أنا شاب جامعي ولي أكثر من مجموعة من الأصدقاء (شلة)، عندما أكون بينهم أشعر وكأني مراقب ومقيد الحرية، بمعنى أنه إذا أردت الخروج مع مجموعة منهم يجب عليَّ الحصول على موافقة المجموعة الأخرى حتى لا يغضبوا مني ويتهموني بأني تنازلت عن صداقتهم، وبنفس الكيفية لا أستطيع أن أبقى مع مجموعة منهم دون إذن الأخرى.
دائما أجد نفسي مطالبًا باستئذان أصدقائي قبل الإقدام على أي عمل حتى لو كان اللعب أو حتى التقديم في دورة كمبيوتر أو لغة، حتى عندما أذهب للجامعة يجب عليَّ إبلاغهم وسؤالهم إن كانوا يريدون الذهاب معي أو لا، كما أشعر دائمًا أنهم يراقبونني وأمشي وأنا أتلفت حولي، كما ينتابني إحساس بأني لو تصرفت أي تصرف أو تحدثت في أي موضوع فسيسخرون مني، ويعلقون عليَّ بشكل سلبي.
أحيانًا أفسر مشاعري هذه برغبتي في عدم إغضاب أحد، ولأنها أصبحت رغبة مبالغًا فيها، على الرغم أني لا أجد نفس الرغبة عند أصدقائي.
سأضرب لكم مثالا، إن حدث واتفقت مع أحد الأصدقاء على انتظاره في مكان ما ولم يحضر في الموعد، يمر الأمر بشكل عادي دون أن يعتذر أو حتى دون أن أعطي نفسي فرصة لأغضب منه، أما إن تخلفت أنا عن الموعد ينتابني شعور خانق بالذنب لأني أغضبته، حتى أني لا أستطيع النوم، وأبقى لفترة طويلة ألوم نفسي.. حتى الإحساس دفعني للشعور بأني أصبحت "دلدول" لهم ولست صديقا.
وبنفس الكيفية إذا قال أحدهم كلمة يمكن أن تغضبني أشعر أنه لا يكترث ولا يهتم، لكني أنتبه جدا لكل كلمة تخرج من فمي حتى لا تغضب أحدا.. بدأت أشعر أن أصدقائي لا يعبئون بي ولا بمشاعري، بل ويعطون نفسهم الحق في التحكم في، وكان من نتيجة ذلك أني لم أعد أثق في نفسي مطلقًا، وفي نفس الوقت أشعر أن ثقتهم في أنفسهم تزداد ثباتا ورسوخا.
هناك مشكلة أخرى هي أنه لو تخاصم اثنان من أصدقائي أجد نفسي لا أعرف أتحدث مع من فيهما، وأخاف أن أتحدث مع أحدهما فيغضب الآخر.. أنا أرى الناس من حولي أقوياء الشخصية أولا يهتمون بغضبي ولا تعليقات أصحابهم...
لكن فكرة أني لا أحب أن أغضب أحدا تحولت عندي لخوف من الاعتراض على رأي أحد أو أقول لا لأي من أصدقائي، أو حتى أصنع ما يرضيني، بل المهم أني أفعل ما يرضي من حولي حتى وإن كان ذلك على حسابي.
رغم ذلك يهمني أن تعرفوا أن أصحابي يحبونني فعلا، وهذا الشيء ربما يدفعني أن أفكر بهذا الشكل.. لكن أيضا أحس أنهم يحبونني؛ لأني أسمع كلامهم في كل حاجة، وأخاف أن أعمل حاجة تغضبهم مني، وهذا يجعلني دائمًا أخاف من عمل أي حاجة تغضبهم مني ويتفقون عليَّ ويقاطعونني.
فكرت كثيرًا أن أعمل ما أريد دون الخوف من إغضاب من حولي "واللي يضايق يخبط رأسه في الحيط"، لكن هذا الموضوع سيجعل الناس يكرهونني، أنا حقا أحس أني أعيش في حلقة ضيقة جدا، لا أستطيع عمل أي حاجة براحتي، كل حاجة أريد عملها لا بد أن تكون بدون علمهم.
وأخيرا بعد كل هذه الفضفضة سأخبركم بإحساس يلخص كل ما أشعر به وهو أني أشعر بارتياح شديد وانطلاق عندما يسافر أو يغيب عني أحد من أصدقائي،
كأني كنت في سجن وخرجت، وأشعر أني دخلت السجن مرة أخرى لو عاد... وهكذا.
