الأحضان والقبلات لا توجب الزواج
أشكركم جزيل الشكر على ما تبذلونه من جهد لمساعدة من تعرفون ومن لا تعرفون، وشكر خاص لوالدتي الحبيبة الدكتورة نعمت ووالدي الحبيب الدكتور أحمد عبد الله، والله إني أحبكم في الله وأسأل الله أن يجمعني بكما في الدنيا والآخرة، ليتني أكون مثلكما يوماً ما. أرجو أن تكونا من يجيب على تساؤلاتي.
والله إني أكتب هذه المشكلة بعد تردد شديد، فأنا أحس بالخجل من طرحها والعالم الإسلامي يعاني من المصائب ما يشيب له الرضيع، لكني قررت أنا أرسلها لكي أحسّن حالي وأتجاوز هذه المرحلة السيئة التي أمرّ بها، عسى الله أن يغفر لي خطيئتي.
بحثت كثيراً في المشاكل لأجد حالة مثل حالتي، بعضها تشابه حالتي لكن ليست مثلها بالضبط، أرجو أن تردوا على تساؤلاتي في مدة لا تزيد عن أسبوع، وإن لم تقدروا فأنا مقدرة لظروفكم ومدى انشغالكم، ولكن لأن أهل الخطيب ينتظرون الجواب.
إني أبلغ من العمر 18 سنة، في الجامعة، سأبدأ دراستي في الهندسة الوراثية بإذن الله فقد أنهيت أول أربعة أشهر في الإنجليزي. جنسيتي سورية ولكني لا أعيش هناك ولم أولد هناك أيضاً، أعيش منذ ثمانية سنوات في المهجر، وهنا اختارتني الجامعة للمنحة لمعدلي العالي، وكان من شروط المنحة أن أدرس الإنجليزي في مدينة أخرى غير المدينة التي أعيش فيها مع أهلي، وبالفعل ذهبت هنالك بعد أن صليت استخارة. رجعت من هناك بعد أربعة أشهر بهذه المشكلة.
حقيقة كنت -ولا أدري إن ما زلت- فتاة ملتزمة، وأنا بالفعل أخاف الله جداً وأرجو مرضاته، وأرجو أن أخدم الإسلام يوماً ما -هذا هدفي وحلمي في الحياة- ولهذا دخلت هذا الفرع الصعب لعدم وجوده في البلاد العربية وخاصة عند المسلمين عسى أن أفيد به الإسلام يوماً ما.
سأعود بكلامي إلى الماضي.. عندما ذهبت إلى هذه المدينة قبل أربعة أشهر وبدأت الدراسة هناك درست في معهد مع الطلاب الآخرين المختارين للمنحة أيضاً، ثم اختارني الطلبة أنا وشاب من بورما (يتكلم العربية باللهجة السعودية فقد ولد وتربى في مكة) لننظم نشاطات المعهد. أعجبت -إعجاباً فقط- بشخصيته وأخلاقه، وخاصة أني سمعت أنه حافظ للقرآن.
بعد أيام طلب مني رقم هاتفي فأعطيته إياه إن احتاج لأي شيء من أجل النشاطات، ووالله إني لم أفكر وقتها على أساس الزواج به أو حباً فيه، فقد يمر بالإنسان أناس يعجب بهم ولا يفكر بشيء آخر. بدأ بعد ذلك بإظهار حبه لي، وقد كتب لي كلمات أيضاً تدل على ذلك فأحسست بالذنب لأني رددت على مكالماته الهاتفية، وقلت له بأني لست راضية على ما يحصل وأني أخاف من غضب لله، وأني لا أتكلم مع إنسان لا أعرف ما هدف مكالماته! وأن هذا الطريق طريق غير شرعي، ففهم واعتذر.
بعد فترة طلب أن يخطبني، فقلت له بأن يتكلم مع أهلي بعد رجوعي إلى مدينة أهلي وانتهاء مدة دراستي بعيداً عنهم، لأني كنت خائفة أن يرفض أهلي رجوعي لإكمال الأربعة أشهر خوفاًَ عليّ وبذلك تضيع منحتي، وخلال تلك الفترة -تقريباً شهر- بدأ الكلام بيني وبينه يزيد، فقد أردت أن أعرفه أكثر- أعلم أنه كان خطأ مني لكني تبت ولم أعد أكلمه، لكن بعد أن حصل شيء لم أكن أتوقع أن يحصل مني أنا... على كل حال سأكمل تدريجياً.. بدأت أعرف أن أهدافه نفس أهدافي وأن أفكاره مشابهة لأفكاري في أغلب الأحيان، وبدأ هو يحبني أكثر يوماً عن يوم (هذا ما قاله) على الرغم من أني لا أحس بذاك الحب الشديد تجاهه، لكني لا أنكر أني أميل له وأسعد بالكلام معه. بعد فترة قلت لوالدتي عنه ففرحت به كثيراً، فلما رأيت هذا القبول غير المتوقع منها -لاختلاف جنسيته- قلت له بأن لا داعي للانتظار إن أراد أن يثبت لي نيته السليمة، فجاء لخطبتي وأحبه أهلي كثيراً ولم يكن عندهم من اعتراض عليه.
