طريقة نزع السلاح
إحساسك بالعجز قد يزداد إن كان أهلك وأصدقاؤك قد اعتادوا ملاحقتك بالطلبات، ذلك الإلحاح قد يزيد من الأفكار المهينة التي تدوي في رأسك بالفعل. وذلك الأسلوب لن يلبث أن يفشل. وذلك لأن لكل فعل رد فعل مساوٍ في القوة ومعاكس في الاتجاه، عندما تشعر أنك محاصر، ومدفوع في اتجاه لا ترغب في الذهاب إليه بغض النظر عن كون هذا الدافع ماديا أو معنويا، فإن التوتر سيملؤك وتبدأ لا شعوريا بالمقاومة حتى تستعيد توازنك.
ستحاول الحفاظ على سيطرتك وكرامتك بأن ترفض فعل ذلك الشيء الذي يدفعونك نحوه، بغض النظر عن ماهيته، وبغض النظر عن النتيجة والتي غالبا ما تكون إيذاء نفسك. عندما يضايقك شخص لأداء شيء قد يكون في مصلحتك، يضعك هذا في الزاوية، فلو رفضت فعل ما يريده هذا الشخص فإنك تنتهي بهزيمة نفسك، لو كان فقط حتى لا يملي أي شخص عليك إرادته.
ولو فعلت ما يريده هذا الشخص، ستشعر بالضيق لأنك استسلمت لمطالبة الملحة، وتشعر أنك تحت إرادة شخص آخر، وهذا يسلبك احترامك لنفسك. لا أحد يحب إحساس أنه مسلوب الإرادة. مثال على ذلك.. فتاة في آخر سنين المراهقة وطلب أهلها معالجتها من الاكتتاب.. كانت تقضي الشهور بمفردها في غرفتها لا تفعل شيئا غير مشاهدة التليفزيون، كان ذلك جزيئا نتيجة شعورها أن شكلها غريبا، وأن الناس يحدقون فيه، وجزئيا كان ذلك لتتجنب سيطرة أمها عليها، كانت تعرف أنها يجب أن تبدأ في التفاعل مع الحياة. ولكن ذلك يعني أن تستسلم لسيطرة أمها عليها التي غالبا ما كانت تصرخ فيها لتتحرك وتبدأ في عمل أي شيء، وكلما زاد النجاح زادت المقاومة السلبية وبقاءها في غرفتها.
إنها حقيقة مؤسفة في الطبيعة البشرية أنه كلما زاد الضغط عليك لأداء شيء حتى ولو كان في مصلحتك كلما ازدادت مقاومتك لأدائه. ولحسن الحظ يمكننا دائما أن نتعلم كيف نتعامل مع الأناس اللحوحين. تخيل نفسك في موضع تلك الفتاة، لقد فكرت وقررت أن الوقت قد حان للتفاعل مع الحياة، وعندما اتخذت ذلك القرار وفي نفس اللحظة دخلت والدتك صارخة فيك"لا أريد أن أراك جالسا هكذا، ستضيع حياتك هباء، أريد أن تتحرك وتفعل ما يفعله الناس الطبيعيون"في هذه اللحظة ورغم أنك بالفعل قد اتخذت هذا القرار فإن نفورا هائلا سيملؤك تجاهه.
طريقة نزع السلاح هي طريقه إيجابية لمواجهة هذه المواقف. أساس هذه الطريقة هو موافقة والدتك، ولكن تفعل هذا بطريقه تخبرها أن ذلك الفعل هو نتيجة لقرار اتخذته أنت، وليس لأنها تريد هي ذلك "نعم يا أمي، لقد فكرت كثيرا في هذا الموقف، وقررت أن أبدا الحياة، هذا قراري يا أمي وسأنفذه" وابدأ في فعل كل شيء وأي شيء بدون أن تشعر بأي سوء.
