أزمة انتماء
عشت في أمريكا 17 سنة, وكنت سعيدا ومستقرا هناك لكن أقلقني وضع ابني وابنتي وهما الآن في سن المراهقة حيث لاحظت منهما ميلا قويا إلى الاندماج في الحياة الأمريكية بحلوها ومرها دون تمييز لدرجة أن ابنتي كانت على وشك التحول لدين آخر لتتزوج من صديق لها يدين بهذا الدين, عندئذ قررت العودة لمصر للنجاة بابني وابنتي.
وبدأت بتوظيف أموالى التي جمعتها على مدى سنوات طويلة في بعض المشروعات المشتركة مع بعض الأقارب والأصدقاء, ولكن للأسف تعرضت لعمليات نصب من أقرب الناس لي وكانت أغلب المشروعات تخسر بسبب اضطراب السوق وتناقض القرارات الاقتصادية, وسوء الذمم والرشاوى المرهقة, ولذلك لم يتبق لنا إلا القليل الذي يضمن الحياة بالكاد.
المشكلة الآن هي أنني أعيش حالة غضب مستمرة منذ أن أستيقظ حتى أنام, فكل شيء في بلدي يستفزني: الشوارع المزدحمة, والمرور المتسيب, واللف والدوران عند الناس, والكذب عند المسئولين والرشوة والوساطة, كلها أشياء كنت قد نسيتها طوال فترة إقامتي في أمريكا.
وهذه الحالة من الغضب تجعلني أتشاجر مع الناس في الإشارات والمحلات والمطاعم والشوارع وأصبحت كالمجنون أغضب لأتفه الأسباب , لدرجة أنني أصبحت أتجنب الخروج إلى الشارع . وأنا الآن في حيرة أأعود إلى أمريكا مرة أخرى وتضيع ابنتي ويضيع ابني أو تضيع هويتهما أو يضيع دينهما, أم أبقى في مصر والحال كما تراه.
أرجوك لا تطالبني بالعمل على تغيير الواقع السيئ للبلد
فأنا رجل عادى أريد أن أعيش حياة بسيطة ولست قائدا شعبيا يقود المظاهرات ويقضى عمره يحارب الحكومة وربما يدخل السجن.
11/5/2007
رد المستشار
أخي العزيز.. لقد أثارت رسالتك الكثير من الأشجان والآلام, وتحيرت كثيرا ماذا أقول لك؟.. فمشكلتك لها شق عام وآخر خاص, أما الشق العام فهو حال بلادنا الذي نراه جميعا يتدهور بشكل خطير ولا نفعل شيئا لإيقاف هذا التدهور وكل منا ينتظر الآخر ليقوم بالمهمة بالنيابة عنه, أو ندّعى بأنه ليس بأيدينا شيئا نفعله, وفي النهاية يضيق بنا الوطن ونضيق به, وتضيق بنا الأرض بما وسعت, وإذا قررنا الهروب للخارج واجهنا تهديد ضياع الهوية لنا أو لأبنائنا, أو واجهنا آلام الغربة وذلها وتحكم الغرباء فينا خاصة وأن المصريين الآن أصبحوا يعاملون معاملة سيئة ومهينة في كثير من الدول لأسباب يطول شرحها, وهذا الوضع يهز الانتماء لدى أبناء البلد ويجعلهم يعيشون في حيرة وإحباط وغضب, فالشارع المصري بما فيه من سلبيات وتناقضات أصبح يثير الغضب. وهذا الوضع العام يحتاج إلى تغيير جذري في نظام التفكير ونظام الإدارة وعلاقة الحاكم بالمحكوم... وهذا يحتاج جهدا إيجابيا مثابرا من الجميع وإلا فسيغرق الجميع.
أما الشق الخاص من المشكلة فهو أنك الآن أصبحت تعانى مما نسميه "اضطراب التوافق مع مزاج قلق" وهذا الأمر يحتاج إلى علاج متخصص لدى أقرب طبيب نفسي يساعدك على التغلب على تلك المشاعر السلبية التي تهدد سلامك النفسي وتهدد علاقتك بالناس وبالمجتمع.
وربما تحتاج مزيدا من الوقت حتى تستطيع التأقلم مع سلبيات وعشوائيات الحياة المصرية, ولكن أخشى ما أخشاه أن يحتاج هذا التأقلم منك تشوها في بعض جوانب تفكيرك أو سلوكك لكي تتأقلم مع تلك المنظومة المضطربة, لذا وجب التنويه والحذر.
واقرأ من على مجانين:
صدمة نفسية: اضطراب التأقلم