السلام عليكم ورحمة الله
أستاذي الفاضل الكريم الدكتور/ أحمد عبد الله.
تقريبا في كل المقالات الخاصة بالزواج الثاني أرى سيادتكم توضحون أهمية المصارحة في الدوافع الخاصة بالرجل من حيث الإقدام عليه من أجل إفراغ الشهوة، وأيضا تطلبون من الزوجة أن توضح حرصها على الاحتفاظ بزوجها، وهذا شيء محمود، ولكني لاحظت أنك ترفض أن يكون الزواج الثاني حلا لمشكلة العنوسة، أو مشاكل الأرامل والمطلقات.
وسؤالي: ما الحل في زيادة عدد النساء اللاتي في سن الزواج عن عدد الرجال؟ كل الإحصائيات تؤكد هذه الزيادة، وإن اختلفت في أرقامه، وأرى أنه لو كان التشريع الإسلامي يخلو من التعدد لكان ناقصا؛ لأن الله عز وجل يعلم أنه سيأتي ذلك اليوم وسيكون عدد الرجال أقل؛ لذا أدعو سيادتكم إلى الآتي:
1- التراجع عن أن التعدد لا يحل مشكلة العنوسة.
2- بدء حملة واعية منظمة تهدف إلى تغيير رؤية المجتمع العربي والإسلامي لتشريع التعدد، ومن ثم محاولة حل بعض المشاكل الاجتماعية كالعنوسة ومشاكل الأرامل والمطلقات.
أنتظر ردك الوافي
وشكرا لك أستاذي الكريم
18/9/2025
رد المستشار
أهلا بك يا أخي الكريم، وشكرا لمتابعتك واهتمامك، وشكرا لإعطائي هذه الفرصة للحديث مجددا حول قضايانا الاجتماعية.
ومن موافقات القدر وتصاريفه أننا منذ أيام كنا قد عقدنا ندوة في مركز ثقافي مستقل على ضفاف نيل القاهرة، وفي ليلة من لياليه الساخنة والساحرة في آن واحد، وتمنينا أن تكونوا جميعا معنا لنشترك في النقاش، عسى أن يفتح الله علينا بالفهم السليم، والتغيير إلى الأفضل، وكنا نتحدث عن بعض الأنكحة المستحدثة كما تسميها فتوى المجمع الفقهي بمكة المكرمة في الفتوى الصادرة عنه مؤخرا بشأنها.تناولت الفتوى ما صار الناس يطلقون عليه "زواج المسيار"، وكذلك ما أطلق عليه البعض "زواج فريند"، ولم تر الفتوى بأسا في هذا ولا ذاك، وإن كانت قد خلصت أيضا أنهما بخلاف الأولى، وعرضت لنوعين آخرين من الزواج رأت فيهما الحرمة، وأشارت إلى هذا بوضوح وتفصيل.
وأحيلك إلى نص الفتوى فأنا معجب باللغة الفقهية، والعقلية الأصولية، وطريقة التفكير المنطقي التي حفظت لنا الدين عبر القرون، ولكنها تبدو مندثرة في أوساط المسلمين، أعني اللغة المنضبطة، والعقلية المركبة المتعمقة الناقدة، والتفكير المستقيم السليم المنهجي. فهذه الأشياء صارت في مجتمعاتنا مثل الغول والعنقاء والخل الوفي، وهي المستحيلات الثلاث التي يعنيها ضمنا من يشير إلى شيء بوصفه من رابع المستحيلات.أقول: إن غياب المنطق والضبط والنقد، بل غياب مجرد إعمال العقل صار جزءا من حياتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
ومناسبة كلامي في هذا أنني أريد توضيح شيء غاب عنك وعن كثيرين، فحين عرضنا من قبل لمسألة الزواج الثاني كنا نجيب عن تلك المشكلة، أو نتعرض لجزئية معينة في حالة معينة أرى أنها غائبة عن تفكير صاحب الشكوى أو الحالة التي أرد عليها، وقلت قبل ذلك إن من يريد أن يتجاوز الأجزاء إلى الكل يحتاج إلى قراءة كل ما كتبته في الموضوع، فتتكامل زوايا النظر، ويرى الصورة أقرب إلى التعبير عن أغلب التفاصيل، ولا أحسبك فعلت هذا بالضبط، ولا أظنك ستفعل!!.
وهذه مشكلة خطيرة في طريقة ظهور آرائنا على شكل سؤال وجواب، أو قل خطورة استخلاص رأي أو فقه من قراءة مجموعة "فتاوى" أو ردود على حالات بعينها؛ لأن التجريد يحتاج إلى أكثر من مجرد القراءة، وهذه بديهية غائبة، ونقص كبير في عملنا يحتاج إلى تسديد لا نستطيعه حاليا، وإن كنا نرحب بأية مقترحات أو جهود في سبيل إنجازه جزئيا أو كليا وبوضوح واختصار.
