والدي عنيف ومتسلط, أخاف الرجال بسببه..!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا أعلم من أين أبدأ مشكلتي نظراً لطول المشكلة. أنا بنت لأبوين منفصلين منذ أكثر من 15 عام ولي أخ وأخت أصغر مني. المشكلة بدأت من وقت انفصال والدي وهي أننا أقمنا مع والدتي ولكنها سامحها الله لم تراعي أننا أطفال وأنه لا يجوز أن نكون محوراً لخلاف بينها وبين أبي، فكانت دائماً ما تحاول أن تكرّهنا فيه وأن تبعدنا عنه، وهو يفعل المثل إذا ما رأيته مرة أو اثنتين كل عام، فكل واحد منهما يريد أن يلقي اللوم على الآخر.
أنا أعلم أن أبي شخصية عنيفة ومتسلطة إلى حدٍّ ما، غير أنه بخيل حتى أني لا أذكر أنه قام بشراء لي أي شيء طلبته منه إلا مرة واحدة وذلك عندما كان عمري 22، ومن وقتها وأنا ليس لدي ثقة في الرّجال مطلقاً وأراهم كلّهم مثل أبي، وهذا جزء من المشكلة.
ولكن يوجد شيء رأيته من أمي منذ 12 عام أي بعد انفصالها عن والدي ب3 سنوات وهي أني رأيتها في يوم ما في الشقة مع شخص غريب في حجرة النوم ومنذ ذلك اليوم وأنا كرهت الرجال أكثر، بل وكرهت الزواج، ونظراً لصغري وقتها وقد كنت في الصف الأول الثانوي فأنا لم أستطع أن أواجهها لخوفي من أن تقوم بتركي لوالدي، ولم يكن لدي استعداد لذلك حيث أنه كان دائم الضرب لي على أي شيء حتى لو لم يكن خطأي بحجة أني الكبيرة ومسئولة عن إخوتي، فإذا كسر كوب يقوم بضربي حتى لو لم أكن الفاعلة. غير ذلك أني إلى حد ما ملتزمة دينياً والحمد لله فأرى كل شيء في الدنيا بمنظور حلال أو حرام.
وأمي تعمل صيدلانية وتقوم ببيع الأدوية التي تدخل جدول لشخص آخر بسعر أعلى من سعرها وهو لا أعلم ماذا يفعل بها، وأشعر أن ذلك حرام وأن معيشتنا حرام وإذا ما قلت لها ذلك تقول ماذا أفعل وليس لدي مصدر رزق غير ذلك. أعلم أنها قامت بتعليمنا على أحسن مستوى فأنا طبيبة وأختي صيدلانية وأخي في كلية تجارة، ولكنها للأسف اهتمت بتعليمنا على حساب التربية فأخي الصغير لا يواظب على الصلاة مثلاً ويقوم ببيع الأدوية التي بالصيدلية وإذا ما قلت له أنه حرام يقول لي ماما تفعل ذلك!
أي أنها أصبحت قدوة له في ذلك وغير ذلك من سلوكيات كثيرة لأخي وأختي. والآن وهي تعدّت الخمسين من العمر لا تزال تشعر أنها صغيرة وتريد أن تسافر للخارج لتعمل لتؤمن مستقبلنا كما تقول وتريد تركي لوحدي غير شاعرة بمسؤولية ذلك في مجتمع شرقي كمجتمعنا. غير ذلك أني أشعر أنها تريد أن تفرّق بين أي زوجين؛ فمنذ حوالي 5 سنوات تعرّفت إلى سيدة تقيم بجوارنا وبعدها فوجئنا بزوجها يطلقها ويطلب يد أمي وطبعاً رفضنا ذلك، وهذا حدث أكثر من مرة أني أراها تحاول أن تفرّق بين أي زوجين لدرجة أنها حاولت ذلك مع والديّ زوج أختي وما ترتب عليه من قطيعة بيننا وبينهم حالياً، ومرة أخرى جاءت جارة لنا كانت فيما مضى صديقة لأمي بل أنها التي وقفت بجوارها وقت انفصالها عن أبي ولكنها لم تسلم من أذاها، فكم من مرة وجدت زوج هذه السيدة يتردد علينا بحجة السؤال علينا إلى أن علمت هذه السيدة ما حدث وقامت بعمل فضيحة لنا في المنطقة اضطررنا بعدها بيع شقتنا بثمن بخس لنترك المنطقة.
