الحلم سيد الأخلاق..!
السلام عليكم....
أتفهم مشاعر سناء ومحاولتها الجادة في التحكم بعواطفها وإحساسها نحو الآخرين ومن بينهم المقربين وأيضا أتفق تماما مع رد العزيزة لمى في حكمتها ونصيحتها الصادقة، أنا مثلك يا سناء صدمت كثيرا بالناس وخاب ظني بمن كنت أحسب بأنهم مصدر راحتي وكانت النتيجة مؤلمة ومحبطة للغاية، ولكن الوحدة صعبة ولا نستطيع أن نطيقها لأنها ضد سنة الحياة التي وضعها الله سبحانه وتعالى لنا لنعيش ونتعارف بيننا.
أعترف يا لمى بأن الحل بالتحلم والتصبر على أذى الناس وطباعهم وأن الأنس الحقيقي لا يكون إلا مع الله ومن لا يجد الراحة عنده خالقه لن يجدها عند مخلوق، أقر بكل ذلك وأؤمن به ولكن قولي لي يا لمى، كيف نستطيع تحقيقه إذا كان من أغلب من حولك جاهلا، سطحيا لا يهمه إلا سفاسف الأمور. تحاولين أن تكوني شمعة تنير ظلمتهم فتحترقين بنار غيرتهم وكبريائهم وإصرارهم على تلك الطباع.
كيف إذا كان من تحاولين التحلم معه والتصبر على أذاه يثير الغل والألم في صدرك مهما حاولت، فتشعرين بأنك دوما في محاكمة تحاولين الدفاع عن دينك ومفاهيم أساسية في الحياة ولا أقول تدافعين عن نفسك فالأمر أكبر من ذلك.
كيف إذا كان من حولك ماديا لا يهمه غير الاستهلاك والتباهي والتفاخر وجوفه فارغا ومنطقه معدما وينظر إليك بشفقه وبغض واستعلاء لأنك قررت التعالي على تلك المتاع واتبعت منهج الله في الاعتدال والوسطية وحب العلم والثقافة والعمل بجهد لإثبات ذاتك وتحقيق طموحك فيما أمر به الله وأيضا للابتعاد عن ذلك المجتمع الفارغ بكل قيمه وأعماله، والمصيبة الأكبر كيف إذا لم يستطع أن يفهمك أقرب الناس إليك فيكونون معك وهم ابعد الناس عنك.
تعرفين يا لمى عندما عرفت الله سبحانه وتعالى وأحببته وأحببت طريقه, أخذت عهدا على نفسي من يومها أن أغير طباعي وأخلاقي لما يحبه ولكني اصطدمت بالناس كثيرا فهم لا يريدون من يتكلم بالله ورسوله ولا يحبون الجدية والعمل، فإذا وفقك الله وكنت ناجحة بعملك، معتزة بأيمانك، تحاولين أن تبلغي صفات الكمال في أخلاقك وعملك، احتقروك وحاولوا التصغير من شأنك وهجروك وتجاهلوك فهل أبقى أتحلم وأتصبر وأعفو وأسامح.
فإذا تمنيت صديقا محبا لله عاملا على طاعته مثقفا معتزا بنفسه مجتهدا في عمله, هل تراني أكون قد طلبت المستحيل في عالمنا اليوم، ولا أخفيك سرا فكنت كلما أقرأ لك ردا على هذا الموقع دعوت لك بإخلاص ثم دعوت لنفسي صديقه مثلك ولا أزكي على الله أحدا وهو الأرحم بنا والأعلم بما ينفعنا ويصلحنا.
تحياتي القلبية..
24/5/2006
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أهلاً بك يا عزيزتي، وأهلاً بمشاركتك التي سررت كثيراً بتلقيها منك.. جزاك الله كل خير وأدخل السرور إلى قلبك كما أدخلته إلى قلبي..
شكراً يا عزيزتي على أمنيتك وعلى هذا الإطراء الذي أسأل الله تعالى أن يجعله من عاجل بشرى المؤمن لا من قبيل تعجيل الثواب في الدنيا.. وبإذن الله سيحقق الله تعالى لك الحياة الاجتماعية التي تحلمين بها في الدنيا والآخرة أيضاً..
