السلام عليكم،
أنا فتاة في العشرينات من عمري..مشكلتي تتعلق بالدراسة، وتبدأ أحداثها كالتالي.. منذ ثلاث سنوات حصلت في الثانوية العامة (النظام الحديث) على مجموع أدخلني كلية هندسة القاهرة، ولكنه لا يؤهلني لكلية الطب التي كانت الرغبة الأولى بالنسبة لي، وكنت أرغب في دخول كلية لدراسة الأدب الذي أحبه؛ حيث إن لي إنتاجًا قليلا في هذا المجال، وذلك طبعًا في حالة إذا لم يسمح المجموع بدخولي كلية الطب..
ودخولي الهندسة كان انبهارًا بالمجموع، وأساسًا لإرضاء أهلي، وليس حبًّا فيها في حد ذاتها..وما إن اقتربت امتحانات الفصل الدراسي الأول؛ حتى كانت البداية الحقيقية لمشكلتي: أحسست منذ ذلك الحين بهزة نفسية شديدة، وبدأ ينتابني خوف شديد من نوع لم أشعر به من قبل، وبكاء هستيري لا أستطيع منعه أو التحكم فيه، وسيطرت علي فكرة التحويل إلى الكلية الأدبية التي أريدها، ولكن مع رفض أهلي؛ بسبب عقدة المجموع الكبير؛ اضطررت للهرب إلى طريق ثالث، وهو طريق التحسين لدخول كلية الطب، وذلك لسببين:
1. كنت أرى في كلية الطب مجالًا لخدمة المسلمات (فأنا فتاة ملتزمة، ومقتنعة بأن هذا فرض عين علي)
2. كان أهلي يرفضون مبدأ ترك الهندسة ودخول دار العلوم (لخسارة المجموع الكبير!!!) ولكن إذا منيتهم بأن التحسين يمكن أن يدخلني كلية الطب فهذا قد يغريهم بالموافقة…وقد كان، وبالطبع كان في نيتي أنه إذا لم أحصل على مجموع الطب سأدخل الكلية التي كنت أريدها منذ البداية، ووقتها تكون العاصفة قد هدأت؛ ويمكنني التفاهم معهم إلى حد ما.. وبدأت أتأقلم مع الدراسة المنزلية في سنة التحسين ..ولكن ما إن اقتربت الامتحانات حتى عادت تنتابني حالات البكاء والخوف السالفة الذكر، وعبرت الامتحانات بصعوبة شديدة، وصارعت حالات من الهلع الغريب المرتبط بمجرد التفكير في دخول الامتحانات؛ حتى حصلت على مجموع دخلت به كلية الطب ( بتوفيق الله وحده).. وخلال السنة الأولى واجهت الصعوبات التي يقابلها أي طالب في هذه السنة خاصة في الكليات العملية.. ولكن يضاف إليها التالي:
1. كانت هناك مشكلة كبيرة في المنزل تكاد تحطم أعصابي خاصة الشجار المستمر بين شقيقي وزوجته (فهو متزوج معنا في نفس البيت) ولم أكن أستطيع المذاكرة مع شجارهم شبه اليومي ( مع العلم أن شجارهم اختفى الآن بعد مرور عدة سنوات على زواجهم).
