أتمنى يا أمهاتي الحبيبات أن تجدن حلاً لمشكلتي؛ فأنا حقا أجد راحة نفسية شديدة لكل ما تعرضنه من حلول.. مشكلتي هي أنني لا أفكر بنفس طريقة بنات جيلي؛ فأنا لا تهمني الماديات، ولا يهمني الوسامة ولا السيارة، بل الأهم عندي شخصية من سأرتبط به، وفعلا وجدت فتى أحلامي؛ فهو جاري، ويسكن في نفس العمارة، وكان صديقًا حميمًا لأخي، ومن اللحظة الأولى التي تحدثنا فيها شعرنا أن كلا منا للآخر، وأحبني حبا شديدا وأنا أيضا.
وفعلا تقدم لخطبتي، ووافقت أمي وأخي، ورحبا به وكانا فرحين جدا، وصارحني هو بكل شيء عنه وبكل صغيرة وكبيرة وبكل خطأ أخطأه، وتقبلت كل ما قاله بصدر رحب، وأخبرته أن الله يغفر كل شيء ما دمت أنت نادمًا، ولقد أعجب بي وبرأيي كثيرا، وازداد حبه واحترامه لي. ومضت بنا الأيام ونحن نحلم باليوم الذي ستزين فيه أصابعي بالدبلة، ولكن في الوقت الذي كنا نستعد فيه للخطوبة كان أخي مرتبطًا بفتاة، وكان يريد خطبتها، ولكن سنه الصغيرة (23) والظروف كانا حاجزين منعاه من خطبتها.
المهم أنه أصابه الاكتئاب، وانهار، واتجه إلى الدين، مع العلم أنه لم يكن يركعها (أي لا يصلي)، والكارثة أنه اتجه إليه بتشدد، وفوجئنا به يخبرنا أن الأغاني حرام والتليفزيون حرام و… و… و…، وبدأ يرى كل الناس غلطا، وهو فقط الصحيح، ثم التفت إلى خطيبي وبدأ في مضايقته ومضايقتي، وبدأ يخبرني أن كلامي معه في التليفون حرام، وهددني إن لم أرتدِ الحجاب في الخطوبة فلن يحضر طبعا..
كل هذا كان غريبا جدا، ولقد رفضت كل ما قاله؛ فأنا أتحدث مع خطيبي قبل الخطوبة في التليفون بعلم أمي وبعلمه، ثم أي عروسة في مصر ليس غريبا ألا ترتدي الحجاب يوم خطوبتها. المهم أنني تحديته، ورفضت بشدة، وساندتني أمي، ومضى يومان، ونزلنا لشراء الدبل، وكنت أنا وحبيبي أسعد مخلوقين على وجه الأرض.
وعندما رجعنا كنت أتكلم مع حبيبي في التليفون، ونرتب للخطوبة التي بقي عليها أسبوع واحد، وبعدها فوجئت بأخي يتكلم مع أمي، ويخبرها أن خطيبي كان سلوكه غير سوي، و... و... و...، وأخبر أمي بكل شيء كان خطيبي قد أخبرني عنه وسامحته عليه، ولكن أمي لم تفعل، واستطاع أن يقنعها بأنه لا يستحقني، وللأسف تحيزت أمي له، وأنهت كل شيء، ولم تستمع لي ولا لتوسلاتي بأنه تاب عن كل شيء وسامحته.
وأخي الآن سعيد جدا بحجه أنه أنقذني من إنسان شرير.. ألم يكتشف أنه شرير إلا الآن فقط؟ ألم يكن يعلم كل شيء عنه من قبل أن يتقدم لي؟ ولماذا انتظر حتى يوم شراء الدبل ليخبر أمي بكل شيء؟
والآن أيها السادة ماذا أفعل مع هذا الظلم الواضح؟ إنني لن أتخلى عنه وأنا أحبه بشدة.. وخطيبي مذهول لما حدث ولم يصدق أن صديقه الذي استأمنه على سره قد يفضحه في يوم من الأيام..
