كيف أتعامل؟؟ فطرة!، وعزلة!!، وانجذاب؟!!
السلام عليكم؛
أولا أشكركم على آرائكم التي أفادتني كثيرا أنا بنت يعتبرني من يراني ملتزمة لطريقة ملابسي وقد كنت لعدة سنوات مضت لا أتكلم مع زملائي الأولاد لأني خدعت كما يحدث للكثيرين بأن هذا هو الالتزام ولكني عرفت مساوئ هذا الانعزال وشجعني كلامكم على تكوين بعض الصداقات بزملائي على أمل زيادة النضج وإيجاد شريك الحياة.
مشكلتي الآن أني مازلت حساسة تجاه رأى الشباب في شخصيتي فأنا كنت لفترة طويلة مجرد صورة يراها الناس ولا يعرفون عنها غير ذلك وأعرف أني إذا تواصلت فسوف يظهر في شخصيتي عيوب ككل الناس غير أنكم تقولون عن عقلية الرجل العربي أنها ضيقة (مما يعقد الوضع أكثر) فهل أتشجع عند انجذابي لشخص وأفتح معه مجالا للكلام والتعارف أكثر أم أن الأمر لا يستحق العناء وسيكون هناك دائما حكم على بأني جريئة وهذا طبعا لا يعجب المعقدين (أنا أقصد بالجرأة الكلام المحترم) وأرجو أن يجيب د. أحمد عبد الله أو د.علاء مرسي
وشكرا لكم.
28/01/2008
رد المستشار
الابنة السائلة؛
ترددت كثيرا قبل أن أجيب على سؤالك، وحاولت أن أطلب مساعدة من زميل سوف ترون له بعض الإجابات، وهو الأستاذ "إسلام أبو قنديل" مدرب حياة، ولعله يشرح لكم معنى هذه الكلمة يوما ما، وقد طلبت مساعدته لأن إدارة العلاقة بالجنس الآخر فن وعملية مركبة، ولها عند الغراب وأهله مدارس ونظريات، بينما نحن ما زلنا نحبو ولا نجتهد في الأمر بما يستحق، لأننا نستسهل فكرة الفصل بين الجنسين، أو ما تسمينه الانعزال تحت دعوى الالتزام، رغم أن الصورة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت غير ما نعيش تماما سواءً بالنسبة للمنعزلين منا، أو عندنا بالنسبة للمنحلين المنفلتين، فكيف ندير هذه العلاقات حين نقرر أن ننزل إلى هذا الميدان، أو نقدم اجتهادا معاصرا فيها؟!
سأعيد لك هنا مجموعة مما سبق وطرحته من أفكار، وربما أضيف لعل النقاش والمشاورة يصلان بنا إلى شاطئ!!
قلتا ذات مرة أن العلاقة بين الجنسين في المجال العام ينبغي أن تدور أساسا في إطار محددات ثلاث:
الجماعية، والمجتمعية، والعلنية.
العلانية أو العلنية معروفة، وأزيدك توضيحا أن تبادل المكالمات الهاتفية أو الرسائل بالمحمول أو البريد الإليكتروني أو المحادثة بالشات، هذه الأشكال وما يشابههما يخرج بالعلاقة عن العمومية، وأنا هنا أتحدث عن علاقة منتظمة بأحدهم في إطار ما تسمينه الصداقة، ولا أتناول صنيعا أخرى لعلاقات غير "الصداقة" وفيها يمكن استخدام بعض هذه الوسائل الاتصالية مثل علاقة علاجية أو استشارة نفسية أو اجتماعية أو تواصل علمي، وهذا يطول شرحه، أنا أتكلم عن علاقة بين رجل وامرأة تنتظم في مناخ وسياق يسمح بتطويرها لتصبح عاطفية، وربما حسية!! هذه العلاقة ينبغي أن تكون علنية إذن لا بأس بأن يضمك مع زملاءك الرجال هذا النشاط العلمي أو ذاك الملتقى الثقافي أو ما شبه في علانية أمام الجميع، وربما يكون النشاط اجتماعيا أو غيره، لكنه علني...
