السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاه أبلغ من العمر 22 عاما، وفي نهاية العام الدراسي الحالي أتخرج من كلية علمية عليا، ومن عائلة ملتزمة دينيا وأخلاقيا وذات علم والحمد لله، والبنت الوحيدة بالعائلة؛ لذا فقد حظيت بحب ورعاية ودلال الجميع، فقد كنت على قدر المسؤولية دائما، واحترام الجميع وعلى اختلاف المواقف كان الجميع من كبير وصغير يستشيرني في معظم الأمور، لما عرفت به من رجاحة عقلي رغم صغر سني علما بأني ذات جمال متوسط.
قبل ستة أشهر تمت خطبتي على طبيب يكبرني بعشر سنوات، وكان التعارف تقليديا عن طريق الأهل، ولم نكن نعرف عائلته ولا ظروف حياتهم من قبل، ولكن عندما تحدثت معه وبدأنا بالتعارف بهرني بقوة الشخصية والرزانة التي يتمتع بهما، ناهيك عن مستواه العلمي الذي يقاربني، فضلا عن وسامته ووضعهم المادي الممتاز كما سمعنا عنهم.
وبعدما جلست معه أكثر من مرة وأعطيت موافقتي المبدئية، قام أهلي بدورهم بالسؤال عنه، وعن أهله بشكل كبير، ولم يذكر أحد أي سوء عنهم، وكم سمعنا من القريبات القول الشائع في هذه المناسبات: "أمها داعيا لها بليلة القدر" . كل هذا جعلني لا أتردد بالقبول به بعد العديد من صلوات الاستخارة، وكم سمعت حينها من كلام يدل على حسد وغيرة المحيطين بي.
وباعتبارنا عائلة متدينة ومحافظة لم نطل فترة الخطبة، حيث تم "كتب الكتاب" خلال ثلاثة أسابيع. وبعد ذلك بقليل بدأت المشاكل بشكل خفيف تظهر بيننا حول مكان السكن، والمستحقات المالية، التي لم نعول كثيرا عليها، ومع مرور الوقت والزيارات العائلية بيننا، وجدت نفسي بعد كل زيارة أرجع ومعي حزن كبير، واكتئاب؛ لأنني بدأت أدرك الفرق الاجتماعي الكبير بين العائلتين، بغض النظر عن المستوى المادي الذي نفوقهم به بكثير فيه نحن أيضا، ولم نكن ندري بذلك، وتأكدنا أن ما سمعناه من الناس كان غير ذلك.
فعائلة خطيبي هذا تعيش في قرية، ونحن نعيش في مدينة، أرجو لمعذرة وأتمنى أن لا تسيئوا بي الظن جراء هذا الكلام؛ فانا لم أكن يوما أعتقد أن هذه الأمور مهمة، وأن ارتباطي بإنسان ستحدده هذه الأمور الطبقية السخيفة، لكني للأسف صدمت بهذا الواقع، الذي لم أستطع معه الاستمرار.
حاول مرات كثيرة لإصلاح الوضع، وبعد ثلاث مرات من تفكيري بالانفصال ومناقشة الأمر معه حسمت أمري وانفصلت عنه بالفعل، وبعد مضي أربعة أشهر الآن أشعر أنه خيار السليم.
ليست المشكلة فيما سبق وحكيته، لكنها تكمن في أنني في الجامعة تعرفت على شاب في نفس عمري، وكنا نتحدث مع بعضنا ضمن مجموعة طيلة ثلاث سنوات، وكنا نتحدث على الإنترنت في مواضيع عامه محترمة، لكن مع اهتمام منه تجاهي أكثر من بقية المجموعة، حيث كان بيننا الكثير من الأمور المشتركة، وهو صاحب دين وأخلاق كبيرين، كما أنه ذو عقل "واعي" ومتزن ويتخرج بعدي بعام، وبدأ إعجابي به يتزايد، وكنت أختبر الإعجاب لأول مرة، كنت في لحظات أعتقد أنني أحبه، ولحظات أخرى كنت أدري حقيقة مشاعري، واستمر الوضع هكذا لمدة طويلة.
في السنة الماضية قبل خطبتي بسنة ازدادت قوة علاقتي به، وأصبح حديثنا يوميا على الإنترنت شيئا لا أستغني عنه، حتى جاءتني فرص عدة للخطبة في فصل الصيف، وكنت أعاني "ضغط شديد " من أمي، لأن لا أسباب لدي للرفض، وحدث أن قابلت الشاب الذي تمت خطبتي عليه، وبشكل مبدئي أعجبني.
