السلام عليكم ورحمة الله؛
سبحان الله فعلا منذ شهور وأنا أبحث على النت عن الدكتور سيد صالح بالذات ولو كنت وجدته منذ ذلك الحين لاختلفت الرسالة تماما وربما كانت زيارة ولكن قدر الله وما شاء فعل، وبالفعل كل شيء يجري للمؤمن في هذه الدنيا خير ونصيب فأنا أتعامل منذ 9أشهر على النت وعلى موقع الشبكة الإسلامية التي اكتشفت منها -قدرا من عند الله- موقعكم منذ أيام،........
آسفة للإطالة ولكني أحسست بضرورة الفضفضة في هذا الموضوع، والمهم أريد سؤال الدكتور الفاضل السيد صالح عن الفرق بين الأخلاق السيئة نتيجة البيئة المحيطة المكتسبة والمرض النفسي، وأنا أتحدث عن الأشخاص الذين يتعايشون مع الناس ولو بشكل شبه طبيعي ويتزوجون أيضا، ولكن عند تهربهم من أي مسؤولية وإيذائهم لغيرهم يكون الكلام كالآتي أنا مريض ومش حاتغير وعاجبني حياتي كده، ولكني أراهم يتعاملون بشكل زكي وجيد مع من يكون لهم مصلحة في التعامل، فهل كل مرضى الاكتئاب غير مسئولين شرعا وإنسانيا عن تصرفاتهم؟؟؟
وأنا أختص هذا السؤال بالدكتور الفاضل لحالة كان يعرفها منذ فترة ربما معرفة عابرة ولكن كان لها أثر جيد -ولكن للأسف سفر حضرتك لم يجعلها تكمل-، ولكن قدر الله وما شاء فعل شكرا، وإذا أردت التفضل بمراسلتي أكون شاكرة.
25/05/2007
رد المستشار
الأخت الفاضلة "ومضة أمل"؛
بادئ ذي بدء أنا سعيد جدا بثقتك في موقع مجانين نقطة كوم وبي شخصيا لدرجة بحثك عنى خلال الأثير الإليكتروني وفى نفس الوقت أشعر بخجل شديد من نفسي لقلة مشاركاتي وردودي على بعض الأخوة الذين يرسلون برسائلهم أو مشاركاتهم أو معاناتهم وذلك لأسباب كثيرة منها كثرة الانشغال والخوف من الخوض في بعض الأمور التي أجد من الصعب أخذ قرار فيها بمفردي أو لتكرار المشكلة وتشابهها بمشكلة أخرى سبق إثارتها مما يضطرني لتكرار نفس المعلومات وهذا ما يصيبني في معظم الأحيان بالتكرارية والملل وهذا ما لا أميل إليه.
وبعد....؛
أختي "ومضة أمل"، لقد سألتني سؤالين وهما:
1) ما الفرق بين الأخلاق السيئة نتيجة البيئة المحيطة المكتسبة والمرض النفسي؟
2) هل كل مرضى الاكتئاب غير مسئولين شرعا وإنسانيا؟
لقد نقلت الأسئلة كما وضعتها وبنفس الأسلوب واليك الإجابة على قدر المستطاع.
أما السؤال الأول فيختص بتشكيل السلوك الإنساني بتأثير البيئة وعلاقة ذلك بالأخلاق وهل هناك فرق بين السلوك السوي والطبيعي وبين المرض النفسي، فكلنا يعلم أن السلوك يتأثر بما ورثه الكائن الحي وينتقل ذلك عبر الجينات والكرموسومات الوراثية والتي توجد في نواة خلية كل كائن حي وكذلك الإنسان ودليل ذلك أن الحيوان يرث سلوك أسلافه ويتصرف بنفس الطريقة التي جبل عليها فنجد الأسد في الأحراش مثلا لا يأكل الجيفة حتى لو مات جوعا ولكن يفعلها الضبع وهو بذلك ورث سلوك أسلافه ويستمر عليه حتى نهاية الكون. ناهيك عن الإنسان وقد أثبتت دراسات عديدة تأثير الوراثة في السلوك الإنساني؛
ولكن بعض المدارس الإنسانية خصوصا المدرسة السلوكية نظرت للسلوك الإنساني بأنه يتشكل ويتعزز وينطفئ بتأثير البيئة المحيطة به. وبذلك فإن كلا من الوراثة والبيئة يؤثران بدرجة كبيرة في السلوك الإنساني. وكذلك الأخلاق فجزء منها موروث فيقول رب العزة في كتابه الكريم "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" (الشمس 10:7)، وجزء منها مكتسب كمقال ابن الأثير: "الإنسان يولد على نوع من الجبلة والطبع المُهَيَّء لقبول الدين، فلو ترك الأمر عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل من يعدل لآفة من البشر والتقليد".
