السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنني أبعث إلى سيادتك هذه الرسالة راجيًا إياك أن توضح لي بعض الأمور، وأن توجهني وترشدني إلى حل بعض المشاكل التي تواجهني، داعيا لك الله بأن يجزيك عني كل خير وعن جميع المسلمين.
سأدخل في الموضوع مباشرة، فإنني شاب في الثانية والعشرين من عمري، أدرس بكلية الطب، وأنا حاليا في السنة الدراسية الخامسة.
كنت قبل أن أبدأ دراستي الجامعية شابًا يعرف عني الاجتهاد في الدراسة والالتزام الأخلاقي ولكنني لم أكن متدينا.. وكنت ملتحقا بإحدى المدارس المختلطة، وكانت علاقاتي بزميلاتي في المدرسة علاقات عادية جداً، ولم أكن أفكر آنذاك في الارتباط العاطفي مع أي زميلة لي، بل لم أكن أفكر في هذا الأمر مطلقا.
وبعد انتهاء المرحلة الثانوية، وابتداء المرحلة الجامعية، والتحاقي بكلية الطب، وجدت نفسي أتغير، ووجدت نفسي أميل إلى إحدى زميلاتي في الكلية، وأشعر تجاهها بالراحة. ورغم أن هذه الفتاة كانت من ضمن زميلاتي في المدرسة، فإنني لم أكن أشعر تجاهها بهذه المشاعر من قبل، وكأن الأمر حدث فجأة، وبدون أي مقدمات.
سأشرح لك بالتفصيل كيف بدأت أشعر بعاطفة تجاهها، ورغم أن هذا الأمر غريب جدا، فإن هذا هو ما قد حدث فعلا: ففي يوم من الأيام، رأيت حلما غريبا وهو أنني أحببت تلك الفتاة، وهي أيضا أحبتني، وانتهى حبنا هذا بالزواج، ومنذ هذا اليوم وأنا أشعر تجاهها بعاطفة شديدة، وأنني لا أستطيع الاستغناء عنها، وظل الأمر يزداد ويزداد حتى زاد الأمر عن الحد، وبدأت هذه الأفكار تسيطر على تفكيري وتؤثر على علاقتي بربي والتزامي الديني وتفوقي الدراسي، بل زاد الأمر إلى حد تدهور حالتي النفسية والصحية بشدة.
أما بالنسبة لعلاقتي بتلك الفتاة فإنها كعلاقة أي زميل بزميلته في الجامعة، وأنا طبعا أعرفها بحكم أنها كانت معي في المدرسة، وكل تعاملي معها لا يخرج عن إطار الزمالة، ولا يوجد كلام في الحب أو غيره، وهي تعتبرني أخاها الكبير الذي ينصحها ويرشدها إلى الطريق الصحيح. وكانت ترى فيّ أنني صاحب الرأي الصائب، والعقل الناضج، وكانت تعجبها جدا آرائي وأفكاري، وكان حديثنا دائما يغلب عليه الكلام في الأخلاق والدين والدراسة.
أما المشكلة التي تواجهني فهي أنني لا أعرف ماذا أفعل، ولكنني أعرف جيدًا أنني يجب أن أفعل شيئا، فإن هذا الأمر يسبب لي مشاكل كثيرة جدا، أهمها على الإطلاق أن حبي لها هذا يبعدني عن تديني، ويدفعني إلى الوراء دائما، والتشكك في إخلاص عملي لله. ويجب أن تعلم أيضا أنني لا أعرف حقيقة شعورها نحوي، ولا هي أيضا تعرف حقيقة شعوري نحوها؛ لأننا لا نتكلم في هذه الأمور أبدًا.
ولقد علمت من طريقة مخاطبتها لي أنها تعلم ما بداخلي، ولقد فهمت من كلامها أنها تريدني أن أتحدث معها في هذا الموضوع. وقد فكرت أن أفاتحها فيه، وأن أقول لها إنني لا أستطيع عمل أي شيء الآن، وإنه من الخطأ الاستمرار في أي علاقة بيننا بأي شكل من الأشكال، إلا في حالة الضرورة القصوى، ولكن بمجرد تخرجي من الكلية سأطلب يدك من أبيك.
ولكني أخشى أن أقول لها هذا الكلام، فتتعلق بي أكثر، ويؤثر ذلك على نفسيتها أكثر وأكثر، وأكون بذلك قد ارتكبت ذنبا في حقها. وأخشى أيضا أن يؤدي هذا الكلام إلى ارتباطها بي مع أني لا أضمن لنفسي المستقبل، ولا حتى أضمن أنني لن أغير رأيي فيها.
