السلام عليكم ورحمة الله
أنا آسفة إن كنت أطيل عليكم، لكن أنتم أملي الوحيد في العلاج، فلا يدري بمشكلتي بعد الله غيركم. بدأت المشكلة حين انتقلنا في المعيشة من القاهرة لأسوان؛ حينها بدأت حياتي تنفلب، كنت طبيعية ككل الناس ولكن اختلاطي بالدنيا والناس عرّفني أشياء لم أكن أعرفها، أود أن أسأل سؤالاً: لم لا يتساوى الناس في النعم؟ كنت أسأل نفس هذا السؤال كثيراً، كنت أرى بنات شعرهن خشن جداً وأخريات خشن قليلاً وأحسد نفسي على أني أحسن منهن، وأحاول أن أستغفر الله، وأحاول أن أنسى ولكن بلا فائدة، حتى صار شعري يسقط وينحل بشكل غريب!! رغم أنّه طويل وناعم أحسد نفسي على النعومة والطول، عشت شهوراً بين نارين.. أتمنى التخلص من هذه العادة.
أيضاً حين "كبرت" كما "تكبر" كل البنات- اعذروني سأتكلم بكل صراحة معكم لأني لا أجد حلاً- رأيت بنات فوق الخمس عشرة سنة لكنهن أطفال لم يكبرن! حسدت نفسي وسألت نفسي لمَ لم يكبرن؟ وحين لا أجد إجابة أحسد نفسي على أساس أني في نعمة ليست عندهن، مع أن صديقات كثيرات قد كبرن، ومنهن ذات الشعر الناعم والطويل.
صرت أحسد نفسي على كل شيء! كأنه وسواس حين أكون في إجازة أو وقت فراغ، لكن ما دمت مشغولة لا تأتيني هذه الأفكار أبداً، والغريب أني أكون سعيدة أجد أحداً عنده ما عندي ولكنها راحة مؤقتة، أحاول أبارك على نفسي كثيراً ولكن بلا فائدةّ! حتى في الذكاء؛ لأني ذكية ومجتهدة في تعليمي صرت أحسد نفسي حين أقارنها مع غيري ممن ليسوا أذكياء أو مجتهدين أو لا يستطيعون التركيز وأسأل نفسي لماذا؟ وحين لا أجد إجابة يبدأ الحسد وأفكّر في نفسي لو زالت كل النعم وبقيت بلا شيء فكيف سيكون حالي؟! فيرعبني المنظر.
أتمنى أن يزول هذا الوسواس لأعيش ككل الناس من غير حسد، حتى مستواي التعليمي تأثر وصرت جيد بعد ما كنت فوق الامتياز، أريد أن أعود كما كنت في السابق وأنا في القاهرة. أنا آسفة مرة أخرى على الإطالة وليتكم تجدون لأسئلتي التي تبقي الوسواس في رأسي منذ سنة إجابات، أنا خائفة من حسدي لنفسي أن أفقد كل النعم، كما أني عاجزة عن التخلص منه، ولا أستطيع الذهاب لطبيب نفساني لأن عائلتي ستعتبرني مجنونة ولن يرضوا بذهابي إليه إن وجدن وظروفنا المادية "نص ونص".
لا تردوا عليّ بالبريد الإلكتروني لأني أغلقته ولن أفتحه ثانية، أرجو الرد السريع على هذه المشكلة لأنني أموت.
أنا آسفة جداً جداً جداً على الإطالة.
وكما قلت في رسالتي السابقة أتمنى أن تسمعوني وتحتملوني لأنكم أملي الوحيد وشمعة النور التي ستنير طريقي، أنا أخشى محادثة أهلي في أي شيء لأنهم أول من سيشتمنا وبالأخص أبي... كان يقول عني من صغري أني معقّدة نفسياً وابنة خالتي كذلك -مثلي معقدة برأيه- ولا أصادق أحداً.
المهم هي تتأثر جداً بالتليفزيون وما يجري فيه ولا يخفى عليكم دور الأفلام الرومانسية وأفلام خالد يوسف وما يعرض فيها من مبادئ لا تليق بقيمنا وأخلاقنا، فروت لي ابنة خالتي مشكلتها واستحلفتني بالله أن أرويها لكم أنها على وشك الانتحار؛ فثقتها بنفسها تراجعت لأدنى الدرجات، وهبط مستواها التعليمي وتحوّلت من الفتاة العاقلة الواثقة بنفسها إلى الفتاة الحائرة بين قيم مجتمعنا والقيم التي يعرضها التليفزيون، وأنصحها بالنصائح التي تعرفها جميع الفتيات المؤدبات فتقتنع بها اقتناعاً بسيطاً وأحسها في بعض اللحظات تميل لها أكثر من تلك القيم الدخيلة، ولكنها بدأت تقنعني بها فتقول: "كل البنات تفعل ذلك، أتظنين أن البنات في التليفزيون لسن مؤدبات، بل هن مؤدبات ولكن يسايرن الحضارة"،
في أحيان كثيرة تندم على هذا الكلام وتتمنى ألا تشاهد التليفزيون ثانية لكي لا تقتنع بتلك القيم وتود أن ترجع مثل زمان، كانت واثقة من أنها على حق وهم على باطل ولكنها الآن مذبذبة وتسألني وتسأل نفسها لماذا يفعلون ما يفعلونه في التليفزيون؟ هن من المؤكد مؤدبات مثلنا! ووصلت لحالة نفسية سيئة وهى على وشك الانتحار خوفاً من الوقوع في بئر الرذيلة النتن والحيرة في التمسك بالقيم الإسلامية.. وأنتم أملي وأملها الوحيد لأن العدوى وصلتني ونقلت إلي حيرتها، فأرجوكم أنقذونا وخاصة أنها قليلة الكلام مع أمها وأنا مثلها.
