السلام عليكم
مشكلتي بدأت بعد وفاة أخي -الذي دام مرضه 12عاما- بشهر تقريبا، بدأت أفكر في الموت.. وكيف عمري 19 وأين أخي المريض؟ وأصبحت فكرة الموت تشغل تفكيري، وأنا في أيام الامتحانات أقول الدراسة أهم. في أحد الأيام فزعت وكأني سأموت، لم أستطع التركيز، وكنت خائفة ومضطربة جدا، ثم هدأت وبدأت أفكر كالعادة ورأسي ممتلئة بالمحاضرات والجامعة والأبحاث والامتحانات والتفكير في الموت. في أوقات يصاحبني ضيق لا أعرف مصدره؛ فأستغفر وأذكر الله حتى إن شهيتي قلّت بشكل ملحوظ، ونحفت كثيرا وقلت حين تأتي الإجازة الصيفية: سوف أتفرغ للقراءة والبحث كي أعالج مشكلتي، وأتت الإجازة ونجحت -الحمد لله- في الجامعة بتقدير ممتاز.
ثم بدأت أقرأ وأبحث؛ فتارة أنجح وأحيانا لا، إلى أن قلت يجب أن يساعدني أحد، أريد أن أطمئن، تعبت فذهبت إلى أبي وأخبرته، وأنا أخبره لم أتمالك نفسي فبكيت، فقال لي: اذكري الله كثيرا، وأخْبَرَني عن فوائد الذكر... إلخ.
وشعرت بالراحة، وبعدها كنت أذكر الله وسعيدة جدا، فجأة بدون سابق إنذار قفزت من مكاني، وأنا أشعر بخوف شديد، وكأن شيئا يهدد ديني، وصرت أقول: يا رب أنت ربي لا إله غيرك وأنا خائفة، وقلبي يخفق بشدة، ولم أستطع النوم ومعدتي أصبحت تؤلمني، لكن بعد أن هدأت أسأل نفسي لماذا؟ ما الذي حدث؟ فتذكرت أن هناك أفكارا في نفسي.. هل أنا أذكر الله جيدا أم باللسان وما شابه ذلك، لا تستعيدي كل هذا الخوف، بدأت الوساوس والأفكار إلى أن تصل في بعض الأوقات إلى شعور مخيف لا أستطيع الفكاك منه، وأبكي بشدة، وأشعر أنه سيسيطر علي، أشبهه بأنه بناء يكاد يسقط على رأسي، أنا أعرف أن كلها أوهام وأفكار غبية؛ فكل شيء في الدين حق، وأنا مسلمة والله موجود، الله ربي.. والإسلام ديني.. ومحمد صلى الله عليه رسولي.
سألت إحدى الداعيات عن أفكار تأتيني.. هل أنا مؤمنة أم لا؟ قالت أكثري من الذكر، هذه من الشيطان ولن تضرك. فذهبت إلى أبي لأخبره بعناوين للمشكلة، كالعادة نظر إلي باستغراب وقال: اذكري الله، هذه ثوابت إيمانية، وكأنه يقول: كيف تأتيك هذه الأشياء؛ فحزنت كثيرا وأصبح ينظر إلي نظرة استغراب، وكلما رآني أعطاني محاضرة عن الإيمان، وأحيانا لا أريد أن أسمع، وأشعر بالخوف فأبكي في نفسي، فذكر الله يطمئن القلب وأنا أخاف، لم أكن بهذا الشكل قبل سبعة أشهر، أي قبل وفاة أخي. كنت أتأمل في كل شيء، أحيانا أستيقظ من النوم وأقول سبحان الله.. كنا في موتة صغرى.
وفي معامل التشريح في الجامعة بدأت أشرح وأنظر إلى الكائن الذي بدأت بتشريحه، وأقول من قال إن عجائب الدنيا سبع؟! سبحان الله!
الآن أقول لنفسي: انظري هل أنت عمياء؟ انظري إلى القمر والشمس ما الذي حدث لعقلي؟ ما هذا الشعور المخيف؟ المشكلة حين أرى أحدا يذكر الله أقول في نفسي: ليتني مثله حتى لو كان سيئا. والمشكلة أنني أشعر أني أنا من يسترجع هذه الأفكار أو المشاعر المفزعة، وبعضها يسيطر علي فأقول: الله ربي.. والإسلام ديني، فأشعر أنها تزيد فأتوقف كأنها تضغط علي، وهذا لم يحدث من قبل.. فأخبر أختي بهذه الحالة الغريبة لكن طبعا كلمات بسيطة، مثل: أنا خائفة فلا ترد، فأقول ماذا بك: تقول أنت سخيفة، وكل ما أنت فيه أوهام من صنعك، أو مثلا أحكي حكاية عن صديقة يحدث لها ما يحدث لي فتقول هذه "هبلة"!.