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام "كلُّ مَولودٍ يُولد على الفطرة فأبواه يُهَودانه أو يُمجِّسانه أو يُنصِّرانه"، ولكن ما الفرق إذن مابين السلوك العادي والمرض النفسي؟ فهناك تعريفات متعددة لما هو مرض نفسي اتفق عليها العلماء وما عداها فيعتبر سلوك طبيعي.
فالمرض النفسي اضطراب أو انحراف في السلوك الإنساني في مستوياته المتعددة -المعرفي والوجداني أو الحركي- ويكون هذا الاضطراب غير مألوف أو مقبول اجتماعيا، كما يؤدى إلى عدم تكيف المرء مع نفسه أو مع البيئة المحيطة به كما يؤدى إلى اضطراب في علاقات الفرد الاجتماعية والوظيفية والتحصيلية.
فإذا فرضنا جدلا أن السيد (س) يعانى من أصوات تأمره أن يهرب من عمله فيبحث عن مصدر الأصوات فلا يجد لها أصلا (هلاوس سمعية Auditory Hallucinations ) ورغم ذلك لا يتفاعل ولا يستجيب لها بل يؤدى عمله على خير وجه ولا تتأثر علاقاته الاجتماعية بسببها وأصبحت تلك الأصوات كنوع من الشوشرة التي يحدثها بوق السيارات في الطريق.... وفقط.، فالسيد (س) في هذه الحالة لا يعد من المرض النفسيين.
في نفس السياق لو السيد (ص) عندما يتواجد في مكان مزدحم يعانى من اختناق ورعشة وزيادة في ضربات قلبه ويحس وكأن الموت يلاحقه فقرر أن يظل جليس منزله ولا يذهب إلى عمله ويعانى طول الوقت بتأنيب النفس والتقليل من شانها. فالسيد (ص) في هذه الحالة يعد مريضا بداء رهاب الأماكن المفتوحة (أجورافوبيا Agoraphobia) أو رهاب الساحة وهكذا........
وأما السؤال الثاني فيختص بهل كل مرضى الاكتئاب غير مسئولين شرعا وإنسانيا؟
كما نعلم جميعا أن هناك فرقا كبيرا بين الاكتئاب والشعور بالحزن فالأول اضطراب Disorder أو مرض Disease أو زملة Syndrome وأما الثاني عرض ممكن يحدث مع الشخص العادي أو مع المريض النفسي. ومعظمنا يشخص الاكتئاب بثلاثية شهيرة وهى:
(أ) مزاج منقبض.
(ب) انكماش وقلة في الكلام والتفكير.
(ج) بطء في الأداء الحركي وبذلك يتشعب الاكتئاب إلى أنواع متعددة تصل إلى أكثر من ثلاثين نوعا من أنواع الاكتئاب، فيوجد (الاكتئاب التفاعلي والاكتئاب الوجداني) و(الاكتئاب العصابي والاكتئاب الذهاني) و(الاكتئاب الجسيم والاكتئاب البسيط) و(الاكتئاب الوظيفي والاكتئاب العضوي) و(الاكتئاب أحادى القطب والاكتئاب ثنائي القطب) وهكذا.... أما المسئولية الشرعية والإنسانية والقانونية فترجع إلى قدرة الإنسان على التميز وإرادة الفعل.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصغير حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن عائشة بإسناد صحيح ورواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر بألفاظ متقاربة ومن طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً)
ومعنى رفع القلم: امتناع التكليف -أي ليسوا مكلفين- وبهذا فان بعض مرضى الاكتئاب الذهاني (العقلي) غير مسئولين من الناحية الشرعية والقانونية إذا كان سلوكهم له علاقة بأعراض المرض أما لو كان سلوكهم اللا سوي ليس له علاقة بمرضهم فهم بطبيعة الحال مسئولين شرعا وقانونا. فمثلا إذا عانى إنسان مسلم من الاكتئاب وكان يعتقد اعتقادا خاطئا Delusions بأنه مذنب ومسئول عن كل الشرور التي تحدث أو حدثت في الأرض فامتنع عن الطعام والشراب لدرجة الهزال وطلق زوجته عقابا لنفسه لأنها ملاك وهو شرير لا يستحقها. ففي هذه الحالة لا يعتد بقراراته لأنه غير مميز وفاقد لإرادة الفعل.
لكم منى خالص التحية والشكر وسامحوني على ضعفي واطلبوا لي من الله الغفران إن أنا زللت دون قصد والله ولى الصالحين... آمين.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي، الأخت العزيزة ومضة أمل أحسب أن أخي الأكبر الأستاذ الدكتور السيد صالح قد كفاني مشقة الاعتذار عن تأخرٍ دام 4 أشهر وأنت اخترت المستشار بنفسك، وهو كما قال غالبا ما يتأخر لظروف خارجة عن إرادته! حظنا معه في مجانين حتى الآن قليل! فادعي ربك أن يرزقنا أكثر عبره، وأهلا بك.