أرجو الرد السريع وآسفة على لإطالة.
08/06/2008
رد المستشار
صديقتي؛
الجمال مسـألة نسبية لها علاقة بما يفضله الناظر... الله جميل يحب الجمال وقد وضع الجمال في كل شيء ولم يبخل على أحد في شيء.. فمثلا في العشرينات من القرن الماضي كانت المرأة الممتلئة هي المرأة الجميلة المرغوبة وكانت المرأة النحيفة مثارا للسخرية والنكات.. ثم انقلب الأمر في أواخر القرن الماضي إلى أن أصبحنا نرى مشاكل نفسية عديدة لها علاقة بوجهة نظر الشخص عن جسده أو جسدها.. مشاكل لا داعي لها على الإطلاق... هناك من يحبون الشعر الطويل الناعم وهناك من يحبون الشعر المجعد أو القصير أو الخشن.. المسألة لها علاقة بما يراه الشخص ويسميه جمالا.. ليس هناك مقياس واحد في كل زمان ومكان للجمال ولكن الشيء الجذاب حقيقة هو الجسد الصحيح الصحي المتناسق والذي يكمله عقل ذكي وشخصية ذات كفاءة وثقة.. كم من مرة نرى من نعتبرهم على قدر كبير من الجمال، سواء الرجال أو النساء، يتزوجون ويحبون من نعتبرهم أقل منهم جمالا أو حتى نعتبرهم علي جانب كبير من القبح والدمامة (بمقاييسنا الشخصية والتي نعتقد أنها عامة وموحدة).
ما سوف يزيل النعم لا محالة هو عدم الإحساس بقيمتها وعدم استخدامها بطريقة صحية وصحيحة.. الغريب هو ما تصفينه بحسد النفس... الحسد هو أن أتمنى أن تزول النعمة من آخر وتكون لي وحدي (لاعتقادي أن هذه النعمة تعطي هذا الشخص ما لا يمكنني تحقيقه) فكيف يمكن أن تحسدي نفسك؟؟؟ كيف يمكنك أن تكرهي نفسك إلى حد تمني زوال النعمة منك؟؟
من ناحية أخرى، ما الذي يشغلك تحديدا؟؟ في الحقيقة، السؤال هو ما الذي تخافين من التفكير فيه أو أن يعبر في ذهنك ولو عبورا سريعا؟؟
ربما العيش في أسوان مع رغبتك في العيش في القاهرة هو أحد أسباب هذا الغضب الذي تصبينه على نفسك بدلا من أن تعبري عنه لأهلك.. ربما توقفت عن مزاولة العديد من الأنشطة والهوايات التي كنت تمارسينها في القاهرة.. ربما تريدين الحب والزواج وتخافين من الفشل في هذا.. ربما تعتبرين أن الحب خطيئة وتريدين عقاب نفسك على رغبتك فيه.. ربما هذه هي مشكلتك التي تشاركينها مع ابنة خالتك.
من ناحية ما نراه في الأفلام أو التليفزيون فهو عرض درامي (أي غير مطابق بالتحديد للحقيقة) لما يحدث بعض الأحيان في الحياة وهذا بالطبع لا يعني أن نفعل كل ما يقدم على الشاشة على أنه شيء طبيعي أو عادي أو يجب علينا اتباعه بطريقة عمياء.. الخير والشر متاحان للجميع وكذلك الفضيلة والرذيلة والمسألة لا تحتاج للتليفزيون أو السينما لتعريف الناس بها لأنها مسألة قديمة قدم التاريخ الإنساني نفسه.. المسألة مسألة اختيار الشخص للمبادئ والقيم التي يريد أن يعيش طبقا لها، سواء أخذها من التليفزيون أو الآخرين أو الكتب أو الشيطان أو رجل الدين..
ما هي المبادئ والقيم التي تريدين أن تعيشي وفقا لها وكما يقول القرآن الكريم في سورة المائدة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ....(المائدة:105)" وفي سورة الكهف "....فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ....(الكهف:29)".. لا أدعي أنني عالم دين بأي حال من الأحوال ولكن مسألة اختيار طريق الخير أو الشر مسألة واضحة في كل الأديان والإنسان مسئول عنها مسئولية كاملة ونقاش أو مزاح فيها.
ارجعي أولا لما كنت تمارسينه من أفكار وأسلوب حياة قبل كل هذا اللغط والوساوس ثم ابدئي في تطويره رويدا رويدا ولكن باستمرار.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب