صديق عماد والاكتئاب الجسيم
السلام عليكم ورحمة الله، في البداية، أود أن أشكركم جزيل الشكر على ما تقومون به من عمل، شكر الله سعيكم وأجزل لكم الثواب. أما بعد، فهذه ليست المرّة الأولى التي أراسلكم فيها، فقد سبق أن راسلت الدكتور وائل بخصوص مشكلة الوسواس القهري الذي شفيت منه بحمد الله ثم بفضل توجيهات الدكتور.
أما اليوم، فإني أراسلكم بخصوص صديق عزيز لي طلب مني أن أبعث مشكلته آملاً أن يجد الحل لديكم. لست أدري كيف بدأت المشكلة مع صديقي، فقد انقطعنا عن اللقاء مدة عام، لكن عندما التقينا أنكرته لما طرأ عليه من تغيّر. كان عهدي به الصلاح والتقوى ولا أزال أحسبه كذلك والله حسيبه، وهو الذي خفف عني وطأة الوسواس القهري وساعدني كي أستردّ قواي.
كان صديقي ولا يزال يمارس الرّقية الشرعية رغم التزاماته المهنية ورجوعه إلي المنزل منهك القوى، حتى خشيت عليه من الإصابة بالإنهاك. لست أدري أأصبت في خوفي عليه!، لأنه لم يعد كما كان وإليكم التفاصيل:
يبلغ صديقي من العمر 30 عاماً ولا يزال أعزباً. منذ ما يقارب العام بدأ إيمانه يضعف تدريجياً، فأخذ يختلق الأعذار للتخلف عن صلاة الجماعة وحضور مجالس الذكر، والأدهى -حسب قوله- هو تفكيره في اقتراف المعاصي وكأنه يستهين بذلك ولسان حاله يقول: وماذا لو اقترفت المعاصي، أليس الله غفوراً رحيماً؟، فقد صار الرّجاء لديه مطلقاً وصار كأنه يستمرئ الذنوب رغم علمه أنها تزيده من الله بعداً، وصار ينفر من القرآن الذي طالما عالج به الناس، ولا يريد تلاوته حتى لا تقع عيناه على آية تفضحه حسب قوله.
واستمر الأمر معه إلى أن تجاوز الخطوط الحمراء بمعنى أن تفكيره أخذ منحىً آخر؛ جنسياً هذه المرة.. فقد صار يثار لأدنى مؤثر جنسي حتى ولو كان الأمر متعلقاً بمحارمه، إذ صار يفكر جنسياً في عمته، ويثار لرؤية ملابس النساء الداخلية، بل وتعدى الأمر هذا فصار يفكر في الممارسة الجنسية زنىً كانت أو عمل قوم لوط. ورغم ذلك كله؛ ما زال صديقي ينفر مما تدعوه نفسه إليه ويتذكر ويشتاق إلى ما كان عليه من إيمان، وقد عرض نفسه على راقٍ متمكّن فقال له بك سحر ولكنه لم يتابع الرقية واستسلم لهذه الأفكار.
أما عن زيارة طبيب متخصص، فلا يوجد منهم في المدينة التي نقطن بها إلا قليلاً، ورغم أن صديقي طالما نصح الناس بأحد الأطباء إلا أنه غير مقتنع بذلك الطبيب، وقد استنصحني فأشرت عليه من منطلق تجربتي مع الوسواس القهري أن الدواء سيكون مفيداً ولعله يقتنع إن أقنعتموه. بقي أن أذكر أعراضاً أخرى مثل الأرق وتنمل في الجهة السفلى اليسرى من الرأس وحالة نفسية سيئة كاد يقدم بسببها على الانتحار ودفع سيارته إلى الفراغ من فوق مكانٍ عالٍ.
هذه قصة صديقي الذي رجاني أن أراسلكم وأمله فيكم بعد الله كبير،
والسلام عليكم.
