حضرة المستشار، تحية طيبة وبعد،
أرجو أن يتسع صدركم لحل العقد النفسية التي أعاني منها وهي تقع ضمن تصنيف الثقة بالنفس والتوكيدية، إلا أنني أعتقد أن مشكلتي ذات خصوصية وهي التالية:
أنا شاب أبلغ من العمر 28 سنة، أعزب، أصغر إخوتي إلا أنني رجل البيت، أبي قد توفاه الله وأمي طريحة الفراش أحسن الله ختامها، وأخواي مريضان بالفصام المزمن –شفاهما الله- وأختاي غير متزوجتين -يسّر الله لهما زوجين صالحين-، وأنا حاصل على درجة الباكالوريوس وأشغل وظيفة محترمة يمكنني دخلها من الإنفاق على البيت، وأنا والحمد لله محل تقدير واحترام جميع رؤسائي وزملائي بما حباني الله من شخصية كاريزمية.
كنت منذ نعومة أظفاري من المتفوقين رغم كل "البلاوي المهببة" الموجودة في بيتنا، إلا أنني رغم تفوقي الدراسي والمهني وقيادتي لأسرتي لا أشعر بالثقة بنفسي بل على العكس أعاني من أكثر من عقدة نقص:
أولاً: ولدت بخصية هاجرة وقد أجريت لي عملية تثبيت الخصية في عمر متأخر (تسع سنوات)، وبعد إجراء الاستقصاءات تبين أنني أعاني من قصور في الغدة النخامية (ولأكن أكثر دقة منطقة ما تحت المهاد) أدى إلى نقص هرموني FSH و LH ، فنتج عنه عوز التيستوستيرون والذي انعكس على الصفات الجنسية الذكرية الثانوية لدي مثل نقص الشعر في الوجه والجسم وتراكم الدهون على الخصر والأرداف والصدر.
عولجت بالهرمون التعويضي مدة سنتين ونصف ولكن دون تحسن يذكر، كما خضعت لعملية شفط الدهون لتعديل شكل جسمي ولكن أيضاً دون جدوى، وهو ما يجعلني أشعر بأنني لست رجلاً ويفرض علي نمطية لباس معينة، الأمر الذي يعتبر إحدى العقبات التي تحول دون زواجي (علماً أن وضعي الأسري هو العقبة الأهم وليس العقبة المادية ككثير من شباب هذا الجيل)، كما جعلني أكثر اهتماماً بالرجال (ولكني والحمد لله لست شاذاً) فعندما كنت أشاهد فيلماً إباحياً كنت أهتم بمشاهدة أعضاء الرجل لا المرأة لمقارنتها مع أعضائي ودائماً كانت الغلبة لمن يظهر في الفيلم، بالإضافة إلى ملاحظة التركيب العضلي للرجال الذين أتعامل معهم ومدى غزارة الشعر في وجوههم وأجسادهم.
ثانياً: أنا جبان! نعم، فأنا أخاف من أشياء كثيرة مثل الأماكن المرتفعة والحيوانات والحشرات الزاحفة والليل، ربما يكون ذلك ناتجاً عن الدلال المفرط الذي تلقيته خلال سنوات طفولتي الأولى كوني الأصغر بين إخوتي قبل أن أتحول إلى رجل البيت، وربما أيضاً لقربي من أختاي أكثر من أخواي بحكم مرضهما –شفاهما الله-. والأهم من كل ذلك هو الخوف من المشاجرات، لا أقول أني أريد أن أكون عدوانياً، ولكني أخاف من أن أجد نفسي في موقف يضطرني للشجار، مثلاً: لو كنت متزوجاً وقام شخص ما بالتحرش بزوجتي.
إن خوفي من الشجار يرجع برأيي إلى عدة أسباب:
1- بنيتي الجسمانية التي أشرت إليها.
2- بيئة العنف التي عشت فيها خلال طفولتي وما أزال، مع وجود مريضي فصام في البيت فلطالما قام أخواي بتحطيم الزجاج وضرب والدي ووالدتي، وضربا بعضهما، وضرب أخواتي البنات، وضربي أحياناً، لطالما نقلا إلى المستشفى مقيدين بالأصفاد. كل ذلك أوجد عندي حالة من الهلع الدائم فعندما أشاهد مشاجرة في الشارع أو اثنين يتبادلان الشتائم تتزايد سرعة ضربات قلبي كما لو كنت طرفاً في هذا الشجار.
3- الهزائم التي تعرضت لها في صغري؛ فبعد أن كنت شجاعاً وذا نزعة هجومية جيدة أصبحت جباناً بسبب هزيمة لي في إحدى المشاجرات التي حدثت عندما كنت في عمر الثالثة عشر، حيث ظهرت كدمة في وجهي استمرت قرابة عشرة أيام كانت مثار سخرية الجميع بما فيهم أسرتي، وهو ما جعلني أتجرع الإهانات وأتحمل الاستفزازات تجنباً للسخرية لا سيما سخرية أهلي، حتى انطبع ذلك في شخصيتي حيث صرت أتردد في المطالبة بحقوقي فإن أُعطيتها كان به وإلا فلا "أناضل" في سبيل الحصول عليها.
جربت ممارسة الملاكمة عسى أن تساعدني على تغيير شخصيتي إلا أن النتيجة كانت سلبية، وأنا أحمّل المدرب المسؤولية حيث خضت مباراة غير متكافئة هزمت فيها شر هزيمة وأصبت إصابة بالغة ما أزال أعاني منها حتى اليوم.
ثالثاً: خوفي أو خجلي من البنات، فعندما أحادث فتاة في نفس عمري أخجل من التحديق في عينيها، ويحمر وجهي بشكل واضح، وكن البنات في الجامعة يعتقدن أنني متكبر لأنني كنت أتحاشاهن أو أحادثهن بشكل رسمي، وعندما كنت أتشجع لمحادثة إحداهن كانت تصدني لسبب أو لآخر ربما لأنني لا أملك "الهيافة" اللازمة! إن خجلي المفرط من الفتيات يدفعني للتساؤل عما إذا كان بإمكاني الزواج بشكل طبيعي؟، ماذا لو كانت زوجتي غير خجولة أي متفوقة عليّ في فن التعامل مع الجنس الآخر وهو ما لا يقبله الرجل الشرقي؟ كيف سأمارس الجنس وأنا عندما أسمع حديثاً عن ليلة الدخلة ترتعد فرائصي؟!.
سمعت عن وجود أدوية نفسية تغير الشخصية فهل هذا صحيح؟! هل هناك دواء يجعل البخيل كريماً؟ أو يجعل الغيور على عرضه ديوثاً؟ وإن وجدت فما هي آلية عملها؟ وهل هذه الأدوية يجب أن تكون مصاحبة لجلسات علاجية؟ وإن كان الجواب (وأتوقعه) نعم، فما ماهية هذه الجلسات؟ وكم تستمر الجلسة تقريباً؟ وما مدة البرنامج العلاجي تقريباً؟ وما هو تصوركم لحالتي؟.
شاكر لكم مقدماً،
أبعث لكم بتحياتي القلبية.
21/6/2009
رد المستشار
أهلاً يا "ببيرو"،
لماذا تريد تغيير شخصيتك؟ كما تشي سطورك فإنك شخصية ذكية لطيفة، وهما من العوامل الأساسية للنجاح في الحياة، ما تحتاجه حقاً هو إعادة تقييمك لنفسك وشخصيتك ليزداد تقبلك لها، فالتفكير الناقد والسالب للنفس مع مرور الوقت يؤدي لتآكل الثقة بالنفس ويضعف الإرادة.
سأبدأ في نقاش أهم النقاط معك وهي شكلك الذي لا تراه رجولياً بدرجة كافية –من وجهة نظرك-، ورغم ذلك كنت تلفت انتباه الفتيات ويرغبن في التقرب منك، وليأسهن وغضبهن منك كن يتهمنك بالغرور، فلو كان شكلك غير رجولي كيف انتبهن ولِمَ اهتممن؟؟.
قد لا يكون شكلك العام مثالياً مقارنة بالممثلين الذين يتم اختيارهم من بين المئات ليرسموا الكمال الخارجي، وفي الحياة لا ينفعنا الجمال كثيراً بل الكفاءة والذكاء والإرادة، وهي أمور تملكها فلا تبخس قيمتها واعمل على تدعيمها لأن تجاهلها يؤدي لتدهورها وعندها قد تبدأ خسارتك الحقيقة.
إن لم يكن ما سبق كافياً لإقناعك بثانوية الشكل وقبول التنوع سأذكرك بابن مسعود رضي الله عنه الذي كان يسخر من رقة رجليه وصغر حجمه ومع ذلك فقد كان أول من أسمع المشركين القرآن في مكة ولم يبالي بما تعرض له من ضرب وإهانة لاعتزازه بدينه وسمو أهدافه، إن لم تكن متديناً ولم يعجبك المثال الماضي ما رأيك بساركوزي وهو يعيش في عصر الصورة الجسدية مثلك تماماً، فهل تراه أقعده قصر قامته أو ضآلة حجمه عن خوض المعارك لرئاسة دولة عريقة؟! راقب صوره وانظر كيف يصفف شعره بطريقة تكسبه طولاً وابتسامته الممطوطة التي تحول الانتباه عن باقي جسده وقد اقتدى بالتأكيد بابن جلدته نابليون.
يكتسب الشكل فقط المقدار الذي تعطيه له في نفسك فإن عشت بقناعة أنك ستفشل -اجتماعياً وعاطفياً- لأن شكلك لا يوافق المعايير المثالية فإن قناعتك الذهنية تلك ستوجه سلوكك لأسوأ الخيارات والقرارات في الحياة، علّم نفسك بأن الشكل جزء قد يكون الأهم في اللحظة الأولى ولكن تأثيره يزول مقابل الشخصية، وما زالت الدراسات تؤكد أن المرأة تهتم بالنجاح والذكاء أكثر من الجمال، سيعزز ثقتك بنفسك من الناحية المظهرية اتخاذك خطوات عملية في حياتك الاجتماعية.
لديك كل الحق أن تعاني خوفاً شديداً من أي درجة من العنف بعد مشاهدتك لعنف أخويك المنفلت عن زمام العقل والإنسان دون عقل ينقلب وحشاً، لكن في حياتنا العادية لا وجود للوحوش بل درجات متفاوتة من العنف والشدة الطبيعيين التي تؤدي مواجهتك لهما لزيادة مستوى الأدرينالين فتزداد شجاعة في المواجهة مهما كان نوعها، هزيمتك في بعض الجولات لا يعني حكماً مطلقاً بالهزيمة الدائمة إلا إن قررت أن تجعله كذلك بتوقفك عن المحاولة.
بصفة عامة يجب أن تتوقف عن الهروب وتتخلى عن الأفكار السلبية والانهزامية المسيطرة على تفكيرك -والتي تحرمك من الاستمتاع بحياتك-، فإن عدلتها وناقشتها بالمنطق العقلاني الذي يقول: بأن الجمال ليس أساس الحياة ستعيش، والذي يقول أيضاً أننا لا نعيش في غابة بل هناك قواعد وقوانين تحكم سلوك البشر فستتجاوز خوفك، إن فكرت أنك ذكي قادر على توجيه أفكارك وضبط انفعالاتك لن تحتاج إلى دواء ولا طبيب، فقط غيّر طريقة تفكيرك.
واقرأ أيضًا:
الذكورة عكس الأنوثة فهل الإنسانية= الرجولة: مشاركة
ويتبع >>>>>>>: لا للتعميم ونعم للسعي م