وردا على ما تذكره في رسالتك أقول:
- أعتقد وقلت مرارا أن التعدد ليس هو "الحل" لمشكلة العنوسة، ولكنه طبعا أحد الطرق التي يمكن أو ينبغي أن تساهم في التخفيف من وطأة المشكلة وانتشارها المفزع. إذن التعدد ليس هو "الحل"، ولكنه يمكن أن يكون "حلا" ضمن منظومة متكاملة، فهل أنا محتاج هنا إلى شرح الفارق بين النكرة والمعرفة في اللغة العربية؟!.- رفض المجتمع أو تحفظه تجاه التعدد هو فرع عن أصل البلاء، وجذر أو جذور الشقاء، وهي كما أسلفت بعضها، تكمن في غياب العقل والمنطق، والفقه والمنهج، والتفكير السليم، واللغة المنضبطة، ولن أمل من تكرار هذه الآفات أو التنبيه إليها لنعرف أصول المرض أكثر مما ننشغل غالبا بمعالجة هذا العرض أو ذاك من أعراضه!! وفي شأن الزواج وقضاء الوطر وإدارة العلاقات بين الرجال والنساء، فإن التحفظ بشأن التعدد يأتي مجرد نتيجة فرعية، وغيرها كثير ولديك مثلا، وأيضا رفض أي شكل من أشكال الزواج غير الشكل التقليدي المتعارف عليه، والذي صار صعبا أو لنقل غير متاح للكثيرين بدليل تأخر سن الزواج، وتلك الكتل بالملايين من الشباب والفتيات، الرجال والنساء بلا زواج!!.
- قولك أو اعتقاداك أن إطلاق حملة لتغيير رؤية المجتمع العربي والإسلامي، أو بالأحرى موقفه من التعدد، هذه الدعوة مشكورة، لكنها أيضا تتعامل مع الثمرة، وليس مع جذور الشجرة التي تنتج ثمارا كثيرة فاسدة تنغص علينا حياتنا، وأحسب أن علاج الأعراض أو اصطياد ثمرة فاسدة هو منهاج قاصر، وإن كانت هناك جهود بالفعل قد قامت لتنجز ما تشير إليه في رسالتك، وحاولت الاتصال بالجمعية المعنية بالتشجيع على تعدد الزوجات في مصر لأقف منهم على نتائج وخبرة عملهم، وفشلت في الوصول إليهم.
- أخي.. لا نجاة لنا إلا بثورة ثقافية معرفية إدراكية تصل بنا إلى فهم مقاصد ديننا، ومعرفة تحديات واقعنا وعصرنا. وفي الأثر: "العاقل من عرف زمانه فاستقامت طريقته"، ونحن لا في الدنيا نفقه بعمق، ولا في الدين أيضا!!.
وما دام هذا هو تكويننا الهش فأبشر بدوام التخلف وتراكم المشكلات في المجتمع والاقتصاد والسياسية وغيرها، إن فساد الدنيا والدين هو ما نعيش، واستنفار واستثمار الجهود إنما ينبغي أن يدرك حقيقة الداء حتى لا نبدد الوقت والجهد في معارك بخلاف الأولى.
- قامت في ألمانيا منذ عقود حركة أسمت نفسها "الخضر" نسبة إلى البيئة النظيفة التي كانت اهتمامهم الأول، ومجال عملهم ودعوتهم، ثم مع الجدية في العمل، والنضج في الممارسة وجدوا أن البيئة النظيفة هي نتاج لمنظومة متكاملة في التفكير والتعليم، وسياسات محددة في الإنفاق والتصنيع والتنمية ونمط الحياة فأصبحت حركتهم عامة تطرح رؤى في كافة قضايا الحياة والمجتمع، فهل تعتقد أن البدء من جزء، مثل التعدد، يمكن أن ينطلق بنا مثلهم إلى استكشاف الجذور، وبقية أجزاء الصورة، والتعامل مع بقية الأمراض والعلل ونواحي القصور؟!.
- أرجو أن تتأمل معي في أسباب غياب ثقافة التعدد؛ بل كيف ننظر إليه على أنه متعة زائدة للرجل، وظلم للمرأة، أقصد الزوجة الأولى.
انظر أرجوك إلى النظر في مسألة الجنس نفسها على أنها متعة للرجل، ومجرد واجب من المرأة لإشباع رغبات الذكورة فيه، وتأمل في النظرة الظالمة للموضوع برمته، فهل تدعوني إلى إطلاق حملة دعائية أم القيام بثورة ثقافية واجتماعية وسلوكية؟ ليس عندي أي مانع بشأن مسألة الثورة هذه، فلا أرى أملا لنا في نهضة إلا بها، ولكنني لن أقوم بها وحدي يا سيدي، فمن يسبح ضد التيار معي؟واقرأ أيضًا:
الزواج الثاني.. فستذكرون ما أقول لكم!
بهدوء.. الزواج الثاني.. وحوار ساخن
الزواج الثاني.. احتواء الغيرة وتحمل الحرمان!
الزواج الثاني بين الفتن والرفض