مستعجلة وقليلة الخبرة أم سحر وعفاريت؟ م
بعد التحية والسلام
أرسل لك هذا البريد وأنا في حالة انزعاج من بعض الأمور التي تم ورودها في تعليقك على صاحبة مشكلة مستعجلة وقليلة الخبرة أم سحر وعفاريت، ويأتي هذا الانزعاج من أن ما تصفه في ردك هو حال معظم الإناث اللاتي تأخر بهن سن الزواج؛ فالعديد منهن يتميزن بقلة الخبرة في التعامل مع الجنس الآخر نتيجة لأسلوب التربية التي يتميز بها البيت العربي.
وبالتالي تمر أفضل سني عمر الفتاة بدون أن تشعر بأدنى اهتمام من الجنس الآخر نتيجة لخجلها الشديد الذي ينعكس بالتالي على تصرفاتها والذي يدركه الرجل ولا يقدره فيها، بل يتخذه موضع سخرية، خاصة إذا أدرك هذا الرجل أن تلك الفتاة معجبة به وتتمناه زوجا لها، فإذا حدث وأرسلت له أحدا لكي يلفت نظرة لها نجده لا يبالي ويعرض عنها، اعتقادا منه أنها لا تليق به، وأنه يجب عليه لكي يتزوج أن يقترن بفتاه تكون قوية وجريئة ولا تكن له أي مشاعر، اعتقادا منه أنه بذلك قد بذل جهد قويا في إقناعها به.
وهذاأمر غريب؛ فهل الرجل بهذا الغباء والجهل في اختياره لشريكة حياته في أن يغفل الشيء النفيس والقيم ويعرض عنه بمجرد أنه عرض عليه وهو يدرك قيمته ويذهب إلى من لا تقدره لمجرد أنه حارب للحصول عليها؟ ألم تعرض السيدة خديجة رضي الله عنها نفسها على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقبلها زوجة له وهو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟ فماذا حدث لشباب تلك الأمة؟
إن تعليقك أوحى لي أن الإناث يجب عليهن أن يتخلين عن الحياء ويتعلمن فنونا أخرى تجعل الرجال في حالة قلق وترقب، وأن يتعاملن معهم على أنهم أطفال يمنعون ويعطون في الأوقات التي تراها الإناث مناسبة لهن،
هل هذا هو الحل لمشكلة من تم تربيتهن بشكل محافظ؟
28/5/2025
رد المستشار
الأخت العزيزة "Lama" أهلا وسهلا بك وشكرا على مشاركتك في هذه الاستشارة، والتي أجد في أولها اتفاقا مع ما أقول لكنه اتفاق غير كامل كما سأبين، وأجد في آخرها ما استغربت له؛ لأنني لم أقصد بكلماتي ولا بإحالاتي ما تقولينه من أن تعليقي أوحى لك به وهو أن تتخلى الإناث عن الحياء! وراجعي ما قلته في أصل الرد بتمعن لتتأكدي، ثم أكملي معي هنا:
معظم البنات المحترمات الملتزمات منذ الطفولة وفي البيوت العربية التقليدية أي التي تتميز بالتضييق على البنت في سلوكياتها وأحلامها ورؤيتها للأمور وحتى أفكارها وهواياتها، سواء سمي ذلك تدينا أو عادات وتقاليد عائلية، فإنه كان إلى عهد قريب ينتج بنات عديمات الخبرة وليس فقط قليلاتها.
ولكنني أحسب -ما أزال- أن بعض بناتنا الصغيرات المثقفات الملتزمات يعرفن ويسلكن سلوكا قويما، وأحسب أن كثيرات تعلمن ذلك على شبكة الإنترنت ومن الفضائيات المحترمة الهادفة، صحيح أن بعضهن حصلت لهن مشكلات فضعن ولو عاطفيا على النت وبعضهن انزلقن إلى ما هو أخطر، ومنهن تائبات ومنهن من لم تزلن غائبات نسأل الله لهن الهداية.
واقرئي لتلميَّ أكثر بالمقصود: سيكولوجية الفتاة العربية، واقرئي أيضًا عن ضرورة التكوين قبل التمكين -وهو ما لا يحدث مع الأسف- ردنا على صاحبة مشكلة: عذراء وتود الرحيل عنه وعن ذاكرته ومتابعاتها الثلاث.
