التفكير في الغيبيات
أولاً أنا من فترة قريبة لم أكن ملتزمة بالصلاة والطاعة تماماً ولكن الحمد لله أنه هداني، لكن فجأة بدأت أفكر في الغيبيات كثيراً لدرجة أني شعرت أن دماغي تلخبطت.
أنا أعرف أننا يجب أن نؤمن بالغيب لأنه من عند الله لكن حين تبدأ الأفكار في الدوران في رؤوسنا كيف نوقفها؟
أنا خائفة من غضب الله عليّ وفي كل صلاة أدعوه الثبات على الإيمان وأن يبعد عني كل سوء ووسوسة الشياطين (أهو مسألة نفسية أم عادية وطبيعية، فأنا أخشى التحدث إلى أحد فيظن أني جننت!).
27/07/2008
رد المستشار
أهلا ومرحبا بك على موقع مجانين. كوم
الوساوس أمر طبيعي يلحق الإنسان، وليس هناك إنسان لم تصبه وساوس أو تخطر على باله مثل هذه الأمور، ومن هنا، فالتعامل مع مثل هذه الحالة هو أمر طبيعي جد، فلا تظني أنك مختلفة عن الناس، فكم من الناس يأتيه وساوس كثيرة في حياته، وكل حسب اهتمامه، فمن كان اهتمامه زائدا بالعمل كانت الوساوس تأتيه من قبل العلاقات مع الزملاء وطبيعة العمل، وعلاقته مع المدير وغير ذلك، وربما أتت الوساوس في العلاقة الزوجية بين الزوجين، وربما يظن أن أحدا قد عمل لهم (عملا) سحريا، أو غير ذلك.
وبطبيعة الحال وأنت في الخطوات الأولى من الالتزام، ولأن بؤرة الشعور والاهتمام تنعكس أكثر في تدينك، فإن الوساوس ستأتي في هذا الإطار، وخاصة فيما يخص الغيبيات؛ لأن الوساوس من الشيطان، وحين يرى الشيطان أحدا يلتزم، فإنه يسارع في تشكيكه في وجود الله تعالى، وهل الله تعالى خالق فقط أم أنه – تعالى الله- مخلوق؟!! وغير ذلك مما يوسوس الشيطان للإنسان في هذا المجال.
إن الوساوس والشك المتعلقين بالإيمان لهما شقان: شق ديني من وساوس الشيطان، وشق نفسي إن وصلت الحالة إلى ما يعرف بـ(الوسواس القهري).
أما عن الشق المتعلق بالإيمان، فقد نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أن مثل هذه الحالة ستصيب عددا من المسلمين، وأرشدنا إلى العلاج أيضا، وذلك في حديث عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس يسألون حتى يقولوا هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنا بالله».
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق السماء؟، ومن خلق الأرض؟، فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟، فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله ورسله». وفي رواية ثالثة: "فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله عز وجل".
وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحالة أن ندعو قائلين: «اللهم أعوذ بك من وساوس الصدر، وشتات الأمر، وفتنة القبر، وشر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وما تهب به الرياح، ومن شر بوائق الدهر»، كما أن وسائل علاجها كما بين العلماء الاستعاذة بالله تعالى، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد قال تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)، ومن ذلك ألا يفكر الإنسان في أمر هذه الوسوسة ولا يبال بها، وإن كانت مشبهة مستقرة في نفسه سأل عنها، وإن لم تكن مستقرة، لا يبال بها ولا يسأل عنها.
ومنها كما قال الإمام الخطابي – رحمه الله-: ترك الفكر فيما يخطر بالقلب من وساوس الشيطان والامتناع من قبولها واللياذ بالله في الاستعاذة منه والكف عن مجاراته في حديث النفس.
ومن جميل ما قاله الإمام عبد الرحيم العراقي من فقهاء الشافعية في هذا الأمر: وباب ما يوسوس به الشيطان إليك غير محدود ولا متناه؛ لأنك كلما ألزمته حجة وأفسدت عليه مذهبا زاغ إلى أنواع أخر من الوسواس التي أعطي التسليط فيها عليك، فهو لا يزال يوسوس إليك حتى يؤديك إلى الحيرة والهلاك والضلال فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم عند ما يعرض من وساوسه في هذا الباب إلى الاستعاذة بالله من شره والانتهاء عن مراجعته وحسم الباب فيه بالإعراض عنه والاستعاذة بذكر الله والاشتغال بأمر سواه. انتهى
المهم أن نتعامل مع ظاهرة الوسوسة بشيء من التعقل، وألا نعطيها أكثر من حقها، فإن الله تعالى ضمن لنا ما نعمل من الأعمال الصالحة ومن الإيمان، فقال: (وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم).
أسأل ربي في عليائه وبعظمته وبقدرته على خلقه أن يذهب عنك وساوس الشيطان، وأن يحفظك من شر كل إنس وجان.