27/8/2025
رد المستشار
من وسط زحام الأسرى وجدتك أسيرا غريبا يا ولدي، والأسرى كثر!!؛ فهذا أسير "حرب" وهذا أسير "لذة"، وذاك أسير "موقف"، أما أنت فأسير فكرة!. فأجدك تكبل نفسك بقيود هذه الفكرة قيدا من بعد قيد، ثم تقول لا تفكوني أرجوكم، ولكنني لن أفعل وسأحدثك من وراء جدار أسرك السميك لعلك تسمع وتعي فتعال نراك معا يا أحمد.
هل لاحظت كم مرة قلت "أشعر" أو "شعرت"؟ فأنت تشعر أنه مفروض عليك الرجوع إليهم في شئونك.. تشعر أنهم يراقبونك... تشعر أنهم سيغضبون.. تشعر أنهم سيتفقون عليك حتى عندما يغادر أحدهم "تشعر" أنك سعيد! فأين الدليل على ما تشعر به؟ سؤال مهم أقدمه لك فلا تترك إجابته.
وقد أسرد عليك سلسلة من الوعظ حول الثقة بالنفس -ولكني سأترك لمحررة الصفحة وضع روابط تتعلق بها في نهاية حديثي لك- أو سلسلة من الاتهامات يشير بعضها لنشأتك التي غيبتها في حديثك ويشير البعض لصفات تحملها بداخلك ولكنني لا أتصور أنها النقطة الأهـم -رغم أنها مهمة بل ومهمة للغاية- ولكن الأهم هو تأكيدك لذاتك أي قدرتك على التحرر من سيطرة الآخر وسلطته عليك لتقول "لا" ولو كانت سلطته وهمًّا يسكن بداخلك أنت فقط!!.
وستظل نقطة انطلاقك هي حين ترى نفسك بوضوح دون إزعاج مزيف من أفكارك أو حتى من تصرفات الآخرين ودون استهتار تضيع معه الحقائق أو تهون به صفات تحتاج للتهذيب بداخلك؛ فحينها ستعرف ما تهواه وما لا تهواه وتبدأ في تحسس طريقك للتعبير عن نفسك، وهنا عليك تبني مدرسة "الوسط"؛ فلا تعبر عما تريد دون أخذ في الاعتبار مشاعر وقيمة من حولك، ولا تكتم التعبير بداخلك فتقعد حبيس كمدك وهمك لما أضعت من فرص التعبير عن رغباتك المشروعة.
ولتتذكر معا أنه:
. ليس المهم أن ننصح من نريد بما يجب عليهم فعله، ولكن يبقى الأهم كيف ننصحه.
. ليس المهم أن يكون لدينا أصدقاء كثر، ولكن يبقى الأهم أن نجد أنفسنا معهم وإن كانوا قليلا.
. ليس المهم أن نخاف خدش مشاعر الآخرين، ولكن يبقى الأهم ألا نخدش مشاعرنا فهي غالية.
. ليس المهم أن نعبر عن رأينا ولكن يبقى الأهم كيف نعبر عنه دون خسارة دون تهور.
. ليس المهم أن نخطئ، ولكن يبقى الأهم أن نتدارك الخطأ ولو بعد حين؛ فالوقت دوما مناسب.
. ليس المهم أن نكون أحرارًا فيما سنأكل، ولكن يبقى الأهم أن نكون أحرار التصرف ما دمنا داخل مساحة الحلال والصحيح.
. ليس المهم التغيير، ولكن يبقى الأهم أن نبدأ في تنفيذ هذا التغيير.
. ليس المهم أن نحب، ولكن يبقى الأهم أن يحبنا الآخر كما نحن.
يبقى لك لدي أمران:
الأول: أن تدرك أن ما أنت عليه الآن أخذ وقتا ليحدث وعليه تشكلت علاقتك بأصدقائك، والتغيير كذلك سيأخذ وقتا ليس قصيرا، فقط تحتاج أن تدير دفته بهدوء لتحقق ذاتك فلا تتعجل النتيجة؛ فهل ستصبر؟.
الثاني: هناك برامج نطلق عليها "برامج توكيد الذات" يمكنك الالتحاق بها، ولكن لن تؤتي ثمارها ولن تؤثر فيك إلا إذا عزمت التغيير وبدأت ممارسته.
جميل أن تساعد الآخرين.. جميل أن تكون واحة راحة لهم.. جميل أن تحافظ على مشاعرهم، لكن الأجمل أن تفعل ذلك بعزة نفس وعن إرادة بحق؛ فلا يكون الثمن نظرة دونية لنفسك كما قلت "دلدول".
عد مرة أخرى لقراءة الإجابة وابحث بين كلماتها فستجد الحل عندك بين يديك؛ فهيا لا تتأخر أكثر من ذلك يا "أحمد"، تُرى هل ستفعل؟!.
واقرأ أيضًا:
الصداقة والأصدقاء
من آداب الصداقة
تحتاج الصداقة للتواضع وأداء الواجب