04/05/2008
رد المستشار
الأخ الفاضل "عماد الدين"؛
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بك على مجانين، وأحمد الله على سلامتك وشفائك من الوسواس القهري، بالنسبة لصديقك فمن الواضح أنه يعاني من أعراض اكتئاب جسيم، ولكن قبل أن ندمغه بالاكتئاب لابد من إجراء بعض الفحوص الطبية لاستبعاد وجود أي سبب طبي لأعراض هذا الاكتئاب مثل أورام المخ أو الجلطات أو أمراض الغدد الصماء وغيرهم من الأمراض العضوية التي قد يبدأ ظهورها في صورة أعراض نفسية، وتشتمل هذه الفحوص على:
أشعة مقطعية على الدماغ
تحليل دم: عد دم كامل، وتقويم لوظائف الكبد والغدة الدرقية والكلى والسكر والصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والفوسفور. وغالبا ما تكون نتيجة تلك الفحوص في المعدل الطبيعي، وعندئذ يبدأ الطبيب النفسي في وصف دواء واحد أو أكثر من مضادات الاكتئاب مثل الفافيرين أو الإيفكسور أو التريبتيزول أو غيرهم والتي ستساعده على النوم والأكل بصورة جيدة في البداية،
أما الحزن والضيق والأفكار السوداوية والتشاؤم فستبدأ في التحسن بعد أسبوعين من العلاج، وتصل إلى قمة تأثيرها بعد ستة أسابيع، وخلال هذه الفترة يجب أن يكون المريض تحت إشراف متواصل ليل نهار من الأهل والأصدقاء لتجنب قيامه بالانتحار، ونظراً للأفكار الجنسية الشاذة لديه والتي لم يقم بعمل أي منها (مجرد أفكار)، نجد المريض في هذه الحالات يستفيد من استخدام أحد مضادات الذهان التي تقلل من الرغبة الجنسية وفي نفس الوقت تحسن من أعراض الاكتئاب، وتقوي عمل وتأثير مضادات الاكتئاب مثل الدوجماتيل أو الريسبريدال أو الزيبركسا بجرعات صغيرة، وخلال شهرين من العلاج ستتحسن معظم الأعراض التي يعاني منها، ولكنه سيحتاج للاستمرار على العلاج لمدة ثمانية أشهر على الأقل (بجرعات دوائية أصغر) حتى نتأكد من زوال نوبة الاكتئاب لديه، بعدها يمكن وقف العلاج بصورة تدريجية.
أخي "عماد الدين"
تعتبر حالة صديقك من النماذج الدالة على أن سبب الاكتئاب الجسيم هو سبب عضوي في الدماغ بالدرجة الأولى، ويأتي بعد ذلك الأسباب والمؤثرات والضغوط الاجتماعية والبيئية المحيطة التي تؤثر على المريض فتظهر المرض، فصديقك يستخدم آيات الشفاء ليل نهار مع مرضاه، ورغم ذلك صارت له هذه الانتكاسة المرضية!!!، بمعنى آخر هو يردد مع مرضاه آيات الشفاء والمعوذات وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، عشرات المرات يوميا ورغم ذلك أُصيب بتلك الأعراض المرضية السيئة، وقد يكون هذا الاضطراب النفسي ابتلاءً من الله عز وجل ليرفع من قدره ويزيد من حسناته ويحط عنه سيئاته، وقد يكون بسبب ذنب ارتكبه وألم به.
أما موضوع "الحسد والسحر" فمن الواضح أن كل أهالي المرضى وذويهم في منطقتنا وكذلك معظم أبناء أمتنا الواحدة يرجعون أسباب اضطراباتهم النفسية إما للسحر وإما للحسد أو للاثنين معا!!!، لدرجة أن مليارات الجنيهات تضيع سنويا في علاج السحر والحسد!!!، (وهذا بإحصاء المعهد القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في مصر وحدها!!!)، فما بالكم بما تنفقه شعوب أمتنا الواحدة مجتمعة؟!!، ولماذا نُحمِّل السحر والحسد وحدهما كل مشاكلنا وكل عيوبنا وكل إهمالنا وكل سيئاتنا وكل تقصيرنا وجهلنا؟؟!!، وأستدرك هنا فأقول: أنني أؤمن بأن آيات القرآن الكريم والأدعية المأثورة لهم دور علاجي فعال، ولكن لا ينبغي أن نترك العلاج عند أهل التخصصات المختلفة في الطب، ونلجأ فقط لأهل الرقية الشرعية، كما يفعل بعض المتدينين، أو كما يفعل العوام باللجوء إلى الدجالين أو المشعوذين أو السحرة والعياذ بالله لدفع السحر والحسد!!!، وقد فعل ما أقوله نبينا صلى الله عليه وسلم مع الصحابي المريض بعد أن رقاه، فقال للصحابة استدعوا له الطبيب، فتعجب الصحابة وكأن لسان حالهم يقول: أبعد رقياك له يا رسول الله دواءً نافعاً من أي طبيب!!، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مُعلِما لأمته: "تداووا عباد الله فإن الله لم يخلق داء إلا وخلق له دواء إلا الهرم"، وقد طلب صلى الله عليه وسلم من كبير أطباء عصره من العرب "الحارث بن كلدة" أن يصنع دواءً لمرض سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم جميعا ففعل، وكان سيدنا سعد بن أبي وقاص من معمري الصحابة.
وخلاصة القول: ألا مانع أبداً من الرقية الشرعية بالآيات القرآنية والأدعية المأثورة ولكن يصحب ذلك وفي نفس الوقت وبلا تأخير ولا تردد العلاج عند أهل العلم والتخصص من الأطباء سواء بالأدوية أو جلسات الكهرباء أو العمليات الجراحية -في الحالات الجراحية والنساء والتوليد مثلاً- إذا لزم الأمر.
دعواتي القلبية الحارة لصديقك بالشفاء التام والعاجل، وأنصحه بالزواج بعد أن تستقر حالته النفسية مباشرة –إن كان له رغبة في ذلك– حتى يُحصِنَ نفسه من الوقوع في شرك الرزيلة والشذوذ وشؤمهما، وفي انتظار أخبار تحسنه ثم شفائه.