السلام عليكم
شكرًا جزيلاً على هذا الموقع الممتاز وجهودكم لمساعدة الناس على حل مشكلاتهم. مشكلتي تكمن في علاقتي بزوجي، فقد كنت طالبة بالجامعة في بلدنا حين زار زوجي أسرته حيث كان يقيم في الغرب منذ سنوات طويلة، وتقابلنا من خلال الأسرة ووافقت على الزواج منه لإعجابي بشخصيته وقبوله الاجتماعي وحسن أخلاقه رغم علمي بعدم تدينه، وأرجعت ذلك لطول الإقامة بالغرب، وتجاوزت عن ذلك، وتزوجنا ووجدته عطوفًا وعاطفيًا لكنني لم أتمكن من اللحاق به إلا بعد عامين حين أنهيت دراستي، وأنهى هو إجراءات الإقامة ولم نلتقي خلال هذه الفترة سوى لمدد قصيرة.
وكنت عند زواجي لا خبرة لي في العلاقة لأنني من أسرة محافظة، لكنني عند قدومي تعلمت الكثير من الاحتكاك الاجتماعي، ومن الإنترنت وزوجي بدوره تحسن كثيرًا في التزامه الديني، ويعاملني بشكل ممتاز، وقد أنجبنا. وقد اكتشفت عبر الأيام أنه يشاهد المواقع الجنسية على الإنترنت وأفلام الجنس، وحين أعاتبه يقول إن هذا لصالح علاقتنا كما أنه ما دام لا يضرني فلا يجب أن ألومه.
والمشكلة تكمن في أن علاقتنا الجنسية تزداد سوءًا، وهو يفضل النوم في غرفة المعيشة ليتركني لدموعي كل ليلة، ولا يعاشرني إلا إذا طلبت أنا منه رغم أنني أعترف أنه دائم القول بأنه يحبني ومعاملته عاطفية، بل ويشملني بتوجيهه في أمور الحياة.
وأنا لا أشك في زوجي أو سلوكه لكنني أريده أن يشعرني بأنوثتي، وأشعر بالإهانة حين يغادر فراشنا ويقنع بمكانه في غرفة المعيشة لأسابيع طويلة.
هل السبب حياته الأسرية في الطفولة وهجر والده للأسرة؟
هل العيب في شخصي أنا؟ ساعدوني.
28/1/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة، اسمحي لي بأن قمت بنشر مشكلتك مع تجهيل كل الملامح التي تميز حالتك، ولا تهم القارئ. نحن ننشر مشكلتك لأنها تسلط الضوء على جانب هام في حياتنا الاجتماعية يخص العرب والمسلمين الذين استقروا في العيش ببلاد الغرب حيث الأوضاع مختلفة عن أوطانهم الأصلية في كثير من التفاصيل، ولعلها الآن أصبحت لدينا في مجتمعاتنا أيضًا.
إن الأفلام الجنسية، وتجارة الرقيق الأبيض بأشكالها المختلفة هي ثالث أنواع الأعمال والأسواق المجرمة بعد المخدرات والسلاح، وفي تقرير أخير كشف خبراء في الأمم المتحدة أن هذا النشاط يحقق أرباحًا تتجاوز السبعة مليارات دولار، وأفاد الخبراء في مؤتمر عقدوه مؤخرًا بالبرازيل أن أكثر من أربعة ملايين شخص يقعون في قبضة شبكات الدعارة سنويًا، وهذا العدد يقتصر على المهاجرين بغير الطريق القانوني، ويمكن إضافة عدد مقارب من المقيمين، وكنت قد قرأت قبل ذلك أن العاملات في هذا الميدان – على مستوى العالم – يبلغن ما يقترب من الثلاثين مليون امرأة!!!
إذن نحن أمام آلة رهيبة لها أجهزة دعايتها، ولها أساليبها في تسويق منتجاتها، ومن هذه الأساليب شراء الذمم فيكتب من يكتب، ويبحث من يبحث، ويقوم بالترويج لهذه الصناعة بمكوناتها، ومن المتورطين في هذا إعلاميون وأكاديميون كبار.
وتساند هذه الموجات أطروحات فكرية من قبيل ما قد يردده زوجك أن مشاهدة هذه المواد هي لصالح تنشيط العلاقة بين الزوجين، وتبديد الملل والرتابة، ولكنها أساطير وأكاذيب رغم أنها شائعة ومتداولة على مستويات المفروض أنها محترمة في المجتمعات الغربية، بل وفي أوساطنا العلمية والأكاديمية!!