تخيل النجاح
هناك وسيلة فعالة لتحفيز النفس هي وضع قائمة بكل محاسن أي عمل كنت تتجنبه لأنه يتطلب قدرا من ضبط النفس. هذه القائمة ستمرنك على النظر إلى كل الجوانب الإيجابية لهذا العمل. إنه جزء من الطبيعة البشرية كونك طموحا..ضع في ذهنك نظرية الحمار والجزرة، كم هي جميلة طازجة تلك الجزرة.
نفترض مثلا أنك تريد التوقف عن التدخين، ستظل تذكر نفسك بالسرطان وكل أضرار التدخين الأخرى.. نظرية الخوف تلك ستملؤك بالتوتر مما يجعلك لا شعوريا تأخذ سيجارة أخرى، ولذلك فإنها لا تصلح. ها هي طريقة تصلح، تتضمن ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: ضع قائمة بكل النواحي الإيجابية التي ستنتج عن توقفك عن التدخين..
1/صحة أحسن
2/احترام أكبر لنفسك
3/ضبط أكبر للنفس،مع نمو ثقتك بنفسك ستستطيع فعل أشياء أكثر كنت تؤجلها سابقا.
4/سأستطيع أن أجري وأشعر بجسدي تملؤه الطاقة.
5/سيصبح كل من القلب والرئة. أقوى، وسينخفض ضغط الدم.
6/ستصبح رائحة أنفاسك أفضل.
7/سيتوفر معك مال زائد للإنفاق.
8/ستعيش.
9/سيصبح الهواء حولك أنقى.
10/ستخبر العالم بأكمله أنك توقفت عن التدخين.
بإعدادك لتلك القائمة أصبحت مستعدا للخطوة الثانية:
كل ليلة قبل ذهابك للنوم تخيل أنك في مكانك المفضل، تمشي عبر الأشجار في يوم خريفي صحو، أو ربما تجلس على شاطئ هادئ تراقب الأمواج الزرقاء والشمس دافئة على جسدك. مهما كانت تخيلاتك، أغرق في التفاصيل، واجعل جسدك يسترخي، وكل عضلة تلين، والتوتر يغادر كل جسدك.. انظر كم السلام الذي سيملؤك وقتها.. أصبحت الآن مستعدا.
للخطوة الثالثة: تخيل أنك لا تزال في نفس المكان وقد توقفت عن التدخين. راجع القائمة التي كتبتها وكررها لنفسك بهذه الطريقة: لقد تحسنت صحتي كثيرا وكم أستمتع بذلك. أستطيع الآن أن اجري على الشاطئ دون تعب. الهواء حولي منعش ونقي، احترامي لنفسي قد زاد كثيرا، أملك سيطرة أكبر على إرادتي، أستطيع الآن أن أتحدى أي شيء.
هذه هي طريقة إصلاح العادات من خلال قوة التفكير الإيجابي. لقد ساعدتني والعديد من معارفي على التوقف عن التدخين. تستطيع أنت أيضا فعلها بسهولة وستجد أنها تساوي مجهودك، تستطيع استعمالها في خسارة الوزن، الاستيقاظ مبكرا كل صباح، الالتزام بالرياضة أو أي عادة أخرى تريد تغييرها.
وقف طفل صغير عمره ثلاث سنوات على حافة بركة السباحة خائفا أن يقفز، والدته أمامه، تشجعه حينا وتصرخ فيه حينا آخر، وهو متردد. استمر ذلك الصراع نصف ساعة، ثم قفز.. استمتع بالمياه. ولم يكن هناك شيء يخاف منه ولكن لسوء الحظ فلقد وصلت إليه رسالة انطبعت في عقله "يجب أن يدفعني أحد قبل أن أفعل أي شيء، أي شيء بنفسي، إني لا أملك الجرأة كي أقفز وحدي مثل باقي الصبية."
