السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم وفي كل مجهوداتكم لخدمة الإسلام والمسلمين وبعد،، أشعر أن مشكلتي مركبه نوعا ما، سأسردها لكم راجية من الله عز وجل أن يجعلكم سببا في تفريج كربي تخرجت من إحدى كليات القمة وكانت تملأني الحيوية وحب إثبات الذات ولأني لم أجد العمل الذي يرضي طموحاتي انتقلت إلى العاصمة وأقمت مع أختي وعملت في مكان مرموق
ومنذ أن كنت في الكلية وحتى فترة عملي تقدم لخطبتي الكثيرون، ولكني لم أكن أفكر في الارتباط حينها كان كل همي العمل وإثبات مكاني وما لبثت أن انتقلت مرة أخر لبلدتي في عمل مناسب في مشروع تابع لشركة أساس عملها القروض (ربا) ولكن المشروع نشاطه بعيد تماما عن عمل الشركة الأم، التقيت فيه بشاب فيه كل المميزات من حسن خلق ومستقبل مشرق وحسن مظهر وتمت خطبتنا وكانت هذه هي أسعد أوقات حياتي
إلى أن تم تحديد ميعاد الزفاف وبدأت تظهر بعض الأعراض المرضية على خطيبي واكتشفنا وجود مرض خبيث وبدأت سنوات العذاب تمسكت بالأمل ولم أفكر أو حتى يجول بخاطري لحظة أن أتركه إلى أن توفاه الله بعد قرابة السنتين والنصف، ثم بدأت أحوال المشروع في التدهور إلى أن تم دمجه في الشركة الأم وتم نقلي إلى الشركة الأم...
في بضع سنوات فقدت خلي ولن تتخيل أبدا - وأرجو من الله أن لاتتخيل - الألم الذي عانيت منه خلال فترة مرضه ووفاته وبعدها، وانتقلت إلى عمل أولا : حرام
ثانيا : زملاء العمل فيه يخشون من أن آخذ مكانهم ( مع أني لا أفكر في ذلك إطلاقا وحاولت بكافة الطرق إيصال هذه المعلومة لهم لكن لا فائدة، بالكلام المباشر وبإسوب العمل نفسه لكن دون جدوى )
ثالثا : لأنه نوعا ما يختلف عن عملي السابق في المشروع يحتاج مني جهد حتى أتقنه تماما، فأقول لنفسي أأتعلم العلم لأعصي به الله ؟! أنا فعلا أريد أن أترك هذا العمل، ولكن لا أستطيع فبجوار أزمة إيجاد العمل الطاحنة ولا يوجد عمل آخر في نفس المستوى أو حتى أقل فأصدقكم القول أني أشعر أني فقدت الحماس ورغم وجود الدافع القوي إلا أني لم أعد قادرة على بدء شيء جديد...
كذلك لا أستطيع أن أظل بدون عمل فمع وجود أبواي - حفظهم الله - ولكني أصبحت أعول نفسي ولا أتخيل أن أكون عبئا عليهم. ولا أتخيل وقع الأمر عليهم ( إن أنا تركت العمل ) فعلا أنا بين نارين بل قل ثلاثة!! أحب أن أكون مثل سيدنا محمد وسيدنا إبراهيم ولا ألتفت للمعيقات في طريق طاعة الله وترك المعصية ولا أستطيع أن أترك العمل ولا أستطيع أن أحسن من قدراتي في العمل.
لم أعد أستطيع التصرف في حياتي وأكثر ما يؤلمني نظرة الحزن الممزوجة بالعتاب في عين أمي وأنا أمامها على مشارف التاسعة والعشرين بدون زواج ... ولكن ماذا أفعل ولم يتقدم لي إنسان مناسب بعد خطيبي؟ أألقي بنفسي لأي طالب لمجرد الزواج؟!
مع العلم أن متطلباتي فقط الدين وحسن الخلق ومستقبل مشرق.
أعتذر عن الإطالة وأشكر لكم سعة صدركم
03/6/2025
رد المستشار
الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك وشكرا على ثقتك، وصفت مشكلتك بأنها مشكلةٌ مركبةٌ ولكنني لم أجد تركيبا أو تعقيدا كثيرا بها، وأستطيع من خلال سطورك الإليكترونية أن أتخيل بعضًا من ملامح شخصيتك فأنت جادة صبورة مثابرة دقيقة –ربما زيادة عن اللزوم- تميلين إلى إطالة التفكير والتأمل، وهذه كلها صفاتٌ حسنة لكنها تبدو في حالتك وظروفك الآن من بين أسباب حاجتك إلى معونة مختص بالإرشاد النفساني أو الطب النفساني، حسبما ستقررين أنت بنفسك بعد قراءة ردي هذا إن شاء الله.