وأنا الآن وعلى الرغم من عدم ثقتي بالرجال مما رأيته من والدي ومن تجربة خطوبة فاشلة إلا أنني أخشى أنه إذا ما أراد الله أن يعوضني عن ذلك كله بشخص محترم أن يعرف أي شيء من هذا الماضي وخاصة وهي لا تتورع عن أن تخبر أي شخص يريد أن يرتبط بي عن معاناتها مع والدي وعن مدى سوءه بحجة أن تزداد هي قدراً في نظره أنها استطاعت أن تنشئ طبيبة وحدها وبدون مساعدة من أحد وأن والدي تخلّى عنا غير مراعية مدى شعوري بالقهر والضيق من ذلك وأني قد أصغر في نظره بعد كل ذلك، فمن يستطيع أن يرتبط بفتاة والديها منفصلين وتقوم والدتها بإفشاء سرها على الملأ.. ماذا أفعل وقد أصبحت أرى الدنيا سوداء وبغيضة، أعلم أن هذا قدري وأن الله سوف يعوضني ولكني بالفعل أخشى على الناس مما تفعله وأخشى علينا من كلام الناس عنا
وأخشى ماذا أفعل في ذلك؟
أرجو الرد لأني بحاجة إلى استشارة سريعة.
16/03/2008
رد المستشار
أشعر بما يملأ قلبك من حزن وألم وصراع ونيران ولكن...... اسمعيني بهدوء لتفهمي.......
فلكل منّا في هذه الحياة "دور" و"مسؤولية" و"حدود" حتى تسير الحياة بشكل أفضل؛ فاليوم أنت ابنة في أسرة.. فمسؤوليتك هي أن تتعهدي نفسك بالخير والأخلاق والعلم وغيره حتى تكوني إنسانة فاضلة، ودورك أن تنجحي في علاقاتك الإنسانية مع أصدقائك وجيرانك، بل وأمك وأبيك وإخوتك، أما حدودك؛ فلقد تخطيتها "عن غير عمد" ولكن عليك أن تعرفيها وتعرفين لماذا حدودك هي فقط، تلك الحدود؛ فالله عز وعلا جعل حساب البشر أمر يخصه وحده وكل ما علينا هو أن نذكّر ونشرح وندعو الآخر حتى نلفظ أنفاسنا الأخيرة. ويظل حسابه للبشر أمرا له حسابات خاصة لا يقدّرها ولا يفهمها سواه سبحانه لأنه إله قادر أعلم بشئون من خلقه.
لذا نجده سبحانه يقول "ولا تزكوا أنفسكم" ويقول على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حين يعترف له أحد الصحابة أنه قتل كافرا نطق الشهادة في اللحظة الأخيرة لدق عنقه خوفاً لا إيماناً "هلا شققت عن قلبه!!!"، رغم أنه من الواضح تماماً لمن يعي ويرى بأم رأسه أنه قالها للنجاة من القتل ليس أكثر، ولكن الله عز وعلا أعلم بالبشر؛ فبكل منا خير يكاد يجعلنا محلقين في السماء كالملائكة، وكذلك شر يجعل منا شيطاناً رجيماً!
فلقد استطعت بجدارة أن تري جانب "الشر" في أمك وهي حقيقة؛ ولكنها ليست كل الحقيقة وهنا دوري لأوضح لك باقي المشهد ولا تتصوري أني أقول لك ذلك دفاعاً عن تصرفاتها ولكني فقط أريد أن أوضح لك ما قد يخفى عنك فتهدأ وطأة غضبك وصراعك حين تتعايشين معها.....
