نصائح للمبتدئين: رغبة الممارسة وفنون التعامل (مشاركة)
حضرة الدكتور أحمد عبد الله حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله، لعلّي وجدت لي مجالاً للمشاركة ولو بالقليل من خلال استشارة "رحلة الخريج المرهقة" الذي يود أن تكون من خلال ممارسة المحاماة والنجاح بها. دفتر الأحوال المزمنة: متاعب خريج، ولأني قريب العهد من بدايات المحامي؛ فإنني أود أن أشاركه شيئًا مما خبرته خلال فترة مزاولتي لمهنة المحاماة، وما خبرته من عوامل النجاح والإخفاق.
أول الأمر يبدأ بالرغبة الحقيقية التي يجب أن تتوفر لدى المحامي للبدء في ممارسة المهنة؛ فلا يرتبط عمله بالمحاماة بفكرة أنها الفرصة الوحيدة المتاحة أمامه في الوقت الحاضر، ولو توفر له البديل عنها فسيتحول إليه، بل لا بد أن تكون رغبة محمومة في السير في هذا الطريق، وأن يوقن في نفسه بأن المحاماة مهنته، وأنه يوفر الحوافز التي تدفعه نحو تحقيق ذاته في هذه المهنة.
ومن ثم عليه أن يعلم أن طريق المحاماة طريق طويل، لا يأتي في يوم وليلة، بل لا بد من مكابدة الصعاب التي تواجه كل سالك في بدايات الطريق، وأن ينظر إلى الناجحين في هذه المهنة بنظرة المتعلم والمتابع والمتحفز، وأن يندفع نحو السير في ذات الطريق، بدلا من الوقوف في أول الطريق وتحديث النفس بعدم القدرة أو الجدوى.
فإن وجد في نفسه الرغبة الحقيقية، وتوفر له من الصبر ما يعينه على المتابعة؛ فإنني أؤكد له أنه سيجد ولا شك بشائر النجاح تلوح في الأفق.
وهنا عليه أن يبدأ بوضع الأساس القوي للمحامي الناجح، وألخص هنا بعضًا منها:
1. تعلم أصول المحاماة التقليدية وإتقانها، مثل كتابة اللوائح والمرافعات، وصياغة الاستشارات والعقود، ومراجعة المحاكم والمؤسسات ذات العلاقة، ومعرفة التفاصيل الدقيقة للإجراءات؛ فلا يمكن أن يتحقق النجاح للمحامي ما لم يدرك أساسيات مهنته. فحتى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان تحتاج للمحامي الذي يعلم مسار الإجراءات وأسسها القانونية؛ فلا يعقل مثلا أن يعد دراسة في مجال انتهاكات حقوق الدفاع وهو لم يقف يومًا أمام المحكمة ولا يعرف كيف تسير الإجراءات بها.
2. أن ينطلق في تعلم واكتساب الخبرات في العلوم القانونية الحديثة ذات التخصص الدقيق، مثل الملكية الفكرية وجرائم الحاسوب والتحكيم وعقود الصناعة والمقاولات والتجارة الدولية.... إلخ، وأن يجتهد في معرفة غيرها من التخصصات؛ فهذه مجالات جديدة أصبح للمحامي الشاب فرصة كبيرة لدخول معتركها والنجاح فيها.
3. تعلم أصول العلاقات وإدارتها، ولا بأس من قراءة بعض الكتب التي تساعد في بناء الشخصية وطرق التعامل مع الآخرين، وأن يوسع من آفاق العلاقات التي تربطه بالناس والمؤسسات؛ فلا يقصر نفسه على أسرته وأصدقائه فقط، بل عليه أن يسعى في التقاط أي فرصة توفر له معرفة الآخرين واكتساب ثقتهم.
4. تعلم فنون الإدارة، وأن يدرك أن كل عمل قانوني يحتاج إلى شقين: الأول معرفة في القانون، والثاني معرفة طرق إدارة العمل والوصول إلى النتيجة التي يرغب فيها.
5. تعلم مهارات فنية ومعرفية مساندة تساعده على النجاح في المهنة، مثل استخدام الكمبيوتر والطباعة واللغات، وفنون الخطابة والإلقاء والصياغة؛ فهذا ما يشجع المكاتب الكبيرة والناس بشكل عام على العمل معه.
6. المشاركة في الأعمال التطوعية والمؤسسات الخيرية وغير الحكومية من خلال تقديم المساعدة القانونية للمحتاجين؛ فلا يكون هاجس الدخل المادي هو الهاجس الوحيد الذي يسيطر عليه؛ فلا بد أن يزرع في نفسه أن المحاماة وإن كانت طريقا من طرق اكتساب العيش فإنها رسالة يمكن من خلالها تحقيق أهداف سامية.
7. تعلم أخلاق المهنة الصحيحة، والإصرار على خلق أساسي وهو الصدق، وأن ينزع من نفسه فكرة أن المحامي يمارس مهنته من خلال الكذب؛ فهي فكرة مغلوطة تودي بصاحبها إلى الفشل آجلا أو عاجلا؛ فاكتساب ثقة الموكلين والناس بشكل عام يقوم على أساس أن يكون المحامي صادقا معهم في استشارته ورأيه القانوني، وأن يؤكد لكل من يتعامل معه أن مهنته تقوم على أساس خبرته في التعامل مع القوانين ومعرفته العلمية لا من خلال الكذب أو اختلاق الوقائع المزيفة.
8. الحرص على أن يراعي حق الله في عمله؛ فلا يسعى في نصرة ظالم، ولا يطالب بما ليس هو حق، وأن يستشعر الحلال في عمله؛ فذاك والله ما يجعل البركة تظلل عمله، وسيرى أن الأبواب المقفلة تفتح أمامه بفضل الله وتوفيقه.