تظهر وبوضوح من خلال كلماتك مرارة الوحدة التي تعانين منها يا عزيزتي، وكما قلت الإنسان لا يستطيع أن يحيا بشكل صحيح وصحّي بمفرده، نعم هذه حقيقة.. وأعتقد أن هذه الغريزة الاجتماعية لدى البشر هي ما يجعلهم يفكرون كيف يعدلون من طريقة حياتهم وتفكيرهم ليستطيعوا كسب الأصدقاء.. ثم ليستخلصوا منهم الأوفياء..
لم تعجبني نبرتك اليائسة، لا مكان لليأس في حياتنا كمسلمين لأن "ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء" أي: كل مشكلة ولها حل.. علينا فقط أن نبحث ونجرب لنصل إلى الحل المناسب.. وهذا في كل شؤون الحياة.
تقولين: "كيف نستطيع تحقيقه إذا كان من أغلب من حولك جاهلا، سطحيا لا يهمه إلا سفاسف الأمور. تحاولين أن تكوني شمعة تنير ظلمتهم فتحترقي بنار غيرتهم وكبريائهم وإصرارهم على تلك الطباع"، ليس مطلوباً منك أن تكوني شمعة تنير ظلمة حياة الآخرين، بل مطلوب منك أن تكوني "برجكتور" يضيء حياتك، وعندما يرى الناس النور قد ينجذبون من تلقاء أنفسهم إليه فيقتبسون منه، فمجرد كونك على الصراط المستقيم بين أناس سطحيين هذا بحد ذاته دعوة، ولكنه دعوة صامتة، وللعلم فإن دعوة الحال أبلغ كثيراً من دعوة المقال..
لقد علمتني الدنيا أمراً مهماً في مجال الدعوة، وهو أنه ليس بالضرورة أن أقحم نفسي في كل ما يدور حولي حتى أكون داعية، بل مجرد وجودي كنموذج للتعامل الصحيح دعوة بحد ذاته، والحقيقة أنه يؤتي ثماراً أكثر من محاولات التعمق مع الآخرين.. ولكن عليّ عندما أجد الفرصة مواتية وسانحة أن أتعمق ولكن بقدر محسوب.. فهناك أمر لك أكن أنتبه له قبل الآن وهو أنه ولشدة رغبتي في مساعدة من حولي كنت أصل إلى درجة فرض نفسي عليهم من حيث لا أشعر مما يزيدهم نفوراً!! وأمر آخر ،وهو انه وبتعميق العلاقة قد أنساق وراء المشاكل الهامشية والتافهة والتي تحدث كل يوم مما يعيقني عن هدفي..
تقولين:"كيف إذا كان من حولك ماديا لا يهمه غير الاستهلاك والتباهي والتفاخر وجوفه فارغا ومنطقه معدما وينظر إليك بشفقة وبغض واستعلاء لأنك قررت التعالي على تلك المتاع واتبعت منهج الله في الاعتدال والوسطية وحب العلم والثقافة والعمل بجهد لإثبات ذاتك وتحقيق طموحك فيما أمر به الله وأيضا للابتعاد عن ذلك المجتمع الفارغ بكل قيمه وأعماله"، ربما هنا نحتاج وقفة قليلاً لنتفكر: كل ما قلته رائع، ولكن هل أخذتك الحماسة للحق فعشت له ونسيت نفسك؟؟
هذا بحد ذاته قد ينفر الآخرين، فيرون بأن التدين هو مثالية × مثالية وحرمان من متع الحياة الدنيا التي أباحها الله..، لهذا فإن الاعتدال والأخذ من الدنيا بالقدر المعتدل رسالة مهمة جدا للغرقى في متاع الدنيا على حساب دينهم.. وهذه الرسالة هي أنه: من الممكن أن نجمع بين الدين والدنيا.. والدين لن يحرمنا الدنيا..
أقول هذا الكلام لأنني لمحت من كلامك تلك النظرة المتطرفة – والتي كنت أنا عليها – في كلامك عن المجتمع: حين قلت: وأيضا للابتعاد عن ذلك المجتمع الفارغ بكل قيمه وأعماله، تقولين "ولكني اصطدمت بالناس كثيرا فهم لا يريدون من يتكلم بالله ورسوله ولا يحبون الجدية والعمل".
