والرفض وتنبيه المحيطين، وليس مجرد الخوف والاستسلام لشيء ربما لا يعرفه ...وتشدد السيدة "سمر" على ضرورة المراقبة الجيدة واللصيقة للأبناء في الأماكن التي يذهبون إليها، والاهتمام بوجود الصحبة الآمنة الطيبة في حالة غياب الأسرة أو حتى في حضورها.
وترى أ "سمر" أن المعرفة الصحيحة بالمسألة الجنسية من شأنها أن تساعد على ضبط الشهوة، وتجنب الأخطاء، كما ترى أن الجهل والرغبة في المعرفة والفضول كلها دوافع تساعد ـ في غياب الرقابة ـ على التورط في ممارسات غير سليمة، كما تشير إلى خطورة الفراغ الذي يعاني منه أغلبية شبابنا بما يجعلهم عرضة للانشغال الزائد بهذه الأفكار والممارسات دون الاندراج في أنشطة أخرى تبدو أساسية لمن هم في مثل سنهم، في كل مكان على مستوى العالم.
وتشير "سمر" إلى غياب القدوة وأثره في اهتزاز التكوين النفسي والذهني للمراهق.
وتعود إلى التشديد على دور الأسرة في تعليم الجنس، وضبط إيقاع التعبير عن الغريزة الجنسية، وتؤكد على الرقابة القوية المستترة للأماكن التي يشيع فيها ممارسة هذه الأفعال مثل: الحمامات، خلف الأبنية، الأماكن النائية والمهجورة أو غير المطروقة. وتدعو إلى وضع خطة متكاملة لاستثمار الوقت الذي هو الحياة في الأنشطة المختلفة، كما تلفت النظر إلى أهمية ربط المراهق بالله سبحانه على نحو يعصم من الزلل، ويدفع إلى معالي الأمور دون سافلها، وتوجه النظر إلى التنبيه والتحذير من آثار المثيرات في التليفزيون والإنترنت وغيرهما.وأنا أقول لك: إن استيعاب المراهق بكل تناقضاته والاقتراب الحميم الحاني منه بما يشعره بالثقة والاطمئنان، والحزم في التوجيه مع الرفق في التنبيه كل ذلك هام للتعامل مع هذه المسألة وقاية وعلاجا.
أما إلقاء اللوم على المفعول به، والعقاب غير المفهوم للفاعل فلا يؤديان إلى شيء.
ينبغي أن تكون هناك أرضية معرفية للمسألة ينتفي فيها الجهل بالنواحي الطبية والجنسية والشرعية، وينبغي أن تكون هناك بيئة من الاهتمامات الجادة والنافعة الراقية من فنون وآداب ورياضة وثقافة وغيرها مما يمكن أن يستثمر المراهق وقته فيها وينمو معتدلاً صحيحاً في إطارها.
وعند ذلك ـ ومعه ـ ينبغي أن يكون هناك عقاب رادع للمخطئ الذي تجاوز الصواب رغم علمه، ورغم الفرص المتاحة أمامه ليكون فاضلاً.
إن الوعظ والزجر ثم العقاب والعنف سهل ويستطيعه كل أحد، أما العلاج فهو أوسع وأشمل وأعمق من هذه الأمور بكثير، وإن كان يتضمنها بقدر محسوب في إطار خطة متكاملة للعلاج.وفي النهاية أشير إلى مسألة ـ ربما تفيد في الوقاية والعلاج معاً ـ وهي أن كثيراً من المراهقين يتورطون في هذه الممارسات ليس بسبب انحرافهم جنسيا:ً كونهم لواطيين، أو سيصبحون كذلك، وإنما بوصف هذا الفعل يتضمن قهر المعتدي عليه، والنيل منه، والحط من كرامته، والازدراء به حيث يرتبط الجنس في ثقافتنا الشائعة بالسيطرة والعلو: فالفاعل أهم وأعلى وأقوى من المفعول به، وتستخدم هذه المفاهيم في الربط بين الاستبداد السياسي، والفعل الجنسي مثلاً... وهكذا مما يضيق المجال عن تفصيله.
المهم أننا ينبغي بناءً على ذلك أن نبحث عن السبب وراء محاولة النيل من المفعول به، لأن السبب ربما يمكن في أسلوب تعامله أو تصرفاته تجاه المعتدين أو غيرهم، وربما يكون السبب يكمن في الغيرة الشائعة في هذه السن. إلخ.
إن فتح ميادين حقيقية لممارسة الرجولة بمسؤولياتها وإطلاق مبادرات ومساحات واسعة للتنافس الشريف بين الأقران من شأنه أن يرفع من مستوى الخصومات والمنافسات إلى مكانة عالية بدلاً من الحضيض التي تردت إليه، وقد تجاوب الدين الحنيف مع خاصية حب التنافس التي خلقها الله ـ سبحانه وتعالى ـ في الإنسان ووجه هذه الفطرة إلى التنافس في الخير: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"