بعدها كنت أروح وأرجع من مدينة أهلي للمدينة التي أدرس بها، وكانت المسافة 7 ساعات ورجع معي عدة مرات بوجود صديقتي العزيزة -لم أرجع معه وحدي أبداً- وقتها وخلال هذه الفترة زاد كلامنا حتى تقريباً عرف عن حالنا أغلب من في المعهد.
المهم.. بعد فترة أخطأت خطأ عظيماً جداً جداً، أعلم أنها صدمة لكم أن تفعل ذلك إنسانة مسلمة حتى ولو لم تكن ملتزمة، ولكن والله لا أدري كيف حصل هذا الفعل... فقد حصل تقبيل واحتضان، وذلك لمّا سمحت لنفسي أن أخرج معه مرة وحدنا! غفر الله لنا، والله ما كنت بحياتي كلها أتخيل نفسي أن أفعل ما فعلته! كنت عندما أسمعه من أي بنت أصدم وأتقزز!.
المهم بعدها بفترة رجعت للمدينة نهائياً لأن فترة الدراسة انتهت.. وقد جاء للبيت عدة مرات، وكان آخر اتفاق بين أهلي وبينه أن يتصل أهله ليخطبوني رسمياً وبعدها نعطي الرد الأخير.. ولقد عاد منذ عدة أيام للسعودية وسيتصل أهله للرد بأي لحظة.. ولم أقرر بعد، مع العلم أنه كما قلت لكم. لم أعد أتكلم معه منذ أيام، وقد قررنا ألا نتكلم حتى يكون كل شيء رسمي وبالحلال.
الآن بعد أن ذكرت القصة أريد أن أضع تساؤلاتي:
1- ذكرت لكم ما حصل... وهو لم يتوقف عن قول كلام لا يجوز له قوله، فهل هذا دليل على قلة التزامه أم أنه خطأ؟ مع العلم أني لا أقول ما يقوله لي ولا أوضح شعوري مثل ما يفعل. والله محتارة من أمره! فقد أرى منه أشياء تدل على شدة الالتزام، ولكن عندما يتكلم ويتصرف معي لا أحس بهذا الالتزام، على سبيل المثال: طلب مرة مني أن أتعلم الغناء لأنه يحب أن تغني له زوجته في المستقبل وأن لا أحب الغناء! عندما سألت عن أخلاقه كان جواب الجميع إيجابي جداً، وعلمت أنه يصلي الفجر بالمسجد وأن من حوله يسمونه بالشيخ.
2- هل الزواج عائق لي في الدراسة؟ مع العلم أنه أيضاً يدرس الهندسة ونفس السنة الأولى ولكن غير تخصص. وعندما ذكرت له هذه النقطة قال أنه بالعكس ليس عائقاً أبداً وأنه بإمكاننا مساعدة كل منا الآخر؟، لكن الشيء الآخر الذي لاحظته أنه يحب الأكل المنزلي ولا أدري إن كنت قادرة دوما على تنفيذ رغباته لدراستي؟.
3- هل الذي حصل معنا من أخطاء يجب أن يكون دافعاً لنا للزواج؟ لأني بصراحة أحس بالذنب، وعندما أفكر بأني إن رفضته وتزوجت غيره أكون بذلك فعلت خطأ. وهل ما فعلته يؤثر على نظرته لي في المستقبل وعلى مدى احترامه وثقته بي؟ والله إنه إحساس قاتل! كلما أتذكر ما أحصل أحس بالندم والإحباط، وأني إنسانة طائشة لا حياء لها ولا عفة.
4- هل وسائل منع الحمل تضر كثيراً بالبكر وخاصة إن كانت أقل من العشرين؟ وهل لها تأثيرات سلبية كالسمنة والعصبية والغضب ووو....؟ وهل ممكن أن تسبب العقم؟ وخاصة إن وصلت مرحلة الاستخدام لسنتين؟ وما الحل لمن تزوج ولا يريد الأطفال خلال أول ستنين أو ثلاثة؟.
