العائدون من الخليج: عودٌ على بدء مشاركة
العائدون من الخليج
أشكر كل من ساهم في إنجاح هذا الموقع الرائع الذي ساعدني كثيرا في تصحيح الكثير من مفاهيمي لكن بعضها أو (ما تعجبت منه صراحة) كلمة قالها الدكتور الفاضل هي..(نعم مطلب ضروري!!) هل هو مطلب ضروري حقا؟ أم أنه خطا في مفهومي في العلاقة بين الجنسين؟ أم أن ثقافة الذئاب البشرية التي أقرأها في بعض القصص أم ماذا؟ أم أنى فاهمة غلط.. بمعنى أن ثقتي لا يمكن تزيد إلا بهذه الطريقة؟
ولدي سؤال آخر.. كيف يكون الاختلاط بضوابط (هو أصلا اسمه اختلاط كيف يكون منضبط؟قد تثق في ابنتك لكن لا تستطيع الوثوق في ابن الجيران) قد لا يكون مخطئا من قال أن بعض الناس يحرفون الكلم عن موضعه ويظلمون به من يشاءون من خلق الله
لكن يا أخي العزيز ألا تري معي وأنت طبيب نفسي مثلا من الذي يغش سهل عليه أنه يخدع ومن يخدع.. يكذب وبعدها يسرق.. الخ لذلك سميت خطوات الشيطان وطبق على ذلك كل مثال تراه
لا أتخيل يوما أن أقول لأختي اذهبي وصادقي من تشائين كي تكوني واعية ناجحة وواثقة من نفسكّّ ويكون مطلب ضروري إلى هذا الحد!!
هل يعتبر هذا خللا في نظرتنا للأمور.. أم أننا نعتبر أصحاب العقول المتحجرة التي لا تقبل أن تغيير ذاتا أو مجتمعها،
اعذروني عن ما بدر مني وشكرا
8/9/2005
رد المستشار
الأخت الكريمة.. السلام عليك ورحمة الله وبركاته..
استفزتك عبارة (مطلب ضروري),, وأفهم ذلك تماما إذا نظرت للأمر من الزاوية التي نظرت إليها إذ مقتضى مثل هذه العبارة فتح أبواب الجحيم بالنسبة للعقلاء في مجتمع محافظ إذا أريد تطبيق هذا المطلب الضروري دون تبصر ودراسة وتهيئة.. لكن ألا ترين أن مقدمات التهيئة قد حصلت فعلا، بل قسرا إن أردت الدقة، ثورة الاتصالات وما استتبعها من اتساع القنوات الباطنة للتواصل بين الجنسين من جهة والفضائيات بغثها وسمينها من جهة، ثم اتساع مجالات عمل المرأة في بلادنا في مجالات لابد فيها من التقاء بالرجال لأجل سير العمل.
والسؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه المستجدات هو:
هل تبقى نظرتنا لأحكام الدين في العلاقة بين الجنسين جامدة على النهج الذي يرى التشديد والتضييق درءا للفتنة باعتبار أن هذا النهج هو الحق ولا حق سواه؟
وما نتيجة ذلك حينها؟ لا أرى النتيجة إلا انفصاما بين الدين وحياة الناس فما عاد هذا الاجتهاد الفقهي الذي تشربوا أنه حكم الدين الأوحد يلائم حياتهم.
أم قبول الرؤية الفقهية المقابلة والتي تستند إلى النصوص المتكاثرة من الكتاب والسنة الصحيحة واجتهاد العلماء الثقات والتي تبيح التواصل المنضبط بضوابط هي مسؤولية الرجل كما المرأة من تحريم الخلوة: وضابطها أن يكون الرجل والمرأة في مكان يأمنان فيه من أن يطلع عليهما أحد من الناس، ووجوب غض البصر عن النظر بشهوة، وتحريم اللباس أو التعطر الذي يقصد به أي من الطرفين الإغواء والتبرج، مع الالتزام بستر الجسد كاملا في حق المرأة عدا ما اختلف في وجوب ستره من الوجه والكفين والقدمين، والالتزام بطيب القول بعيدا عن الخضوع أو الخوض في فاسد الكلام.