فوالدتك طلقت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً وهذا يعني أنها كانت بطلة حين أخذت هذا القرار العسير حينها ،حيث كان الطلاق كلمة منبوذة وعملاقة لا يُقَبل عليها إلا من ذاق ما لا يستطيع تحمله رغم كل زخم العتاب ومصمصة الشفاه والتأفف المتوقعين من أقرب الأقرباء قبل الغرباء، على عكس اليوم حيث نتعايش راضيين أو غير راضيين مع فكرة حدوث طلاق كل ستة ساعات!!
ولقد اختارت كذلك؛ ألا تبيعكم وتحيا لنفسها، وقاومت إحساسها كأنثى وفضّلت أن تجعل منكم فتيات ورجالا محترمين في وسط مجتمع لا زال ينظر لأبناء المطلقة على أنهم ولا بد وان يكونوا أصحاب عاهات!! وإن ظهر منها زلات أو ضعف.... لا نقبله- فكل الدراسات العلمية -ومن خلال الواقع العملي من المرضى- تؤكد أن البخيل؛ بخيل في كل شيء فهو "عاجز" على أن يقدم المال والمشاعر والجهد والوقت حتى لفلذات أكابده! فهل نظرت لأمك كأنثى؟ هل تصورت أنها كانت تعاني معه في الفراش مثلاً؟ هل تعرفين كم باتت حزينة مكلومة من اختيارها لزوجها؟ هل تعرفين إحساس الفشل في الحياة الزوجية مع وجود أبناء؟ هل تستبعدين أنه كان يضربها ويهينها كما كان يفعل معك؟
فالدراسات أيضاً تؤكد أن الطلاق له آثار سلبية على نفسية المرأة للدرجة التي تصل ببعض النساء المطلقات لأن يخضعن لبرامج علاج وتأهيل! لعلاجهن من الاكتئاب والقلق وأعراض العنف والعدوان سواء ايجابي باللفظ والسلوك أو سلبي كما شرحته في محاولات تفرقتها بين الأزواج!! خاصة المرأة العربية حيث يعتبر الطلاق وصمة عار وأزمة.
والآن.... سأحاول معك ببعض النقاط أن نجد وضعاً أكثر مناسبة للتعايش معاً بشكل أفضل والله المستعان:
.. والدتك تعي تماماً أنك لا ترضين عما تقوم به فإن لم يكن بالتصريح، فبالتلميح أو حتى بحركات جسدك وأنت لا تشعرين، وهذا يجعل الإنسان في حالة "عناد" أو "عدم مبالاة" أما إذا حاولت قدر الإمكان عدم توصيل تلك الفكرة لديها واستبدالها بفكرة أنك تقدّرين مدى تضحيتها ودأبها لتكونوا أناسا محترمين فسيغير ذلك منها ولو من باب التجمل أمامك فتقل التصرفات التي تغضبك منها.
.. محاولة إشغالها معك ومشاركتها في أمورك وأمور أخوتك بعيدا عن المهام الرئيسية الرتيبة من توفير طعام ونظافة مكان وملبس؛ ولتحدثيها عن أحلامك وعن أصدقائك وأحزانك دون إلقاء لوم عليها وهكذا.. بحيث تشعر بان لها وجود ودور في حياتكم أكبر من الأساسيات "المزعجة" فغالبا ما تقع المرأة في "توهم" الحب مثلاً مع الرجل لأنها تفتقد شعورها بالوجود لذاتها وأن لها قيمة خاصة لا تستمدها من نجاح أبنائها وسير الحياة فقط؛ خاصة حين لا يعبّرون عن شعورهم بتقدير ما قامت به من أجلهم، أو تقع في مثل ما تقع فيه والدتك -وتترجمينه خطأًً بأنها تستصغر سنها- وتريد السفر، فهي تبحث عن وجود قيمة لها بعد أن علمت أن دورها معكم لم يقابل بالتقدير اللازم.
.. من علامات النضج أن يعرف الإنسان حقوقه وواجباته وكذلك حدوده؛ فليس من حقك مراقبة والدتك، ولا من دورك ومسئوليتك إرشادها ولا مواجهتها؛ ولا محاسبتها على تقصيرها أو ذنوبها في حق الله أو في حق الآخر، فهي مسئولة تماماً عن تصرفاتها أمام الله عز وعلا.