2. كان ينتابني صداع نصفي مزمن منذ كنت في المرحلة الإعدادية، ولم يرشدني أي طبيب إلى سبب عضوي لهذا الصداع… ونصحت بالذهاب إلى طبيب نفساني الذي بدأ معي رحلة علاج منذ السنة الأولى في الجامعة… وذلك عن طريق الجلسات النفسية، والأدوية الكيميائية.. بدءًا بالموتيفال وانتهاء بالأنافرانيل والتربتيزول وغيرها… وتم بالفعل علاجي من مشكلة الصداع التي كان سببها الضغوط النفسية التي مررت بها من: (سنة دراسية تحسينية كان عليّ خلالها أن أحصل على مجموع الطب للمرة الثانية، ومشاكل أخي وزوجته، إضافة إلى أنني صدمت في شخصيات كنت أرتبط بها ارتباطًا… كان هذا إنجازًا كبيرًا من طبيبي النفساني، فقد أعاد إلي الثقة في من حولي، وتحسنت علاقتي مع الآخرين، وعدت إلى أنشطتي بصورة كبيرة…
ولكن في نهاية العام الدراسي الجامعي الأول حدثت نفس أعراض الخوف السابقة من الامتحانات، واضطررت مع الضغط والخوف الشديد غير المبرر أن أؤجل إلى العام التالي.. وتم ذلك وسار العام التالي بصورة عادية، وكان الطبيب خلاله يعقد لي امتحانات دورية للتدريب على مواجهة الامتحانات، وكنت أحصل فيها على نتائج جيدة جدًّا.... ولكن قرب الامتحانات حدثت نفس الأعراض، ومررت من الامتحانات بصراع مرير مع الخوف منها!!!!... ونجحت بأعجوبة (بتقدير مقبول).. وقد مر العام الدراسي الثاني أيضًا تلقائيًّا حتى اقتربت امتحانات النصف الدراسي الأول؛ وحدث المحظور.. حيث عاد الخوف (إياه)!!..وقاومت كثيرًا جدًّا، ولكن (الرعب) كان أكبر مني، وقد فكرت بجدية في التحويل من الكلية، ولكنى نصحت من العديدين أولهم الطبيب النفساني أن هذا لن يحل المشكلة، وتراجعت بالفعل عن هذه الفكرة…والوضع الحالي أنني أيضًا أجلت دخول الامتحانات إلى العام التالي، وسافرت إلى والدي وأخي الثاني اللذين أرتبط بهما جدًّا؛ وذلك لقضاء هذه الفترة بعيدًا عن جو الامتحانات…
وأنا الآن أشعر بعدم الأمان، وشبه متأكدة أن المشكلة سوف تتكرر العام المقبل…فما تعليق سيادتكم على مشكلتي، وبماذا تنصحونني لتلافى تكرار المشكلة التي عانيت منها المرار كله وليس الأمرّين فقط…وأنا أرغب في معرفة ردكم الذي أثق فيه مسبقًا، وأتوقع أن يمثل لي الكثير في طريق العلاج.
وهذه معلومات عني ربما تفيد في حل المشكلة:
1. أنا مرتبطة بدرجة كبيرة جدًّا بأخي المسافر الذي يعتبر أكثر الناس فهمًا لي..وهو سيتزوج قريبًا وهذا يورثني شعورًا قويًّا بأنني سأكون وحيدة.
2.أنا شخصية اجتماعية جدًّا، وحساسة جدًّا بوصف الجميع.
3. أسرتي كلها ذات مؤهلات عليا في التعليم.
وأخيرا آسفة للإطالة، ولكنكم دائمًا تشكون من قلة التفاصيل والمعلومات..
فأرجو المعذرة.
28/10/2024
رد المستشار
أختي السائلة، شكراً على ثقتك، وتفاصيلك التي ساعدتني كثيراً في رسم صورة معقولة لك وللمشكلة.
يمكن الحديث عن حالتك بوصفها "رهاب الامتحان" وهو نوع من الاضطراب النفسي الناتج عن القلق الشديد الذي يصل إلى الهلع عند قدوم السبب أو المؤثر الذي هو في حالتك "امتحان نهاية العام" مع ما يحمله من ضغط نفسي هائل.ودعينا نتناول نقاطًا جديرة بالتناول في مشكلتك:أولاً: ليس هناك علاقة مؤبدة بين الاهتمام أو الهواية التي يحبها الإنسان، والكلية التي يدرس فيها، ولن أستطرد طويلاً؛ لأذكر لك من الشعراء إبراهيم ناجي، ومن كتّاب القصة يوسف إدريس.... إلخ ممن كانوا أطباء في الأصل، والذي ينبغي أن تطرحيه على نفسك: هل تحبين الدراسة في الكلية الأدبية التي كنت ترغبين في دخولها؟! وهل تعرفين المناهج، والعلوم التي سيكون عليك اجتيازها للحصول على الليسانس؟!