5- هل الزواج المبكر أفضل أم أن رأي والدتي بإنهاء الجامعة أولاً أفضل من الناحية الشرعية؟ ما رأيك يا دكتورة ليلى، لو خطبت ابنتك لشاب وهي ما زالت في الجامعة أتوافقين، أم تفضلين أن تنهي الجامعة أولاً مع العلم أن الشاب قد لا يرجع؟ وما رأيك يا دكتور أحمد؟.
6- هل وجود الحب قبل الزواج لازم أو أفضل أم أن يكون ثمرة الزواج؟ فأنا غير متأكدة من شعوري بعد، وبالحقيقة خائفة من أن يكون حب طيش وحبه أيضاً مع العلم أن عمره 23 سنة.
7- بالنسبة للحالة المالية؛ هو لا يملك عملاً ولكن هناك جمعيات تصرف عليه وأخيه الأكبر، وفي النهاية تكون النتيجة 1500 بالشهر، ومع منحته ومنحتي تصير تقريباً 2000 بالشهر، فهل ترك أمورنا المالية على الجمعيات- مع العلم أن إحدى الجميعات التي تتبرع له 750 بالشهر قد تسحب منحتها بسبب عدم التزامه بقانون عدم الزواج أثناء الدراسة- نوع من التهور؟ ولكن منذ أيام وجدت عملاً جيداً جدا يكسب بعض المال وهو يمكنه أن يقوم به؟ فما رأيكم؟.
هناك شيء أقلقني هو أني كنت السبب في الكذب على أهلي؛ عندما صارحني بحالته المالية قلت له ألا يذكر كل هذه التفاصيل لأهلي ولا يقول لهم بأني إن تزوجنا سأساعده بمنحتي، لأني أعلم بأنهم لن يرضوا به أبداً، لذلك هو قال لهم بأنه يأخذ من أهله كل شهر 2000، فهل هذا يدخل ضمن "كل ما بني على باطل فهو باطل"؟.
8- هل اختلاف الجنسيات له أثر على الزواج كما نصحني أهلي؟ وهل رغبة أهلي بأن أتزوج من جنسيتي له تأثير على مدى محبتهم له إن تزوجته؟.
9- أخيراً، آسفة جداً على الإطالة ولكن كان من الضروري شرح التفاصيل حتى يكون الأمر واضح، وتكون نصيحتكم مناسبة، هل ما أحسه من قلق وخوف شيئاً طبيعياً؟ فكثيراً من الأحيان أحس أني ما زلت غير مستعدة لمثل هذه الحياة، وأني ما زال أمامي الوقت الطويل، وأنه قد يأتي من هو أفضل منه... أحس بتضارب الأحاسيس، فهل هذا طبيعي؟ مع العلم أني صليت الاستخارة كثيراً كثيراً ولم ينشرح صدري لشيء، كما أن ما فعلناه من أخطاء يزعجني كثيراً.. هل يبارك الله لنا بعد ما حصل "أوَ من بنى بيته على شفا حفرة فنهار به"؟ هل يرضى الله على زواجنا؟ لقد قال الله تعالى ((ومن يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب)) هل ما أفعله صحيح؟ هل خطوتي صحيحة؟.
أرجوكم أفيدوني وأعينوني على اتخاذ قراري، فأنا في حيرة من أمري... لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وجزاكم الله كل خير وأسكنكم فسيح جناته...
والسلام عليكم.
رد المستشار
الابنة الكريمة،
لأسباب لا أعلمها وصلتني رسالتك اليوم فقط!
واليوم هو الخميس يوم الثامن إبريل– نيسان، ولذلك تأخرت بالرد عليك فسامحيني.
يفيدك ترتيب مفردات قصتك حتى تتضح أمامك الخريطة، ويكون حكمك أقرب إلى الصواب والسعادة بمشيئة الله.
إذا كان ما وقع بينكما –في لحظة اندفاع– هو مجرد أحضان وتقبيل فهو أمر متوقع –ولا أقرّ بصوابه طبعاً– ويحدث بين المتحابين إذا حدثت الخلوة وغاب الرقيب الخارجي، لأن الرقيب الداخلي يكون مخدراً تحت نشوة المشاعر العاطفية، وما حدث هكذا لا يلزمك في ذاته بالارتباط بهذا الشخص، وهو عارض أرجو ألا يتكرر، ولا تلزمك منه إلى التوبة والاستغفار، والله يغفر لك ولنا.