.. كونها في الخمسين يجعلك تخافين عليها من مراجعة النفس ففي مثل هذه السن تمر المرأة بأزمة منتصف العمر؛ حين تعيد التفكير فيما سبق من حياتها وتراجع أحلام الصغر وشعورها بذاتها وأنوثتها فإن لم تجد حينها يدا قوية تعينها على المرور بتلك الفترة؛ تقع في المحظور ويأخذ هذا المحظور أشكالا عديدة حسب شخصية وماضي المرأة قبل الوصول لتلك الفترة فقد تترجم عند البعض في الغرق في العمل أو الانطواء أو المراهقة أو غيره من التصرفات فلتكوني لها أماً كما كانت لك أماً يا ابنتي.
.. أخوك الآن كبير يستطيع أن يفرق بين ما يجوز وما لا يجوز ورغم الاعتراف بأن ما يتربى عليه الإنسان يؤثر فيه بعمق إلا أن إرادة الإنسان تظل هي "الجوكر" الذي يلعب عليه الجميع رغم اختلاف شخصياتهم وثقافاتهم ليستحقوا أن ينالوا شرف الإنسان بحق فما عليك ألا أن يراك قدوة مقابلة للقدوة الغير منضبطة التي رآها وأن تذكريه برفق وبمصادقة لما لا تحبين أن تريه عليه أو ترضينه له.
.. الغرق في دوامة الماضي لن يجدي نفعاً بل ستظل "شماعة" تحت الطلب نضع عليها المبررات لضعف مقاومتنا في اتجاه التغيير. وكلما هاجمتك تلك الذكريات تذكري أنك كبرت "كفاية" لتستطيعي أن تقولي لنفسك أنه رغم خطئها الواضح في طريقة التربية إلا أنها كانت تعبر عن حبها وخوفها عليكم، فهناك فرق كبير جدا لا يمكن إغفاله يخص نفس التصرفات حين يكون المنطلق منها حب وخوف عليكم -كما يترجمه عقلها وإدراكها- وبين أن يكون المنطلق سطوة وسخافة وتقصير عن عمد.
.. حين يحب الرجل المرأة ويقرر أنه يريدها زوجة له هي تحديداً، لن يقف أمامه تصرفات الأم وأتصور إذا قمنا بعمل استبيان للأزواج ليعددوا مساوئ الحماة؛ فلن تكفي صفحات الموقع ولكن لم تكن تلك المساوئ أو التصرفات سبباً في عدم إتمام الزواج بمن اختاره قلبه لتكون زوجة له وأماً لأبنائه.
وأخيراً.... أتصور أنك إذا قمت بما اقترحته عليك رغم صعوبته فإنه سيجعل الحياة تختلف فالقرب من والدتك وإحساسك بها سيجعلها تشعر بك أكثر وتفكر في البقاء معك؛ والتجمل من أجل الحفاظ على الصورة الجميلة التي تضعينها لها في عينيك بعد أن توصفيها لها.
أما وزوجك الذي سيحبك أنت ويريد الزواج منك لأنه يهواك بصدق سيقبلك بظروفك فلا تخافي، وسيأخذ منك ما اقترحته عليك وقت وسيتطلب منك جهد ومثابرة وبناء علاقة تشوهت ولكنها تستحق التعب ولأنك إنسانة جميلة قوية تستطيعين أن تقومي بتلك المهمة إن شاء الله؛ بقي أن أذكرك أن الله هو من له الحق في الحساب ولقد أراد الله سبحانه أن يكون لك دوراً إضافياً في استعادة أمك لنفسها "قدر الإمكان" بالرفق واللين والحب لا بالركل والصراخ والعويل فلتدعيه كثيراً يا ابنتي وكوني صبورة لأن تلك الأمور تأخذ وقتاً وكذلك كوني قوية ناضجة وذكريّ نفسك بأنها أم عظيمة فلا تبخسيها حقها.