بعد خمس سنوات يا أحمد!!
أشكرك كثيراً أستاذة أميرة على متابعتك واهتمامك، ولكم أدهشني جداً تذكرك لي بالرغم من السنوات التي مضت وعدم إتياني على ذكر حتى موضوع الاستشارات السابقة، ولكنها بالفعل أسعدتني جداً فشكراً لك.
قرأت ردك وأسعدني جداً؛ بالفعل ما ذكرته من تطور ونضج واضح في تشخيصك للأحداث مما يجعلني أتمنى لك من كل قلبي النضج والتطور الدائم لتكوني عوناً لكل الشباب المحتاج للنصيحة.
دون مقدمات كثيرة؛ قرأت ردك وبالفعل معظم ما جاء فيه حقيقة وأود أن أتناقش معك فيه، مع الشكر والتقدير لسعة صدرك.
أعتقد في البداية أن محاولتي عدم ذكر أي شيء عن استشاراتي السابقة هو اكتشافي أنها لا تستحق حتى الذكر، فقد تكون مراهقة أو عبث أو تندرج تحت أي مسمىً آخر، وخاصة أنها لم تستمر وبالتالي لا وجود لها، وأرجو ألا تؤثر على ردّك لأني الآن شخص آخر تماماً، قد يكون للأفضل أو الأسوء ولكن هناك على أي حال تغيّر كبير قد حدث بالفعل وهو ملحوظ من كل من هم حولي.
أتعلمين ما هي مشكلتي في الحياة يا أستاذة أميرة؟ مشكلتي تتلخص في جملة واحدة هي: رحلة البحث عن الحب والأمان.. بالرغم من أن علاقتي بأخوتي ووالدتي ووالدي قبل وفاته علاقة ممتازة يسودها الحب والدلع لأقصى درجة -خاصة وأنا أصغر أخوتي وكلهم متزوجون- وحالياً تعيش معي والدتي في منزلي، فقد قضيت فترة ليست بالقصيرة من المعيشة بمفردي ولكنها ليست بسبب مشاكل أو خلافات، فقد كانت بالنسبة لي مجرد راحة وهدوء ليس إلا. والدتي الآن تعتبر كل شيء لي في الدنيا، ولا أتمنى شيئاً أكثر من تمنياتي لها بالعمر الطويل، وأجد منها كل الحب والرعاية التي يتمناها أي شاب في سني، ولكن بالرغم من كل ذلك فأنا أقتنع تماماً بفكرة عدم الشبع المستمر من الحب، ولا أعلم ما سببها بالرغم من أني كنت مستقراً تماماً عندما كنت مرتبطاً، ولكني أبحث عن نوع خاص من الحب لا أجده في حياتي للأسف.
كل شيء متوفر لي؛ أهل وعائلة كاملة يعتبرونني الفتى المدلل، أصدقاء كثر يعتبرونني الأقرب لهم جميعاً رغم مزاجي المتقلب، ولكن لم يحدث في مرة أن خاصمني أحد مهما حدث. أشعر أن الحياة خالية حولي بالرغم من ازدحامها الشديد وامتلائها تماماً عندما كنت مرتبطاً بالفتاة التي أحببتها حبّاً صادقاً خالياً من أي شهوة من شهوات الدنيا!.
بالفعل اعتبرتها القائم الأساسي للحياة، بل هي الحياة كلها لو أرادت، ولكن يبدو أن حبي لها جعلها تختنق مع حبها لي والذي ما زلت متأكداً منه مهما حصل، على الأقل سابقاً.
أتعلمين؟ منذ يومين حاولت العودة إلى الحياة السابقة العابثة من واقع الفراغ الذي أعيشه، وبعد أن فعلت ما فعلت وفي طريق العودة من الإسكندرية انقلبت بي السيارة عدة مرات ونجوت منها بمعجزة إلهية مما جعلني أثق أن الله يحبني ويوجّهه لي رسالة ينبهني فيها لأعود إلى رشدي، ولكن.. هل تعلمين أني رأيتها بجانبي على الرغم من أني كنت بمفردي، وشاهدتها وأنا أشاهد الموت بل وأنتظره؟!.