وأنا وضعت هذا المشهد الفكري التأملي فقط لأصل بك إلى مقصدي من كل هذا وهو أنك لم تتأملي قولي "مستعجلة"، واعلمي يا أختي أن مستعجلة وصاحبة خبرة= مستعجلة وقليلة خبرة؛ لأن كلتيهما ستخطئ بسبب أنها مستعجلة (والعجلة من الشيطان كما تعرفين)، فالعجلة هي مفتاح الخطأ البشري في كثيرٍ من الأحيان.
وأذكر حديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم "الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ" والذي رواه الترمذي وحسنه من حديث سهل بن سعد الساعدي، وأوله: "الأَنَاة مِنَ اللهِ" ورواه البيهقي في سننه من حديث أنس وأوله: "التَّأَنِّي مِنَ اللهِ" وأخرج أيضا من حديث ابن عباس: "وَإِذَا تَأَنَّيْتَ أَصَبْتَ أَوْ كِدْتَ، وَإِذَا اسْتَعْجَلْتَ أَخْطَأْتَ أَوْ كِدْتَ". من كتاب "الدّررُ المنتثِرة"، للإمام السيوطي، وهو هنا ما لا أريد لبناتنا أن يقعن فيه... وهيهات لمن تنادي مع الأسف.
يعني أنا أقصد من كلامي أنها تعجلت في بوحها للرجل الذي رأت فيه زوجا مناسبا، والعجلة في حد ذاتها هي من توقع البنت الطيبة في الخطأ، فبدلا من أن تصبر وتسأل ربها الرزق الحلال بالزواج بمن يخطبها، نراها متعجلة تود مصارحته إلى حد أنه يعتبر فعلها ذلك توريطا له، ويزهد فيها ويتهرب منها بالتالي، فأما هي فتنطلق من طيبة قلبها وشفافيتها ورغبتها في العطاء باسم الحب الذي تختلط المفاهيم المشوهة بشأنه عند معظم أفراد جيل السينما والتلفزيون أو "المفسديون" أو أفراد جيل الفضائيات والإنترنت ثم المحمول.
وأكرر أن من الخطأ أن تصرح الفتاة بميلها ورغبتها في الارتباط بمن تتمنى الارتباط به، ولا مجال للمقارنة بين أي من رجال أو شباب اليوم وبين سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
إن الرؤية للزواج اختلفت تمام الاختلاف في وعي ولا وعي الشباب اليوم ولن تجدي مؤيدين مع الأسف إذا طلبت من التافهين من جيل الدولسي الذين يملئون بلدان المسلمين اليوم أن يقتدوا بسنة الرسول الكريم في مسألة اختيار الزواج؛ فلا عندنا خديجة رضي الله عنها ولا عندنا من يُقدّر أن امرأة تريد أن ترضي ربها بالزواج منه.
فارق كبير بين أن يكونَ هدفك من الزواج هو إرضاء الله عز وجل، وأن يكون الهدف هو فقط إشباع الحاجات الجسدية والنفسية بطريقة يرضى عنها الله، لا أقول إن الزواج لإشباع الحاجات خطأ أو مرفوض، لكن العلاقة في الإسلام أعمق كثيرا وأشمل كثيرا من ذلك.
تستغربين من أنني أنصح البنات بأن يتجنبن الوقوع في فخ المصارحة بالحب وترين أنني أريد منهن معاملة الشباب أو الرجال كالأطفال، وأنا أقول لك إذا وجدت المرأة من تستطيع تقييم من يصلح أبا لأبنائها ويقدّر ميلها إليه ولا يخضع لغواية الشيطان -وأنا لا أضمن أحدا بين من يعيشون اليوم في بلادنا- إذا كانت ستجده في الأجيال الحالية فإن بإمكانها أن تصارحه برغبتها في الزواج ولكن مع كثير من القلق من جانبي، واقرئي في ذلك بعضا من نقاش طويل دار على مجانين يبدأ من: تغيير استراتيجي: بدلا من انتظار الزوج
وأنا ما زلت أرى أنها أخطأت بكونها لمحت برغبتها الارتباط به، لأسباب عديدة، أهمها أنه ليس الشخص المناسب أصلا لهكذا مصارحة، وإذا كنت قد شعرت بالانزعاج على بناتنا فاعلمي أنك على حق، وأتمنى ألا تنسي الانزعاج أيضا على شبابنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويتبع,>>>: مستعجلة وقليلة الخبرة أم سحر وعفاريت؟ م1