ولا يمكن النجاة من هذا الفخ إلا بعقل سليم واع بكل هذه الجوانب، ومدرك للأثر المدمر لهذه المواد ليس على أخلاق الإنسان فحسب، بل على نفسه وسلوكه كما أوضحنا في إجابات ومقالات سابقة سأضع لك ارتباطاتها آخر الرد.
فماذا ننتظر من إنسان يغرق في طوفان صور ومشاهد مصنوعة بإتقان لكي يدمنها، ويظل دائمًا يطلب المزيد، ماذا ننتظر منه غير الركض وراء كل غريب ومثير في هذا العالم النكد؟!! والنتيجة إدمان على هذه المواد، وزهد جنسي مصاحب لذلك، فلا تثيره زوجته، ولا غيرها بعد حين!!
لا يمكن وقف هذا الانهيار النفسي، والدمار الشعوري إلا بتماسك أخلاقي صارم من الرجل، وعون حكيم منفتح من المرأة.
سأقول لك ماذا ينبغي عليك أن تفعلي، ولكن ينبغي أن ينتبه زوجك لخطورة تأثير هذه المواد على التفكير والتصورات والمشاعر، وأن أخطر ما في هذه التأثيرات أنها تتم في إطار الاستمتاع والغفلة الكاملة عن الأضرار المتحققة، وهذا الموضوع لا يطرقه أحد تقريبًا غير مجموعة من الأكاديميين والباحثين، وقليل من الجمعيات الأهلية في الغرب، وعندنا في العالم العربي والإسلامي فنحن نكتفي بالحديث عن الأمر من المدخل الديني الذي يعرفه أغلب الناس، ومع ذلك يستمرون في استعمال هذه المواد بما يشبه الإدمان، غافلين تمامًا عن أضرارها التي عندما تقع لا يربطون بينها، وبين أسبابها لأنهم لا يدركون هذه الرابطة أصلاً!!
تحتاجين يا أختي إلى حوار مفتوح وصريح مع زوجك يحتج بالمنطق الديني والعلمي والنفسي، فمن المعروف أن المرأة تحتاج للمعاشرة، وتعتبرها دليلاً على المحبة المتجددة، وعن استمرار الود والحب، ومن السائد علميًا، والثابت حاليًا أن الجانب العاطفي للعملية الجنسية هو الأهم عند المرأة، على العكس من الرجل الذي ربما يهمه أكثر الجانب الجنسي الشهواني، وعلى زوجك أن يفهم أن اعتلال رغبته، واضطراب شهوته، وزهده بالتالي في معاشرتك يعني لديك أنه لا يحبك أو أن حبه لك ينقص، ولا يزيد، وأن هذا من شأنه تدمير نفسك، وشعورك بالمهانة، والطعن في أنوثتك باستمرار كما تصفين، وما أقسى أن تجد المرأة نفسها مضطرة لطلب المعاشرة من زوج زاهد فيها – أي في المعاشرة – وتحسبه زوجته – رغم كلمات الحب المستمرة – قد زهد فيها هي بعد أن تغيَّر جسمها، ولم يعد جسد الفتاة الممشوق الغض.
ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي كان يقول: "والله إن أحدنا ليأتي شهوته مكرهًا" يعني أنه قد لا يرغب في الممارسة لأمر يشغل ذهنه، أو لأي سبب أخر، ولكنه يفعل ذلك حبًا في زوجته، وقيامًا بحقها، أكثر مما يفعله حبًا في ذات الفعل، ولعلها امرأة عندهم أسمت الجنس "ممارسة الحب".
وأعجب للرجال عندنا عندما يجهل أغلبهم كيف تنظر المرأة للمعاشرة كونها التعبير الأعمق عن مشاعر الحب والرضا، وكأنها تقول لنفسها مع كل لقاء: ما زال زوجي يحبني، وما زلت أنا الأنثى التي تغريه فيعاشرها، فيقر قلبها بذلك، وتسكن نفسها، وتبادله هذا الحب، وتتفانى في الوفاء والقيام على شئون بيته بما يصلحه. بينما يهمل آخرون هذا الطقس التعبيري الرائع عن مشاعر الود فتستقبله الزوجة بانزعاج شديد، وحزن مقيم لأن معناه عندها أن زوجها معرضٌ عنها، وأنه ربما قد تحوَّل إلى جهة أخرى يصب فيها ماءه وعواطفه.