وخطيبي كلما أتيحت له فرصة حاول أن يفاتحهما من جديد، ولكن دون جدوى.. أرجوكم أخبروني ماذا أفعل؟
13/5/2025
رد المستشار
الأخت الكريمة، رسالتك هذه تدق ناقوس الخطر لكل من تسول له نفسه أن يجهر بمعصيته أمام أي أحد من عباد الله كائنًا من كان؛ لأن المعصية إن كانت بين المرء وربه فالله سبحانه كفيل بأن يستر على عباده، وأن يغفر لهم إذا لمس منهم صدق التوبة والندم على ما اقترفته أيديهم والعزم على عدم العودة لهذا الذنب مرة أخرى. أما البشر فليس لهم هذه المقدرة على الصفح والنسيان.
فالخطأ بداية خطأ خطيبك الذي أطلعك وأطلع أخاك على ذنوبه، وكانت الطامة الكبرى عندما استخدم أخوك هذه الأسرار ليفرق بينكما، وأقنع والدتك بسلامة هذا القرار.
وحتى يمكنكما –أنت وخطيبك– أن تتعاملا مع هذه الأزمة يجب أولا أن تتذرعا بالصبر اللازم، ولا تتعجلا الأمور؛ فلن تنتهي هذه المشكلة بين يوم وليلة، وهي فرصة على كل حال لتتأكدي من صدق خطيبك ومن تمسكه بك، على أن تكون حركتكما في عدة محاور؛ فعليك أن تركزي على والدتك؛ أكدي لها أنك ما زلت تحبينه ولا تستطيعين فراقه، اسكبي الدموع بين يديها حتى يلين قلبها، ووضحي لها أنه أصبح إنسانًا مختلفًا لا يريد إلا سعادتك، كما يمكنك الاستعانة بمن له تأثير عليها ويمكنه إقناعها (خال أو عم مثلا)، وهذا بالنسبة لوالدتك.
أما بالنسبة لأخيك فبداية الأمر تكمن في الكف عن الاستهزاء بأفكاره وتحقيرها والنظر له على أنه كان "لا يركعها"، فكما قلنا إن الله غفور رحيم.
عليك أن تتفهمي أن بداية رجوع المرء لله دائما تكون متشددة، ويحدث خلط للأمور، وتحريم الكثير من المباحات، ولكن هذا الأمر لا يستمر كثيرا إذا تعامل المحيطون بالإنسان بحكمة ووعي، وإذا لم يعتمدوا الزجر أو الاستهزاء سبيلا للتعامل؛ ولهذا فمهمتك في هذه الفترة أن تتقربي إليه، وتحاولي بكل السبل استمالته واسترضاءه، وتجنبي الصدام معه أو معاملته بندية تزيد من عناده.
أكدي له أنك مدركة ومقدرة تماما دوافعه فيما يفعله، وأنك تعلمين مدى حرصه كأخ عليك وعلى مصلحتك، اتخذي منه صديقا لك ليعين كل منكما الآخر على طاعة الله، وتذوقا معا حلاوة العيش في طاعة الله، استمعا معا للقرآن واذهبا معا للمساجد، وعندما تقرآن أو تسمعان معا الآيات والأحاديث التي تذكر برحمة الله وعفوه وكرمه مع بني آدم وبالذات من أخطأ منهم وسار طويلا في طريق المعصية، وعندما تسمعان معا أقوال حبيبنا الغالي ورسولنا وقدوتنا مثل: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم، سقط على بعيره، وقد أضله بأرض فلاة" وغيرها من الأحاديث التي تبشر التائبين.. ذكريه أن كل بني البشر يخطئون؛ فمن أناب منهم إلى الله ورجع إليه محيت ذنوبه كلها وبدلت حسنات، وأنه سبحانه يحب من عباده من يعفو ويغفر؛ فمن أراد أن ينعم بعفو الله سبحانه ومغفرته فليعفُ عن عباده.
ذكريه بقصة الصديق رضي الله عنه وأرضاه حين منع مساعدته عن قريبه الفقير "مسطح بن أثاثة" بعد أن خاض مع الخائضين في حديث الإفك ولاكت ألسنتهم زوج الرسول السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فنزل قوله تعالي: "وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (النور:22) فما كان من الصديق –رغم أن ذنب مسطح يسيء إليه وإلى ابنته شخصيا– إلا أن قال: "بل أحب أن يغفر لي الله"، وأقسم يمينا ألا يقطع مساعدته له حتى يتوفاه الله.