والجماعية محدد آخر، فلا انفراد ـولو أمام الناسـ إلا باتفاق مسبق أننا نطور العلاقة من صداقة إلى غير ذلك، أما إن كنا ما نزال في مرحلة الزملاء فإننا نحافظ على العلنية والجماعية، أما المجتمعية فكنت أقصد بها أن يكون الملتقى الثقافي أو الاجتماعي أو حتى الترفيهي يحتوي مضمونا له معنى وهدف وغاية، لأن التفاهة والخواء هي شعارات وسمات وطبيعة كثير من لقاءاتنا!!
لاحظي أن وجود لقاء طبيعي إنساني فطري لائق بين رجال ونساء هو شيء قد انقرض من ممارسات مجتمعنا العربي تحت مطارق الصارخين ضد كل لقاء بدعوى أنه اختلاط محرم، وكذلك تشويه المتهتكين لكل لقاء بتوظيفه لاصطياد عشاق أو عشيقات، أو كمقدمات تقود إلى علاقات محرمة، أو تداول مواد مخدرة طبيا أو عقليا، وبالتالي صار مشبوها مجرد أن يتلاقى رجال ونساء!!
وخرجنا عن فطرة الله في خلقه، ونحصد هذا نكدا وتشوها!!
وطبيعي أنك عند التفاعل مع الناس ستعيدين اكتشاف شخصيتك وعيوبها، ولعلك تبدئين في التطوير والإنضاج، وطبيعي أن يراك من تتفاعلين معهم كإنسان له عيوبه كما صفاته الإيجابية، وذلك خارج إطار الملائكية الوهمية التي نحاول رسمها أو تصور أو تمني وجودها، وبعيدا كذلك عن الشر المحض الذي نلصقه بكل فتاة لمجرد أنها تخاطب الرجال، وتتفاعل معهم ضمن حركة الحياة.
وأتفق معك أن الوضع يتعقد أكثر إذا نظرنا إلى عقلية الرجل العربي السائدة، فما زال السائد عند أغلبنا أن الفتاة "المحترمة" لا تخاطب الرجال، ومن تخاطبهم فهي متهتكة، أو على الأقل لا تصلح للزواج!!
وحصاد هذا الخبل قصص مؤلمة لأن المدخل خطأ، وتغيير هذا الفهم الخاطئ لن يكون سهلا، ومن النضج أن نعرف أن الخروج من الانعزال يحدث بالانغماس في الانحلال عند البعض!!
ويظل التوازن والاجتهاد والتجديد غريبا، وسيكون لفترة مدانا من الفريقين، وسيكون صعبا تلافي الانتقاد!!
ومن سخرية للبعض تلفيقا أو توفيقا بين ما يدركه البعض على أنه متناقضات، فمثلا ستجدين من يستنكر كيف تجمعين بين الحجاب والتفاعل مع الرجال؟!!
أعتقد أنه عليك أن تتمهلي جدا قبل أن تقرري تطوير علاقتك مع أحدهم من العام للخاص، ولا يكون هذا قبل أن تعرفي عنه معلومات تشجعك على هذا، وأن يستقر لديك انطباع بأنه يستحق الاقتراب أكثر، ولعلك في حواراتك مع الرجال من زملاءك تستطلعين النضج، وكذلك مستوى التربية واحترام الذات، وما نسميه "أولاد الناس" أصبحوا عملة نادرة فيما يبدو فلا تتسرعي بتصعيد علاقتك مع من لا يستحق فتندمي بعد ذلك.
فليكن التعارف مرحلة تأخذ وقتها وتستكشفين فيها ذاتك والآخرين، وتنتخبين من بينهم من تظنين أو تعتقدين بناءا على انطباعات مستقرة ومعلومات واضحة أنهم يستحقون ذلك!!
وأخيرا أشكرك على ثقتك، وعلى سؤالك الذي فتح النقاش موضوعا يستحق فعلا أن نعمق فيه الحوار، ونتداول وجهات النظر.