أوافقك الرأي، ولهذا علينا أن نبحث عن المدخل الذي يحبونه لندخل منه إلى نفوسهم، وأعجبتني جداً الكلمة التي قالها أ.عمرو خالد حين كان يتحدث عن هذه النقطة من أن الناس يحبون أن يروا أنه ستأتيهم من وراء الدين مكاسب، وهذه فكرة صحيحة ومعترف بها في الإسلام حيث أن الله تعالى خصص من المصارف التي تُصرف فيها الزكاة بابا للمؤلفة قلوبهم.. ولكن هذا يجوز في البداية فقط إلى أن يتمكن الإيمان من القلوب عندها يمكن الصعود إلى الدرجة أرقى وهي ابتغاء وجه الله تعالى خالصاً بالعمل.. إذاً: التدرج بالناس انطلاقاً مما يحبون وانتهاءً بما يحبه الله أمر أصيل جداً في الدين..
تقولين:"فإذا وفقك الله وكنت ناجحة بعملك، معتزة بأيمانك، تحاولين أن تبلغي صفات الكمال في أخلاقك وعملك، احتقروك وحاولوا التصغير من شأنك وهجرك وتجاهلوك فهل أبقى أتحلم وأتصبر وأعفو وأسامح"، الوضع شديد المرار.. ولكن لنا في رسول الله أسوة حسنة.. وتأكدي أنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح.. الله عز وجل قال لنا بأن هذه من قوانين كونه "فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
هل سمعت بأحمد بن حنبل، الإمام الجليل صاحب المذهب الفقهي المعتمد منذ مئات السنين وحتى الآن؟؟
لقد جاء عليه يوم كانت كل الأرض ضده.. ولكنه ثبت وبثباته أنقذ الأمة وأنقذ الدين..، عندما كنت أمرّ في طفولتي على أسماء هؤلاء الشوامخ والأعلام، كنت أحسب أنهم وبمجرد أنهم عملوا وجدوا واجتهدوا وصلوا إلى النجاح والتفوق، ولكنني حين قرأت سيرهم الذاتية وقصص كفاحهم، إذا بي أجد أنهم قد تعرضوا للكثير من العقبات والتي أولها محاربة من حولهم لهم.. لم يمر في تاريخ البشرية شخص واحد اتفق الناس كلهم عليه، بمن فيهم الأنبياء.. وهل هناك أفضل منهم خلقاً وأصفى سريرةً؟؟ ومع ذلك كان هناك حاقدون وحاسدون وكائدون في الخفاء.
تقولين: فإذا تمنيت صديقا محبا لله عاملا على طاعته مثقفا معتزا بنفسه مجتهدا في عمله، هل تراني أكون قد طلبت المستحيل في عالمنا اليوم، لا ليس مستحيل، بل هو مشروع جدا، وهذا الصديق موجود أيضاً، ولكن قد تكون طاعته وثقافته واجتهاده في عمله واعتزازه بنفسه موجوداً ولكن بنسبة بسيطة، فبصحبتك يترقى ويزداد وتترقين وتزدادين أنت أيضاً.. وهذا هو مفهوم الأخوة في الله..
أعجبتني الكلمة التي سمعتها اليوم من أحد الأغنياء الذين تكلموا عن تجربة ثرائهم ونجاح أعمالهم في برنامج لم أعد أذكر ما اسمه حين قال: يجب أن نفترض بأن كل الناس طيبين.. افترض أنهم طيبين وتوقع منهم ذلك وسيكونون كذلك.. لأن كل إنسان توجد بداخله طيبة..، وأنا أقول لك على أن لا نترك جانب الحذر إلى أن نتأكد من أخلاقياتهم وأمانتهم وصدقهم.. ف"المؤمن كيّس فطن" و"لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني" الخبّ: الغرير الساذج.
وفي النهاية أتركك وديعة بين يدي هذه الآية الكريمة:{ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران : 186 )، جزاك الله كل خير على مشاركتك.. وبانتظار مثيلاتها في المستقبل إن شاء الله.