أما أن تربي على هذا العارض شؤوناً أكبر من مجرد التوبة وكتمان الأمر عن كل الناس، عملاً بالتوجيه الشرعي أن يستر الإنسان على نفسه بما ستره الله سبحانه، أما وضع الأمر في أكبر من حجمه فهو ضار بك للغاية. وتتوقف نظرته إليك بعدما وقع ما وقع على شخصيته ونضج إدراكه قبل أن يتعلق بالتزامه، فإذا اعتبر الأمر عارضاً حدث تحت اندفاع الرغبة، ووقع هو فيه مثلك سواءً بسواء، وهو يتعامل معك بدرجة من الانفتاح، وهو ما تقولين عنه بأنه يقول ويطلب أشياءً تدعو إلى الشك في التزامه، وربما هو يطلبها ويقولها لأنه اعتبرك زوجته باعتبار قبول أهلك، وما يراه من إقبالك عليه فيتبسط معك في هذا الإطار، ولو فعل هذا مع غيرك لارتقى شكك في التزامه إلى درجة اليقين. ويبدو أنه شاب عاطفي يحب الغناء، ولا أرى بأساً في أن تغني الزوجة لزوجها، إلا أن يكون صوتك مزعجاً بالغناء (أبتسم).
وربما تحتاجين إلى التدقيق أكثر في تصرفاته في شؤونه المختلفة وتعاملاته مع الناس والأمور، ليتضح لك التزامه من عدمه، أما أنه يصلي الفجر في المسجد، أو أن أصحابه يقولون له يا شيخ... إلخ، فهذا لا يدل على شيء إيجابي مؤكد، كما لا تدل تصرفاته معك على شيء سلبي مؤكد، ويلزمك الغوص أعمق، والنظر أكثر في سلوكه يا ابنتي.
إذا كان مرناً ومتفهماً ويحبك حقاً فسيكون لك عوناً في دراستك، وسيقبل أحياناً بوجبة منزلية "مخربطة" (أبتسم) بحجة الدراسة، وهناك من الطعام ما لا يحتاج إلى وقت طويل أو جهد كبير في إعداده، فاسألي والدتك تعلمك، أو تجدين وصفات في كتب الطبخ تفيدك، ولا تتخلفي عن أهل الشام المعروفين بجودة الطبخ، وتذكري دوماً أن الزوج الصالح يحب أن تنشط زوجته في خدمة الإسلام، ولكنه أيضاً لا يستغني عن الطعام الشهي، وليس من العدل أن نقول له اختر بين هذا وذاك، أليس كذلك؟!.
وأفضل وسيلة لمنع الحمل في حالتكما هي العزل، وكانت توجد أقراص موضعية تضعها الزوجة في قناة المهبل قبيل المعاشرة، ولا أدري هل ما زالت موجودة أم لا؟! المهم أن الوسائل الموضعية هي الأفضل لكما. ولا يوجد رد ثابت أو حاسم يجعل من الزواج اختياراً يحسن قبل إنهاء الجامعة أم بعدها، ولا تشترط السعادة أن يحصل حب قبل الزواج، ولكنه إن وقع يكون مفيداً ومقويّاً للعلاقة طالما لم يلغ هذا الحب أحكام العقل ودوره –إلى جانب المشاعر– في الاختيار، ويساعدك على ضبط اختيارك أن تشركي أهلك معك في التدقيق والسؤال، وكذلك قد تجدين من تثقي في عقله وحكمته ليرى طلب النصح من أي ثقة تتوسمين فيه أو فيها القدرة على المساعدة ولا أجد داعياً للتسرع في إتمام الأمر، بل يفيدك التمهل للمزيد من اختبار المشاعر، وكذلك التدقيق في الطرف الآخر بوضعه تحت مجهر الأيام والليالي، والأحداث والمواقف لتظهر عيوبه، أم أنه مجرد "حب أول" ستتركينه وتكملين؟!. والزمن ينضج المشاعر، وتخبرك الأيام بما يكون غامضاً الآن، فلا تتسرعي تحت أي ضغط، بل خذي وقتك دون أن تتورطي مرة ثانية فيما تندمين عليه، أو تلومين نفسك بسببه كما يحدث حالياً.
واختلاف الثقافات له تأثير على الزواج، ربما يقلّ هذا التأثير إلى أقل درجة حين يقترب كل طرف من ثقافة الآخر، ويفهم أسرارها وطقوسها، ويتطبع ببعض طباعها، وربما يغادر أحد الطرفين ثقافته إلى ثقافة الطرف الآخر بالكامل، وهذا يفيد أكثر من ناحية تقليل آثار الاختلاف الثقافي، وأحيانًا يغادر الطرفان مواقعهما الثقافية إلى ثقافة العولمة بالمعاني الإيجابية. وهذا كله يرتبط بدرجة النضج، والاستعداد للتجاوب من أجل الطرف الآخر.
اهدئي إذن وتمهلي في اتخاذ هذا القرار، فليس هناك –فيما أعتقد– ما يدعوك للعجلة، ونحن معك، والله معنا، فتابعينا بأخبارك.