أنا أشعر أني منشغلة البال حتى لا أستطيع النوم بفردي، ولا حتى الجلوس وحدي، أريد أن أعيش يوما صافية الذهن، وأنعشه فإني أكون خائفة ومترقبة، كنت مضرب المثل في القوة؛ حتى إن أبي يقول لي في عزاء أخي: كوني بجانب أمك ولا تسمحي لأحد بالبكاء أمامها، ويقول لي: نعم، هكذا البنات وقت الشدة.
هل أنا أتوهم أم أنها "عين" أصابتني؟
لكن استبعد العين؛ لأننا شبه معزولين، لا نزور ولا نعرف أحدا.
8/5/2007
رد المستشار
الابنة العزيزة؛ أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين، وشكرا على ثقتك بنا. أحسب أنك -والحمد لله- اتجهت الاتجاه السليم باستشارتنا، ولعلك لو قرأت كثيرا من المشكلات المعروضة على هذه الصفحة والتي توليت الرد عليها لوجدت أن ما أصابك وطالت معاناتك معه هو أمر بفضل الله يسير العلاج، بشرط أن تحسني التوجه في حياتك الحقيقية مثلما أحسنته على الإنترنت، فكثيرة هي المشكلات التي يصف أصحابها بالضبط ما تصفينه وقصص النجاح في العلاج كثيرة كذلك على صفحتنا.
يبدو لي أن بداية مشكلتك والتي أعقبت وفاة أخيك رحمة الله عليه ربما أخذت شكل خلطة القلق والاكتئاب وهو ما كان من الممكن أن يمثل -خاصة في البداية- شكلا من أشكال اضطراب التأقلم، وهو ما قد يحدث للبعض عقب وفاة شخص عزيز أو غير ذلك من كروب الحياة، إلا أن استجابة التأقلم لديك تبدو وكأنها تطورت بالتدريج من التفكير المفرط والمستمر في الموت إلى الأفكار الكفرية المقتحمة، وهي غالبا ما تودين الإشارة إليه في قولك: (فجأة بلا سابق إنذار قفزت من مكاني، وأشعر بخوف شديد، وكأن شيئا يهدد ديني، وصرت أقول: يا رب، أنت ربي لا إله غيرك، وأنا خائفة وقلبي يخفق بشدة، ولم أستطع النوم ومعدتي أصبحت تؤلمني)، فهنا نستطيع تخمين أن اقتحام الأفكار الكفرية أو التشكيكية وعيك قد فجر استجابة هلعية تشبه نوبات الهلع وقد يكونُ أن نوبة الهلع نفسها كانت مصحوبة بأفكار كفرية أو تشكيكية.
وهناك -إضافة لما سبق- بعض أعراض الاكتئاب واضحة في معاناتك كما تصفينها، فبداية من التفكير المفرط في الموت إلى انعدام أو قلة الشهية وفقدان الوزن، واضطراب النوم والشعور المتزايد بالذنب، وعلى أية حال، فإن معاناتك كلها لم تخرج، ما تزال فيما نسميه خلطة الوسواس والاكتئاب والهلع. وطبيعي -مع الأسف- ألا يفهم أحد من أهلك معاناتك؛ لأن ثقافتنا النفسية كمجتمعات لا تزال في الحضيض، وخلطنا بين المرض النفسي وعلامات ضعف الإيمان ما يزال شائعا، ولذلك كان رد والدك ورد فعل أختك هو العادي والمتوقع، مثلما يرجع البعض معاناتك إلى أنها عين أصابتك، ولعل هذا الأمر ناقشناه مرارا وتكرارا على هذه الصفحة، وفصل القول فيه هو أنه بغض النظر عن السبب فإن وجود علامات مرضية يستدعي أن نطلب العلاج من أهل الاختصاص.
وأما مسألة أنك من يسترجع تلك الأفكار، فهو راجع لما نسميه بالتفكير الاجتراري أو الاجترار الوسواسي (Obsessive Ruminations)، ومن فضل الله علينا أمران متعلقان بحالتك:
الأول: أنك غير مذنبة في كل ما سبق؛ لأنك مريضة وليس على المريض حرج.
والثاني: أن العلاج من كل تلك المعاناة بأعراضها المختلطة سهل وميسور لدى الطبيب النفسي، ولكن نصيحتي هي أن تطلبي العلاج النفسي السلوكي المعرفي وليس فقط العلاج بالعقاقير؛ لكي يكونَ شفاؤك شفاء كاملا إن شاء الله.
ماذا تقولين لأهلك إذن؟ تقولين إنك بحاجة إلى مساعدة طبيب نفسي متخصص ولا تخافي من ذلك؛ بل إن عليك أن تصري عليه لتنتهي معاناتك، واقرئي ما سأحيلك إليه من روابط، فسوف ينفعك جدا في حديثك معهم وقدرتك على إقناعهم إن شاء الله. كذلك أنصحك بأن تكفي عن حكاية رؤوس الأقلام تلك؛ لأن السرية عند الموسوس فيما يتعلق بمعاناته هي من أهم معوقات العلاج،
إذن توكلي على الله واطلبي العلاج، وتابعينا بالتطورات الطبية.