9. ألا يستكبر عن عمل معقول؛ فالقضايا الصغيرة وإن كانت ذات أتعاب قليلة فإنها هي نبع الخبرة، واكتساب الثقة، وهي فرصة للتعلم.
10.أن يتابع ويقرأ عن المحامين الناجحين، ومن سيرتهم سيتعلم كيف نجحوا، وأين كانت عثراتهم، وسيكون لديه الحافز دائما للوصول إلى ما وصلوا إليه.
11.أن يطور نفسه ويتابع ويقرأ؛ فلا يتوقف عن نقطة نجاح محدودة، بل هو طريق ممتد يجب أن يبقى في دائرة معرفة كافة تفاصيله وفنونه.
هذا ملخص بسيط لما يجب على كل محامٍ أن يتعلمه ويعمل به، وأن يجتهد كل واحد في تلمس أسباب النجاح.
أحببت أن أشارك زميلي هذه الخبرات التي تعلمتها،
وإنني على استعداد لأن أتواصل معه في هذه المسار ومع أي شخص آخر يرغب في تبادل الخبرات في ممارسة هذه المهنة.
12/8/2025
رد المستشار
عادة ما أجد نفسي مدينًا بالشكر لكل من يفتح بسؤاله الباب لنقاش نافع ومشاركات جادة، وأنا أشكر الأخ المحامي الشاب على ما فتحه سؤاله من أبواب للحوار، وله مني مزيد شكر؛ لأنه ذكرك بنا، وكنت عندكم في عمان منذ أسابيع، ولم أسعد بلقائك، ولم أحب أن أزعجك؛ فلعلك كنت مشغولاً بشيء أو آخر!
وكثيرًا ما أنطلق بتفكيري وأتحاور مع إخوتي وإخواني في فريق المستشارين، ونتناقش في مستقبل عمل صفحتنا، ونحن نطمح إلى امتداد لرسالة الصفحة لتصبح أكثر من مجرد سؤال وجواب على الإنترنت، وأنتم جميعًا شركاء في هذا الطموح والتفكير والاقتراحات، وأحلام اليوم حقائق الغد.
وقد يكون من الآفاق أن تنبثق من بين جماهير الصفحة مجموعات عمل وتطوير نوعي بحسب القضايا والاهتمامات، أو المهن والتخصصات؛ فتكون لدينا مجموعة قانونية تشمل العاملين في هذا الحقل والمهتمين به معرفة وثقافة، ومتابعة وممارسة، وقلت سلفًا: إن إيقاظ فكرة القانون واحترامه وترميم البنية التحتىة الخاصة به بشريًا ودراسيا وتدعيم الخبرات، ورعاية المبتدئين وبناء القدرات في كل المجالات... من أهم واجبات المرحلة، وشبكة الإنترنت تعد من الوسائط المناسبة جدًا لتبادل التجارب والتفاعل لتنمية الكفاءات في الميادين المختلفة.
شكرًا لك يا أخي الكريم؛ فقد أعدت إلى ذاكرتي سيرة المحامين العظماء الذين كانوا زعماء وقادة للأمة من أمثال "مصطفى كامل"، و"فتحي رضوان"، و"ممتاز نصار"؛ فكانوا قمة في الجهر بالحق، والثبات عليه، ومواجهة الفساد والاستبداد بصوره، ومعهم على نفس الدرب رجال القضاء من العز بن عبد السلام إلى "يحيى الرفاعي"، وما زال الأمل منعقدًا على من تدور حياته حول تحري العدل، وضبط الموازين، ونصرة المظلوم أن يكونوا خط الدفاع، وصوت الحرية، وسند الإنصاف في هذا الزمان الصعب، ولا أنسى أن الطبقة السياسية والنخبة الاجتماعية قد فسدت وتعفنت في بلد عريق مثل إيطاليا؛ فلم ينقذها سوى وقفة القضاة في محاكمات طالت أكبر الرؤوس وأسقطتها ولكن الومضة لم تستمر؛ لأن المعركة ليست قانونًا فقط، ولكنها لا تكون بغيره.
إن الجهل بالحقوق والواجبات والحريات والمسؤوليات سرطان، حين يستشري يفتك بعافية المجتمعات السليمة؛ فما بالنا والأمراض الاجتماعية المختلفة قد نالت من أنسجة أمتنا كلها؟!
إن الله سبحانه قد ربط الإنسان بالخسران إلا من تواصى بالحق، والقانون من أهم وسائل إثبات الحق ونصرته، ولم يعد مقبولاً أن تظل معرفتنا به وسيرتنا معه بكل هذا الإهمال والإفساد.
إن العلاج الذي نتطلع إليه ونتحرى المشاركة فيه يشمل المدخل القانوني، ولهذا الميدان رجاله المتخصصون، ونحب أن نحتضن تواصلهم ونباركهم وندعمهم، ولهذا الميدان أيضًا معارفه وثقافته، ونحب أن نكون على صلة بها ودراية معقولة بدروبها ومعالمها حتى نشارك في أن تكون كلمة الله هي العليا، والله يأمر بالعدل، وهو نفس هدف القانون.
إن نصائحك يا أخي تصلح لكل بادئ في مهنة إنسانية اجتماعية؛ فهي نافعة للطبيب والمدرس والإعلامي والداعية، كما هي مفيدة للمحامي والقاضي، وحتى التاجر والصانع.... أشكرك على مشاركتك، وفي انتظار المزيد من الاقتراحات للتطوير والتواصل.