في هذه الأثناء كان "حبيبي" مسافرا، وعندما عاد أخبرته عن رأيه في الموضوع كصديق، فلم يبد لي أي اعتراض يومها، وقال لي: "يجب عليك دراسة الشاب جيدا، وأخلاقه ودرجة تدينه". وعندما وجدت أنه لن يقول لي شيئا مضيت في موضوع الخطبة.
ومع بداية خطبتي كان واضحا أنه تفاجئ بإقدامي على هذه الخطوة، وشعرت من تصرفاته وكلامه أنه فعلا يحبني، لكني حاولت ألا ألتفت لهذا الأمر ؛ خاصة أني خطبت فعلا، إلى أن حدثت المشاكل بيني وبين خطيبي وحدث الانفصال.
وأؤكد أنني في موضوع إنهاء الخطبة لم أضعه في حسباني على الإطلاق، وبعد ذلك عدنا للحديث سويا، لكن بوجود حواجز بيننا، وفي موضوعات عامة، غير أن هناك الكثير من الأقوال والتصرفات التي تدل على حبه لي، ورغم ذلك لا شيء مؤكد، فلا شيء يريحني إلا اعتراف واضح منه، ومع ذلك فمشاعري بالنسبة له واضحة جدا؛ فانا لا أحاول إخفاء مشاعري. وما يزيد من عذابي أنه وسيم جدا، وتلاحقه الكثير من المعجبات، وهو يتصرف معهم بشكل عادي دون أن يصدهم.
أنا الآن في حيرة شديدة من أمري؛ حيث أجد فيه الإنسان المناسب من كل النواحي، لكنه يماثلني بالسن، وغير جاهز مطلقا -أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي في عدم تصريحه لي بمشاعره ناحيتي- وأنا بعد تجربتي بالخطبة، لن أعاود الارتباط بإنسان غريب عني تماما، ولا أكن له المشاعر؛ لأنني خلال خطبتي تعذبت من شعور "أن حبيبي ليس هو خطيبي"، رغم أني كنت أحاول تجاهل الأمر في حينها. كما أني الآن، ومع حديثي الدائم معه أتعذب بعدم معرفتي لمشاعره تجاهي.
حاولت جديا الابتعاد عنه، وعدم الحديث معه، لكني فشلت فشلا ذريعا لوجوده الدائم حولي، ومن المستحيل أن أبدأ أنا بالحديث معه في أمر الارتباط مثلا؛ لأن كرامتي فوق كل شيء، وأنا أعرف أنه لا يجب أن تقوم الفتاه -أي فتاة- بهذا الإجراء، كما أنه شخص غامض، ولا أستطيع أن أستعين بأحد ليعرف ما بداخله. وأشعر أنه يلومني في داخله؛ لأني خطبت رغم علاقتنا القوية.
أعلم بأن قصتي معقدة من جميع النواحي، لكن أرجو منكم مساعدتي حتى وإن كان مجرد مواساة، فأنا أعلم ألا مخرج، والحمد لله على كل حال،
واعذروني للإطالة. جزاكم الله عني كل خير.
30/5/2025
رد المستشار
ابنتي الصغيرة..
"آه من قلوب البنات".. كلمة ستظل تتكرر كلما قابلنا فتاة عاقلة ناضجة يطيش حسن إدراكها للأمور؛ لأن قلبها طار في دنيا المشاعر بلا جناحين، ولا أقول لك إنك انفصلت عن خطيبك لأنك تريدين الارتباط بحبيبك، وأصدقك تماما حين تقولين بأن مشاعرك تجاه هذا الحبيب لا دخل لها باتخاذك قرار الانفصال، ولكن هذا كله يدخل في نطاق "عقلك الواعي" الذي يختلف كلية عن مناطق "اللاوعي" الذي تتراكم فيه الرغبات والأماني المكبوتة لديك، والتي منها العودة لحبيبك رغم اقتناعك بأن هذا الحبيب لا دخل له في قرار انفصالك عن خطيبك.
يا ابنتي.. بدون تحاليل نفسية، ولا تعقيدات فكرية أقول لك: هذا الحبيب ليس تائها، وليس متألما لأنك ارتبطت بغيره، إنه سعيد جدا بهذا الكم من المعجبات والمحبات من حوله، وليس لديه أي خطة حالية للارتباط، ولا يستطيع أي شخص أن يجزم حين يقرر أن يتزوج من سيختار.