فعلى حد علمي إنهم لا يدرسون هناك الأدب فقط، وحتى فإن مجرد حب الأدب، وبعض الإنتاج فيه لا يبدو دافعاً أو أساساً كافياً لدراسته ثم احتراف العمل به تدريساً أو بحثاً بقية العمر.ثانياً: بدلاً من الانكفاء إلى الداخل بالمرض وأعراضه، لماذا لا تواجهين أهلك، ونفسك برغبتك في الدراسة بكلية معينة، وتناضلين من أجل ذلك؟ فقط لا تكون المسألة مجرد عناد، أو مقاومة لمجرد الرفض، ولكنها رغبة حقيقية مدروسة بعناية. أعتقد أن تحديد هذه الرغبة، والنضال دونها مهمة لا يمكن أن يقوم بها غيرك، وليكن ما يكون.ثالثاً: نبهت من قبل أن كلية الطب بصعوبتها، وطريقة تناولها لمواضيع الدراسة تصقل الشخصية، وتمنح صاحبها منهجاً علميًّا راسخاً يتعامل به حتى مع أمور حياته الشخصية، فإذا لم تتواجد لديك رغبة حقيقية مدروسة وملحة في غيرها من الكليات؛ سيبقى عليك أن تتجاوزي خوفك المرضي قبل كل آخر عام، أو سيكون أمامك التضحية بالمميزات الاجتماعية والمنهجية لكلية الطب، وإهدار السنوات التي مضت بالفعل.رابعاً: هل الإنسان كائن دراسي فقط؟!بمعنى هل تخلو الحياة من الأنشطة والإنجازات غير الدراسة؟!فإذا لم تكن الحياة كذلك، وحياتك أنت ليست كذلك بالفعل؟! ألا يدعونا ذلك للتخفف من وطأة "الخلافات" الأسرية، والضغوط النفسية المتعلقة بالدراسة إلى أقل قدر ممكن؟!أرجو أن تأخذي قرارك بالاستمرار في كلية الطب من عدمه بأقل قدر ممكن من التوتر، وبأعلى قدر من الجسارة والتأمل الذي يدرك أن كل المجالات فيها فرص لخدمة المسلمين، السؤال يكمن في تحديد الأفضل بالنسبة لقدراتي حتى أستطيع أن أؤدي أفضل؟!خامساً: عند إنسانة حساسة جدًّا، واجتماعية جدًّا كما تصفين نفسك توقعت أن أسمع عن أحوال قلبك، وعواطفك تجاه الجنس الآخر!فما هو تقدير الحالة العاطفية عندك؟!وما هو تقرير الحالة الاجتماعية بالنسبة لصداقاتك؟ما معنى قولك: "صدمت في شخصيات كنت أرتبط بها ارتباطاً وثيقاً" فماذا كانت طبيعة هذا الارتباط؟ وماذا كانت محاور الصدمة بالتحديد؟!وكيف تجاوزت هذه الصدمة: هل بإيجاد بدائل من أنشطة أو أشخاص آخرين" أم بتناسي أو محاولة تجاهل الأمر؟!سادساً: أين أنت من الأنشطة الثقافية والفنية الراقية التي تملأ عاصمة المعز؟!هل تتحركين خارج الدائرة التي تعيشين فيها أسريًّا ودعويًّا ودراسيًّا التي هي في النهاية ضيقة حتى إن اتسعت!!وهل أنت متواصلة في إنتاجك الأدبي؟ وماذا تفعلين لتطوير قدراتك فيه؟!أشعر يا أختي، أنك تودين التحليق في سماء هذا العالم الفسيح، ولكنك تضعين في أقدامك وأجنحتك أثقالا وقيودًا لا معنى لها، وأن بداخلك طاقة هائلة إذا لم تستثمر للخارج إبداعاً وجمالاً في الكتابة وغيرها، فإنها ستظل تنفجر للداخل خوفاً وهلعاً تجاه أي موقف ضاغط.يا أختي، أنت أقوى من ذلك كله، فقط أطلقي لجناحيك العنان، وحلقي في آفاق السموات. أنت أقوى مما تظنين، ولقد تجاوزت بعض العقبات حين وثقت – بعض الشيء – في نفسك، وفي قدراتك، وتغلبت على بعض الالتباسات التي تقابلك أو هي داخلك مثل كل الناس حين يصابون ببعض الخلط أو الالتباس، ولم يكن هذا بفضل مهارة الطبيب بمقدار ما كان بإرادتك وقدرتك أولاً ثم عَوْن الطبيب ودعم الدواء.
يا أختي، كوني على اتصال دائم بنا، واكتبي لنا، وستحلقين يوماً كما ينبغي. تسألين متى هو... وأنا أقول مع القرآن "عسى أن يكون قريباً".والأمر بيد الله؛ قلوبنا في يده، أدعوه أن يربت على قلبك؛ فتنحل العقبة، وتنطلقين والله معك.
واقرئي أيضًا:
قلق الامتحان الشديد: خطة علاج!
مواجهة الامتحان: الطقم العقلي!
الامتحان: كيف أتجاوز الاختبارات؟
رهاب الامتحان والاكتئاب: ما العلاج؟!
المذاكرة والامتحانات: ثانوية عامة!