هل تراني استوفيت الضوابط؟ هذا ما يحضرني منها الآن.. ولست هنا بصدد الاستدلال على سند هذه الرؤية الفقهية، لكن يكفي أن أشير أن السنة التقريرية قد أفادت أن مجتمع المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الرجال والنساء يتشاركون فيه في المجالات العامة العملية والاجتماعية والسياسية والعلمية، والنصوص في صحيحي البخاري ومسلم كثيرة، وكلام الأئمة عن جواز ذلك مثبت في أمهات الكتب. وحسبي أن أدلك على كتاب: تحرير المرأة في عصر الرسالة للشيخ الدكتور عبد الحليم أبو شقة فقد جمع من الأدلة ما تطيب به النفس، ويطمئن به القلب رحمه الله رحمة الأبرار.
أما ثقافة الذئاب البشرية التي تحدثت عنها، فهي جزء من ثقافة أراها كتضخم مرضي لفقه سد الذريعة في مسألة العلاقة بين الجنسين، وأقول أنه للأسف انقلب سد الذريعة إلى الفساد سبيلا إليه، فها نحن نرى شبابنا أو كثير منهم يفتقدون التوازن في موضوع التواصل مع الجنس الآخر..
قبل ساعات من كتابة هذه الأسطر كنت في الحرم المكي الشريف ولفت انتباهي أن بعض المشايخ يؤكدون على ستر وجه المرأة سمعت أحدهم يقول: الوجه عورة.. الوجه عورة.. لكن لم أسمع أحدا منهم يؤكد على وجوب غض البصر على الرجل مع أن الفتنة التي يراد أن تدرأ إنما هي بسببه وناشئة منه غالبا، ورحم الله القاضي عياض الذي أباح كشف الوجه حتى في حال الفتنة، إذ يؤمر الرجل في هذه الحال بغض البصر (والفتنة هي الشهوة الداعية إلى الفاحشة أو مقدماتها)، لم يوجب القاضي عياض على المرأة تغطية وجهها في هذه الحال ولعله استند إلى حديث الخثعمية لما طفق الفضل ينظر إليها في حجة الوداع فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل عنها ولم يأمرها بتغطية وجهها.
هل تراني ابتعدت عن صلب القضية؟ لا .. فأنا معك أقلب النظر في وجهة فقهية مختلفة عن تلك التي نشأنا عليها، وبقي أن أقول لك ثلاث نقاط مهمة:
- قولك: كيف يكون اختلاط ويكون منضبطا، ناتج عن الرؤية الفقهية التي تصدرين عنها، وإذا قرأت سطوري السابقة بتمعن عرفت أن سؤالك لا يصح أصلا، لأنه وفقا للرؤية الفقهية التي تحدثت عنها كان هناك (اختلاط) وكان منضبطا في عهد النبوة.
- الاختلاف في فهم النصوص يسع الجميع، وعدم قبول هذا الاختلاف مناقض لسعة الدين ومناسبته لاختلاف أحوال الناس، واستيعابه للحوادث المتجددة، ولولا أن الله عز وجل أراد أن يختلف الناس في فهم النصوص لما جعلها محتملة للاختلاف وأنزلها كلها قطعية. فهل يسعك إلا قبول كافة الاجتهادات وإن كانت صادمة للفقه الأحادي الذي يشيع في مجتمعنا.
- أن القول بإباحة التواصل المنضبط بين الجنسين هو قول معتبر كما ذكرت سابقا، فالحديث عن ثقافة الذئاب البشرية أو خطوات الشيطان يكون اتهاما بلا بينة وسوء ظن وهما محرمان بنصوص لا اختلاف فيها.
وختاما: فإن دكتور وائل قد أحال إلي مشاركتك بطلب من الدكتور أحمد، فلما تأخرت أعادها للدكتور أحمد/ فأجاب عنها بجواب رأيته شافيا، وما كنت لأكتب معقبة لولا أن د.أحمد طلب مني ذلك، وما كنت لأخالف أمر أستاذي. فأسال الله أن ينفعنا جميعا بهذه السطور، واعذريني إن لمست في كلامي حدة فهي والله حرقة على الدين وما ألبسه من جمود مناقض لسعته وعمقه وشموليته، ولا أعنيك بها تحديدا بل أناقش الفكر الذي تغلغل في مجتمعنا وصور على أنه الحق وحده وما سواه باطل. والله المستعان.
واقرأ أيضًا:
عائدة من الخليج: العادي والمتوقع والمنتشر
العائدون من الخليج: عبور الفجوات مشاركة
العائدون من الخليج : الملف الساخن يتجدد
العائدون من الخليج: الملف الساخن مشاركة
أبناء الصمت والقسوة : لا تنسوا أسرانا