أشار علي بعض الأصدقاء أن أقطع علاقتي بها تماما، وألا أتحدث معها أبدا، فما رأيك؟ علما بأنني قد التزمت دينيا منذ معرفتها وأصبحت أصلي في المسجد، وأقوم بأنشطة خيرية كثيرة والحمد لله، وهي أيضا قد ازدادت التزاما منذ معرفتها بي. أفيدوني أفادكم الله!! وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
31/5/2025
رد المستشار
سأبدأ معك من كلماتك، فأنت ترى أنه من الضروري أن تفعل شيئا ولكنك لا تدري ما هو هذا الشيء؟ ومن الواضح أنك غير عازم وظروفك لا تسمح الآن بأي ارتباط معلن، ما تريد أن تفعله في الغالب هو أن تصرح لها بمشاعرك نحوها، ولكن هل سألت نفسك: وماذا بعد هذا التصريح؟
ستتحقق من حقيقة مشاعرها نحوك، فإما أن تجدها لا تحمل لك نفس المشاعر، وهذا سوف يصيبك ببعض الألم الذي سيشغلك عن دراستك. والاحتمال التالي أن تجدها لا تدري أو لم تحدد بالضبط حقيقة مشاعرها نحوك، وهنا ستدخل في دوامة أخرى من القيل والقال لتقنعها بالموافقة عليك. والاحتمال الثالث أن تجدها تبادلك شعورا بشعور؛ فماذا بعد ذلك؟ هل تقصد أن تحجزها لنفسك؟
وماذا لو حدث ما تخوفت أنت منه وتغيرت مشاعرك نحوها؟ هل ستتركها بعد أن تعلقت بالأمل أم ستتزوجها شفقة بها، حتى لا تكسر بخاطرها كما يقولون؟
والسؤال الأهم: هل تصريحك بحبك لها سيحل لك المشكلة التي تعاني منها، وهي عدم القدرة على التركيز سواء في العبادات أو في الدراسة؟
من الواضح أن الإجابة بالنفي في كل الأحوال، والأفضل لك ولها الآن أن تتروى، وأن تعلم أن تحقيق الحلم مرهون بالانتهاء من الدراسة؛ فاستجمع عزيمتك وإرادتك واصرف تفكيرك فيما تقوم به حتى تحقق مرادك.
وحتى تتمكن من صرف تفكيرك عنها: يفضل أن تبتعد عنها قدر المستطاع، وأن يكون الحديث بينكما في حدود الضروري واللازم. وستكون هذه الفترة فرصة لمراجعة اختيارك واستخارة المولى عز وجل، والتأكد من حقيقة مشاعرك نحوها، وكذلك التأكد من أنها اختيار العقل أيضا.
والأمر طبعا كان سيختلف تماما لو اتضح من كلامك أنك قادر على البدء في خطوات الارتباط، وأنك واثق تمام الثقة من مشاعرك نحوها ومقتنع تماما باختيارك؛ فأنا لست ضد الارتباط أثناء الدراسة لو تميز الطرفان بالقدرة على التعقل وضبط الأمور.
ابني الكريم: اسمح لي أن أناديك بهذا اللقب فقد اعتبرتك أحد طلبتي حتى لو لم تكن في نفس كلية الطب التي أعمل بها: أود أن أهمس في أذنك بأمر ما وهو أنك الآن في مرحلة البكالوريوس، وعندك الكثير مما يجب أن تتعلمه وتكتسبه من مهارات لتعينك على أن تكون الطبيب الماهر بصنعته.
إضافة إلى أن مجموع درجاتك -رغم قناعتي بما في نظام التقويم والامتحانات عندنا من خلل- يتحكم في كل حركة من حركات حياتك إذا كنت تريد أن تستمر في العمل كطبيب، فهذه الدرجات تحدد مكان عملك، وكذلك متى ستسجل للدراسات العليا، وماذا ستسجل؟ تلتصق بك درجاتك مثل اسمك وتاريخ ميلادك، ولا تفارقك إلا بعد أن تحصل على الشهادة الأعلى (الماجستير).
فلا تضيع جهد سنوات طويلة بسبب العواطف، واجعل لعقلك سلطانا على عواطفك، ويعينك في ذلك أن تلجأ إلى الله تسأله أن يمدك بالقوة والعون. وكلي ثقة في أن الله سبحانه لن يخذلك، وتجربتي الشخصية دائما تؤكد ذلك.
ومن ذلك أنني تعرضت لأزمة شديدة قبل امتحان الدكتوراه بعشرة أيام، ووجدتني أجلس أمام الكتب ولا أستطيع أن أركز في كلمة واحدة مما أقرأ، أحاول أن أتماسك ولكن لا أستطيع، وشعرت ساعتها أن جهد العام السابق قد ضاع، وأنني لن أستطيع دخول هذا الامتحان، شعرت بضعفي وعجزي والساعات الغالية تمر وأنا لا أنجز شيئا مما رتبت أن أنجزه.
فهرعت إلى مصدر القوة، سجدت بين يديه طويلا ودعوته أن يعينني وأن ينزل بي سكينة من عنده، وسبحان مغير الأحوال، شعرت بصفاء ذهن غير عادي وشعرت بسكينة وطمأنينة لم أعهدها من قبل ودخلت الامتحان ووفقني الله فيه أيما توفيق. فكن موصولا بالله دائما، وعندما تنهي دراستك سوف تتقدم لفتاتك -إن كان لك فيها خير- وسوف تسعدان معا بحياتكما. وتابعنا بالتطورات.
واقرأ أيضًا:
عندما يصلح الحب يصلح السلوك !
الحب.. محاولة للتعريف والتطبيق