لا أقول لك إنك أضعت فرصتك مع الطبيب الشاب، فكل شيء في النهاية "قسمة ونصيب"، لكني أقول لك: إنه شخص قد لا تجدي مثيله عقلا واتزانا وأخلاقا، شخص اتفق كل من حولك على أنه هدية السماء إليك، ومثل هذه النوعية من الرجال غير متوفرة بكثرة، ولا ألومك على ضيقك من الفارق الاجتماعي بين أهلك وأهل خطيبك، فأنت من ستتزوج ومن حقك أن تكوني متقبلة للعائلة التي ستنضمين إليها ومن كلامك واضح أنك لم تستطيعي التأقلم مع هذا الاختلاف.
ولكن اسمحي لي يا ابنتي بأن أقول لك رأيي باعتباري "أم، وجدة" من أجل المستقبل، لو كان الفرق الاجتماعي بهذه القوة التي تتحدثين عنها ما بهرك هذا الشاب من البداية، كنت بالتأكيد ستلمحين الاختلاف في مظهره، وأسلوب حديثه، فالتعليم وحده ليس كافيا ليخلق إنسانا مبهرا لمن هي مثلك، لديها حاسة مرهفة تجاه الفوارق الاجتماعية.
والآن أستطيع أن أقول لك: "إنك وافقت على شخص لا يعيبه أي عيب، ولا تشوب سمعته شائبة، ويتغنى الجميع بمحاسنه، واقتنع به عقلك، لكن قلبك ظل يبحث عن مخرج في الخفاء إلى أن وجده، وحدث الذي قرره القلب".
سامحيني يا ابنتي حين أقول لك أنت تحبين سرابا؛ فمن أدراك أنك الصديقة الوحيدة المقربة إلى من تقولين بأنه حبيبك، وأنت التي تشكو إليه ويستمع إليها وينصحها؟ أنت لا تملكين أي دليل على مشاعره تجاهك، وأقول لك إنه ليس لديه أي مشاعر تجاهك بالفعل، وما ترينه أنت من تصرفات ونظرات هي ترجمة عقلك الباطن، الذي يرغب بشدة في هذه العلاقة.
وإذا افترضنا جدلا أنه فوجئ بارتباطك فإن المفاجأة كانت غالبا لأنك أثبت في لحظة أنك لا تحبينه، وهذا ما فاجأه في لحظتها؛ لأن السؤال الذي وجهتيه إليه يعتبره أغلب الشباب مصيدة لجر الرجل إلى الارتباط وغالبا ما يكون السؤال كالتالي: "تقدم لي شاب صفاته كذا وكذا فما رأيك؟" المنطق يقول إنه لا رأي له، ولا دخل ولا صاع ولا درهم، لكن معنى السؤال معروف ومفهوم، وهو "يا هذا احذر، قد أطير من بين يديك، فإذا كنت تريدني فهذا وقت الإفصاح"، وقد فهم حبيبك السؤال، ولم يفصح بشيء لأنه ليس لديه ما يفصح عنه، ونصحك نصيحة عاقلة، كان من الممكن أن تحصلي عليها من أي شخص سائر في الطريق بقوله "تأكدي من خلقه ودينه".
وأنت انتظرت إجابته، ولو كان استجاب بأي طريقة لتغيرت القصة تماما.. فما الذي تغير لتظني الآن أنه يحبك وأنه يخفي مشاعره؟ لا شيء يا ابنتي، هو ليس غامض، بل شخص واضح وضوح الشمس، هو فراشة تنتقل بين الأزهار أو لنقل (دبور) حتى يكون مذكرا.
أما بخصوص قرارك بأنك لن ترتبطي بشخص لا تعرفينه، لأنك لا تريدين أن يكون حبيبك ليس هو خطيبك، فهذا بالنسبة إليك حاليا على الأقل في حكم المستحيل؛ لأن حبيبك لا يفكر مطلقا أن يكون خطيبك، أو خطيب أي واحدة أخرى.
توقفي مع نفسك يا ابنتي، وحاولي مع قلبك بالعقل، وإن كنت أعرف أني أطلب منك شيئا صعبا، إلا لمن لهن القدرة على ذلك، وأتمنى أن تكوني منهن.