أشعرتنا أنت أيضًا بوجود رابطٍ ما بين وفاة خطيبك رحمة الله عليه وما تعرضت له من معاناة على مدى فترةٍ أليمة من حياتك –بلغت السنتين والنصف- أعقبت ما وصفته بأنه كان أسعد فتراتها، أي أنها تمثل كربا وفترة عصيبة قد يكونُ لها ما يكونُ من تأثير على شخصية مثلك، ربطت بين ذلك وتدهور أحوال المشروع الذي كنت أثبت نجاحك فيه وكنت بعيدة أيضًا عن التعامل الربوي مباشر العلاقة بالشركة الأم، وتدهور المشوع وعدت إلى الشركة الأم التي تشعرين بحرج ديني تجاهها، أي انك خرجت من كرب طويل على مستوى المشاعر إلى كرب أليم على مستوى الأفكار والمشاعر الدينية، كان الله في عونك إذن وما أحسبك إلا ما تزالين قوية برغم كل ذلك والفضل لله ثم لتكوينك المتين.
وأتمنى أن تنتبهي إلى عدم وجود رابط بين عملك في الشركة –التي أساس عملها القروض الميسرة- وبين معاناة السعادة التي فقدتها في ظروف أليمة طويلة، ليس رابط خارج حدود ذاتك أنت وظروفك الشخصية، فما حدثَ ليس عقابا لك وإنما هو عارض يحدثُ لكثيرات واقرئي مثلا روح تقتل تبحث عن توأمها، م. وأيضًا: كيف أتعامل مع فقد الحبيب؟
والحقيقة أن المشكلة المركبة هي مشكلة مجتمعاتنا وهنا يمكنك أن تدخلي أزمة العمل الطاحنة وأزمة الشباب بلا زواج وأزمات المفاهيم وغيرها كثير، أقصدُ أنها مشكلة جيل بل والله أجيال، فلا تحملي وحدك الذنب ولكن احملي معول الإصرار والمثابرة على التغيير، واقرئي أيضًا لتعرفي أين موقفك من الوسوسة بموضوع حكم عملك وإحباطك فيما يتعلق بقولك كيف أتعلم العلم لأعصي به الله؟ مع أن القروض الميسرة فيها كلام وأنت تعيشين في بلدٍ تتعامل الدولة فيه بالربا فأين تذهبين؟ واقرئي في ذلك وسواس الغش وما يبنى عليه لتعرفي أنك بفضل الله أطيب حالا فاحمديه سبحانه.
لكنني لابد أن أشير أن عندك بعض الإشكال في مفهومك للتدين وأنت تتساءلين اليوم (أحب أن أكون مثل سيدنا محمد وسيدنا إبراهيم ولا ألتفت للمعيقات في طريق طاعة الله وترك المعصية ولا أستطيع أن أترك العمل ولا أستطيع أن أحسن من قدراتي في العمل.)، فمن ناحية تعتبرين العمل الوحيد المتاح معصية –رغم اختلاف الفقهاء فيه على حد علمي-، ومن ناحية أنت عاجزة عن تحسين قدراتك في العمل لأنك مكتئبة ربما إلى حد ما، وفي نفس الوقت تطلبين من نفسك ألا تلتفتي للمعيقات في طريقك ابتعادا عما اعتبرته معاصٍ كله وأنت مكتئبة، وتريدين أن تكوني مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومثل أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأنت مكتئبة أيضًا مع الأسف؟ أنصحك بالإكثار من الاستغفار والإصرار على تحسين قدراتك في العمل، جنبا إلى جنب مع العمل على الخروج من دائرة الصراع التي تعثرت فيها.
معنى كلامي أن كل ما يمكن أخذه من إفادتك من استنتاجات قد يصح بعضها هو أنك ولو كنت مكتئبة فإن اكتئابك خفيف إلى متوسط الشدة واقرئي عن درجات الاكتئاب: عسر المزاج، والاكتئاب، حتى أنني سأسمي هذا الرد: على هامش الاكتئاب الاكتئاب الخفيف ربما
إلا أنك في ظروفك الحياتية والضغوط التي تعيشين ما يشير إلى أنك ربما تحتاجين إلى إرشاد نفساني، وربما احتجت إلى معونة مباشرة من طبيب نفساني، وعليك بمجرد استعادة توازنك أن تفكري للمجموع قبل نفسك واعلمي أن بإمكاننا والحمد لله –خاصة أمثالك من الذين أثبتوا نجاحا عينيا في مجال العمل في مركزٍ مرموق، وأنا في انتظار متابعتك فلا تتأخري.