نفس الفكرة كانت عند والديه. "لو ترك وحده ما فعل شيئا، إنه لن يجرؤ أبدا على النزول بمفرده، ستكون تربيته صراعا طويلا مستمرا". وبالطبع تكرر هذا الموقف الدرامي عدة مرات خلال نشأته، كان لابد من دفعه وإقناعه كي يذهب إلى المدرسة، كي يلتحق بفريق الكرة، لكي يذهب إلى حفلة، وهكذا.. نادرا ما بدأ أي نشاط بمفرده، وعندما بلغ سن الواحدة والعشرين كان لديه اكتئاب مزمن ولا يزال يعيش مع والديه ولا يفعل الكثير بحياته.
كان ينتظر الناس كي يخبروه ماذا يفعل، وكان والداه قد ملا إختباره ماذا يفعل.. بعد كل جلسة كان يغادر المكتب مليئا بالحماس كي ينفذ خطة علاج اتفقنا عليها، مثال على ذلك، في أسبوع اتفقنا على أن يبتسم أو يسلم على ثلاثة رجال غرباء عنه كخطوة صغيرة لكسر انعزاله، وفي الأسبوع التالي أتى وهو ينظر إلى الأرض وابتسامته خجولة ليعلن أنه (نسي) أن يفعل ذلك. في أسبوع آخر كان عليه أن يقرأ مقالا من ثلاث صفحات عن كيفية تغلب الرجال العزاب على وحدتهم، وأتى الأسبوع التالي ليخبرني أن النص قد ضاع منه قبل أن يتسنى له قراءته.
وهكذا كان كل أسبوع يغادر الجلسة يملؤه الحماس وما أن يصل للمصعد يعرف في أعماقه أن عمل هذا الأسبوع شديد الصعوبة عليه.
ماذا كانت مشكلة هذا الولد الحقيقية؟ يعود التفسير إلى ذلك اليوم عند بركة السباحة، لا يزال يحمل داخله فكرة "لا أستطيع فعل شيء بنفسي، أنا من صنف الرجال الذي يجب أن يدفعه الآخرون". لم يخطر بباله أبدا أن يتحدى هذه الفكرة، استمرت كأنها نبوءه دائمة التحقق، واستمر خمسة عشر عاما وداخله هذا الإيمان "أنه حقا كذلك". وكان الحل أن يدرك أن هناك خطأين هو مذنب بفعلهما وهما أساس مشكلته "الفلتر الذهني، وإطلاق الألقاب".
كان عقله تملؤه أفكار عن الأشياء العديدة التي يؤجل عملها، وتجاهل مئات الأشياء التي يؤديها حقا بدون أن يدفعه أحد لعملها. قمت فعلا بتفسير تلك الأخطاء له، فقال ربما يكون ما تقوله حقا ولكن كيف أقوم بتغيره؟ اقترحت عليه خطة بسيطة، كل يوم يدون الأشياء التي قام بفعلها بمفرده بدون أي دفع أو تشجيع، ويحفظها في سجل يومي. خلال عدة أسابيع وجد أن قائمته تزيد، وكل يوم يدون فيه شيئا جديدا يكتشف أنه استعاد السيطرة على حياته، كان يمرن نفسه بهذه الطريقة على ملاحظة ما يفعله بمفرده.
هل يبدو هذا بسيطا؟ إنه كذلك! هل سيساعدك أنت؟ ربما لا تعتقد أنت هذا، ولكن لماذا لا تجرب؟
أكتب قائمتك اليوم، أخضع نفسك للاختبار.. واهتم بالمهم فعلا، ستندهش للنتيجة.
مترجم بتصرف عن كتاب: Feeling Good By David Burns
ويتبع >>>>>>>>>>: العلاج المعرفي للاكتئاب(12)
اقرأ أيضاً على موقعنا مجانين :
اضطرابات وجدانية: اكتئاب Major Depression / اضطرابات وجدانية: اكتئاب مضاعف Double Depression / مرض الاكتئاب