وقد تتفنن بعض الزوجات في إغواء الزوج وإغرائه ليتحقق الوصل، والتأكيد المستمر على المشاعر، بينما تعجز أخريات بسبب قلة معرفة، أو تنشئة محافظة، أو معوقات أخرى نفسية، أو صحيّة لتجلس تتألم في صمت، وصاحبنا غافل يقول في نفسه، وأحيانًا نسمعها متداولة على الألسنة: "لا هم للنساء سوى النكاح"، وجهل القائل، والسامعون الساكتون أن معنى الجنس عند المرأة هو العاطفة أكثر من الشهوة.
أهاجت مشكلتك كل هذه الخواطر فقلت أثبتها لك، وللسامعين "فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، وأعود فأقول: إنه مع حاجتك لحوار مفتوح وصريح مع زوجك، ونقاش هادئ ومستمر لمنطقه في إدمانه مشاهدة هذه المواد، وإطلاعه عليها، والأضرار المترتبة على هذا في نفسه ودينه وفيك..
أعتقد أنك في حاجة إلى تطوير مواهبك، وتنمية معارفك في الفنون الأنثوية كما في رعاية بيتك وأطفالك، إذا أردت أن يكون زوجك لك رجلاً مستمر التواصل؛ فكوني له أنثى مستمرة التألق. وقد رأينا في بيوت الفاضلات، وسمعنا من سيرتهن ما يثير العجب، فمنهن من كانت تجلس في بيتها بكامل زينتها وعطرها من الصباح إلى المساء، فلا يخرج الزوج إلا وهي في أبهى صورة، ولا يعود إلا ويجدها كذلك، يدخل ويخرج فلا يجد إلا بيتًا مرتبًا نظيفًا هادئًا، وزوجة هي أرقى وأنظف وأزين من نساء الشوارع، فيبادلها الرعاية برعاية، ويتنافس معها في التجمل لها.
أليس ذلك يا أختي هو حسن التبعل للزوج؟!!
ومطلوب من الزوج مثل هذا.. رأى أحدهم الحسن البصري يمشط شعره قبل دخول البيت.. فقال له: ماذا تفعل؟! فقال: أتزين لامرأتي.. فقال الرجل: أتجد هذا في كتاب الله.. قال البصري: نعم.. هو فيه.. في قوله؟ "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف". وفي أحاديث السواك وجدت رواية عن عائشة –رضي الله عنها- حين سئلت: أي عمل كان يبدأ به الرسول –صلى الله عليه وسلم- عند دخوله البيت قالت: السواك.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله.. يبدأ بالسواك عند دخوله بيته، ولعله كان بعدها يُقبل زوجته، أو يحتضنها فلا تجد منه إلا ريحًا طيبًا في فمه، وسائر جسده، وهو الذي لم يكن يردُّ طيبًا قط، وكان يقول – فدته نفسي- حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة، ولو لم يحبب له الله النساء لكان في أمور دعوته، وانشغاله بربه ما يصرفه عنهن، ولكنه كان الأكثر برًا بأهله، فهو القائل: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وكم من النصائح والتوجهات مبثوثة في السطور، وبين السطور في القرآن والسنة، وسيرة المصطفى، وتاريخ هذه الحضارة.. أقوال وأحداث والقليل منا يفهم ويعي، وأقل القليل منا يفعله، وأقل القليل منكن يفعلن، وبالمناسبة العمل المناسب خارج البيت يفيدك، والانتقال إلى مدينة أكبر أيضًا يفيدكما، فاجتهدي في ذلك، وامسحي دموعك يا أختي.. وافهمي أمرك..
واعملي بدأب، والله معك.. وكوني على صلة بنا.
ملاحظة أخيرة هامة – وقد أطلت عليك – زوجك يعاني من السأم والضجر، فعمله شاق، وأنتم في مدينة صغيرة لا توجد فيها أنشطة اجتماعية وثقافية وترفيهية ممتعة ومفيدة فيما يبدو، وتبقى البدائل محدودة أمامه، فهل تستطيعين أن تعاونيه بجهد في هذه المسألة؟!!
آمل ذلك.. ولقد نبهتني مشكلتك لأمر هام من هذه الناحية، أعدك بأن أعالجه باستفاضة في أول فرصة، فتابعينا إذ لدينا الكثير مما يفيدك فيما هو مطلوب منك.