فما بالنا لو كان الذنب بين المرء وربه؟ لماذا نحاسب البشر على ذنوب لم ترتكب في حقنا؟ هل نصبنا الله قضاة أو جلادين على الناس؟
ذكريه أن أمر خطيبك بيد الله، وأن ذنوبه هذه كانت في الماضي وكانت بينه وبين ربه؛ فلا يجوز لأي إنسان كائنًا من كان أن ينصب نفسه قاضيًا يحكم على عباد الله.
وفي هذه الأثناء على خطيبك أن يثبت لله ولنفسه –قبل أن يثبت للناس ومنهم أنت وأخوك- صدق توبته، ويتجنب ما كان يرتكبه من ذنوب، وليحاول أن يتقرب له، وقد يستعين في ذلك بصديق مشترك بينهما، أو شيخ كلمته مسموعة عند أخيك، يتطوع لإصلاح ذات البين، وأجدني مضطرة لتوضيح أنه لم تعد تربطك بخطيبك الآن أي رابطة بعد أن قررت والدتك عدم إتمام الزواج؛ فكوني حريصة في تعاملاتك معه واتصالاتك حتى يأذن الله بانفراج الأزمة، ولا تندفعي في غمرة ما يحدث وراء عواطفك؛ لأنك لو فعلت فستخسرين كل شيء، وأولهم هذا الشاب.
أختي الكريمة أجد أنه من الضروري أن أذكرك بعدة أمور، وهي:
الأمر الأول: أنك ذكرت أنك سوف تخلعين حجابك يوم الخطوبة، ومبررك في ذلك أن كثيرًا من الفتيات في مصر يفعلن ذلك، وبغض النظر عما سوف تفعلينه لأن هذا شأن بينك وبين ربك وهو الذي سوف يحاسبك، فإنني لست مقتنعة بمنطقك؛ لأن خطأ من حولنا –حتى ولو كان شائعًا وغير مستهجن- لا يعفينا من تحمل الوزر، والله سبحانه يقول: "ألا تزر وازرة وزر أخرى"، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يكن أحدكم إمعة (أي متبعا لخُطا غيره سواء أصابوا أو أخطأوا) يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءاتهم".
وإذا كانت بعض الفتيات تخلع حجابها يوم الفرح؛ فهناك الكثيرات غيرهن ممن يحرصن على ارتداء الحجاب أو يحرصن على أن يكون للنساء قاعة منفصلة حتى لا يطلع الرجال الأغراب على زينتهن، وتساؤلي هو: كيف نبدأ حياة جديدة نرجو فيها توفيق الله وبركته بمعصية؟!!
الأمر الثاني: أجد أنه من الضروري أن أذكرك بأهمية أن تضعي اعتبارات العقل جنبًا إلى جنب مع اعتبارات القلب عند النظر إلى خطيبك؛ فانظري في عيوبه وميزاته، وتأكدي من أنه الشخص الذي تريدينه فعلا؛ لأنك ستراهنين عليه، وستحاربين من أجله، ولو حدث منه شيء بعد ذلك فسيصعب عليك أن تحصلي على تأييد من أخيك أو من والدتك؛ لأنك لن تظفري منهما في آخر مطاف صبرك وإصرارك إلا على "موافقة فاترة"؛ فراجعي اختيارك جيدا؛ لأنك ستدفعين ثمنه وستتحملين مسؤوليته وحدك، فحذار من الاندفاع أو الانخداع.
الأمر الثالث: هل الكمبيوتر الخاص بك لا يكتب حرف الذال (ذ)؟ أم أنك لا تدركين الفرق بينه وبين حرف "ز"؟!!! حيث لاحظت أنك استبدلت كل حروف الذال في خطابك بحرف الزاي، (وقد قمنا بتعديل ذلك أثناء التحرير).
أختي الكريمة، تأكدي أن الله سبحانه لن يقدر لكما إلا الخير طالما تتقيانه وتتوكلان عليه، ودورك ودور خطيبك أن تستمرا في محاولة كسب رضا والدتك وأخيك بكل السبل الممكنة، ولا تنسيا الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه أن يقدر لكما الخير حيث كان، راجعي اختيارك، وتابعينا بالتطورات
ويمكنك الرجوع للاستشارات التالية:
رفض الأهل ليس أهم الجوانب
رفض الأهل وزلزلة قرار الاختيار
رفض الأهل... منطق الاحتلال