أعلم تماماً أن الأمر منتهٍ بكل المقاييس، ولكني لا أستطيع محوها من ذاكرتي، أحاول دائماً الإبقاء الذكريات الجميلة لأجعلها ذكرى جميلة مضت في حياتي.
بالنسبة لاستشارة الطبيب النفسي فليست فكرة مرفوضة نهائياً، فأنا مقتنع تماماً أنه ليس "دكتور مجانين" كما يظن بعضهم، فكل إنسان في هذه الدنيا يحتاج للنصيحة والمشورة وتقويم النفس، وهذا في رأيي دور الاستشاري النفسي، ولكن هل بالفعل أحتاج إلى ذلك؟.
بقي نقطة أخيرة، أعذريني أني لن أتحدث حول موضوع العلاقة الخاصة بيني وبينها لأني أعتبرها منطقة خاصة تخصها هي أكثر مني ولا يصح أن أتحدث عنها تماماً، هي محفورة بداخلي وأعتقد أنها لن تمحى أبداً حتى لو درس حبها من ذكرياتي.
أعتذر للإطالة، وفي نهاية حديثي أتوجهه بالشكر إلى الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي على ما يقدمه من خدمات رائعة في هذا الموقع الفريد.
والسلام عليكم.
21 / 7 / 2009
رد المستشار
أجمل ما فيك يا أحمد أنك فعلاً تُصغي، وأنك تتقبل الحديث وإن حمل بعض التأنيب أو القسوة المفيدة، وكما أنك على درجة عالية من الذوق والعطاء، ولكن العطاء المستمر الذي لا يكون له حد أو مردود أو يحمل درجة من التبادل مع الآخر، وهو ما يشير للاحتياج لبعض من النضج النفسي لتستقر النفس وتستقر معه الحياة والعلاقات، وما قلته عن وضعك العائلي يؤكد ما قلته لك بأنك ممن لا يشبعون من الحب والاهتمام وقد اعترفت أنت بذلك، وحين نضع أيدينا على سبب المشكلة في الحقيقة نكون قد اقتربنا كثيراً من الحل والاستقرار حتى وإن كنا ما زلنا نتألم أو نحتاج لسند ليزداد وعينا وإدراكنا وبالتالي التعامل الأفضل مع أنفسنا بناء على ما عرفناه عنها.
بقي أن أقول لك للمرة الثانية: أن الحب ليس طفلاً تائهاً نبحث عنه، ولا يجوز أن يتحكم احتياجنا له أو افتقادنا لحدوثه لفترة بأن ننساق لعلاقات غير مستقرة نحاول فيها أن نحافظ على سد الاحتياج، حتى ولو كانت علاقة غير مناسبة أو شخصية غير مناسبة بل ونحاول عنوة أن نوضبها ونهذبها ونتابعها وكأننا نفصلها تفصيلاً لتكون كما نريد أو كما نتصور في رؤوسنا وهي غير ذلك، وكلما تعاملنا مع الحب على أنه هذا التائه الذي نبحث عنه كنا عرضة أكبر للوقوع في الوهم والاختيار الخاطئ، فلتحيا حياتك وكأنك في فترة "هدنة" تمارس فيها عطاءك وحبك للبشر وتستمتع بحبهم لك من حولك، وترى نفسك دون ضغوط من وجود حالة حب ومن ضغوط عدم وجود حالة حب، واقترب من نفسك أكثر فهي الأولى بذلك لتعرفها جيداً وتتعرف ما تريده في شريكة حياتك فتقرر على أساس ذلك من هي المرأة المناسبة لك من غيرها حتى لو أخذ ذلك بعض الوقت؛ فهو ليس وقتاً ضائعاً ولكنه وقت مهم لتكون أفضل.
أما موضوع احتياجك للتواصل مع طبيب نفسي، فأتصور أنه مهم لتضع فقط النقاط فوق الحروف، وتتعلم على يديه كيف يحصل الإنسان على النضوج النفسي والعاطفي، ولكن بشرط غاية في الأهمية وهو أن يكون طبيباً ماهراً ذو خبرة حتى لا تفقد إيمانك بالطب النفسي ومتخصصيه.
وأضم صوتي لصوتك في تقديم الشكر الجزيل لدكتور وائل الذي أتاح هذا الموقع الرائع لنا ولكم.