قديماً كنت لا أؤمن بفكرة المظاهرات ولم أر لها بدّ، هتافات وصوت عالي ولا وجود للفعل هكذا كنت أراها، ولم أشترك يوماً لا في مسيرة أو مظاهرة، وتأكدت قناعتي مع المظاهرات الحاشدة في كل أنحاء العالم ضد الحرب على العراق والنتيجة سقوط بغداد وزيادة الإحباط.
إلا أن نظرتي أخذت في التغيير شيئاً فشيئاً ولا أدرك إلى الآن ما هو السبب الحقيقي لهذا التغيير ولكن تغيرت وبدأ هذا التغيّر باشتراكي في مؤتمر تنظمّه الحركات الاجتماعية لمناهضة الحرب والعولمة، فرأيت ما رأيت من تصميم على التغيير وإيصال أصواتهم سواء بالمسيرات أو الاحتجاجات أو البيانات والمعارضات أو رفع دعوى ضد كل من يتسلط أو يساعد على الظلم والعدوان، وإدراك أن الطريق طويل وأن المظاهرات والمسيرات إحدى وسائله حتى نلعن رفضنا على مستوى الكرة الأرضية، وفي هذا الاجتماع تم الاتفاق على مسيرات تقام بكل البلاد للتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني ومناصرة الانتفاضة.
قلت في بالي نناصر فلسطين "مع أهمية هذا" وننسى الداخل فقلت هذا لا يزال أحسن من الصمت الرهيب والموت الذي نحن فيه وعلى خط أخر كانت هناك اللجنة الشعبية المصرية للتضامن مع الانتفاضة قد بدأت فاعليتها منذ بداية الانتفاضة وأخذت في جمع التبرعات وبدأت بجمع توقيعات على بيانات معارضة قدمت لرئاسة الجهورية والأمم المتحدة وتلتها بالأدوية بعد التواصل مع جمعيات فلسطينية لتحديد احتياجات الفلسطينيين في هذه الفترة، ثم الأغذية ومع مرور الوقت اكتسبت هذه اللجنة الخبرة في تغليف المعونات بالشروط الإسرائيلية حتى لا تمنع على الحدود، وكذا اتجهوا إلى جمع التبرعات من القرى والنجوع، وخلال المسيرة التي نظموها لمصاحبة قوافل النقل المحمّلة بالتبرعات العينية بالاتفاق مع مواطنين مصريين وأحزاب ونقابات ومجموعة أجيج لمناهضة العولمة واشتراك مجموعات من ناشطين أوربيين ضد الحرب والعولمة؛
خلال هذه المسيرة عرضوا شريط تسجيلي عن كيفية جمع التبرعات وحماس المتبرعين من النجوع و القرى فكانت البداية أنهم أخذوا سيارة نقل وعليها قاموا بشرح القضية بميكروفون للأهالي لطلب مشاركتهم في التبرع لإخوانهم، تأثر الأهالي فمنهم من تبرع بتموين بيته، ومنهم من تبرعت بحلق ذهب كان كل ما تملكه، وأخرى لم يكن لديها غير فرختها تبرعت ببيضها فقاموا بعمل مزاد على البيضتين وبنقودها قاموا بشراء دقيق وقاموا بتعبئة وتحميل الناقلات بمساعدة الأهالي وهي القافلة رقم 26، والمسيرة في طريقها إلى العريش انضم إليها مسيرات وناقلات محمّلة بالمعونات من المنصورة والمحلة ودمياط، وأكملنا الطريق معاً حتى وصلنا إلى بوابّة شمال سيناء.
وهنا بدأت القصة في الطريق إلى البوّابة قاموا بعرض شرائط أغاني الشيخ إمام، لقطات من التعسف الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين، وأخرى عن اللجنة الشعبية وأعمالها ورابعاً مقابلات مع عمّال مصنع يستعمل المادة المحرمّة دوليا"الاسبستوس" ومعاناة العمّال والأمراض السرطانية التي إصابتهم من جرّاء التعامل به سواء جلدية، جهاز هضمي، تنفسي، وحرمانهم من مرتباتهم على مدى أربعة شهور لتقديمهم شكاوى ولاعتراضهم التي أغلقت المصنع عدّة مرات ويعود للعمل بعد تقديم الرشاوي للمسئولين بدون الالتزام بالقوانين الدولية أو المحلية، وكذا حرمانهم من العلاج على حساب المصنع مما أنتج أسر مهددة بالضياع لعدم أهلية العائل ولعدم دفع الأجور ولا حياة لمن تنادي.
ومن الفيلم انتقلنا لكلمات بعض المشاركين من خلفيات مختلفة قاموا بتعريف أنفسهم فهناك من الحزب الشيوعي وأخر مستقل ألقى قصيدة لا تصالح ومنهم إلى ممثل عن الوفد اليوناني الذي ألقى كلمة مفادها أننا الآن تخطينا الأيدولوجيات "اتجاهات فكرية" للعمل على أرضيات مشتركة مع الجميع ولندع الخلافات جانباً الآن.
وصلنا إلى البوّابة، وهنا أوقفنا الأمن ولم يسمح لنا بالتقدّم أكثر من هذا والسبب أوامر عليا، لأننا نخاف عليكم، لكن سيارات النقل المحمّلة عبرت إلى الحدود لتسّلم لمندوب فلسطيني هناك.
وقفنا ونزلنا من الأتوبيسات وذهبت المجموعة السياسية الخاصة باللجنة الشعبية للتفاوض على السماح لنا بالحركة ودخول العريش فقط، ولكن الرد: نسأل ونرد عليكم، في انتظار أوامر مع علمهم بتحركاتنا وإلا فكيف تم استخراج التصاريح، وهم في نقاشاتهم بدأ أحد الفنانين بالعزف على العود وغناء أغاني لفلسطين والمقاومة بعض منها من الفلكور الفلسطيني وبعض الهتافات وتحركنا من أماكننّا للتقدم أكثر فأكثر، فتصدى لنا صف من العساكر نجحنا في اجتيازه بدون تصادم، ولكن تحت بناء البوابة أوقفوا لنا صفين من العساكر لمنع تقدمنا، حاولنا عدة مرات بلا فائدة فقام من معنا من الأجانب باقتراح أن يكونوا همّ بالصف الأمامي ونحن خلفنا لحمايتنا وتأمين تقدمنا، فلم يوافقوا، فكان ما يحرق القلب أن تمنع مسيرة سلمية وأيضا نمنع أن نتحرك بحرية على أرضنا والسبب الآخر أنهم يخافون علينا، فقررنا التقدم مهما كانت النتائج: التصادم، لم يفرقوا وقتها بين رجل أو امرأة أو شيخ أو أجنبي، فالأوامر أن لا نتقدم "والأوامر عليا جاية من فوق" لم نستطع اختراقهم ولكن حدثت إصابات لبعض من في المسيرة منهم من فقد الوعي، ومنهم من أُخذت كاميرات التصوير الخاصة بهم، وأخذت أيضاً كاميرا التصوير الخاصة بقناة الجزيرة وسحب الفيلم منها.
هدأ الموقف قليلا وحاولت واحدة من المشاركات وهي عضو في البرلمان الأوربي الدخول لمحادثة المسؤولين فسمحوا لها، واستطاعت البريطانية رومني الهرب من الحاجز وركبت أوتوبيسا متجها للحدود للذهاب لغزّة ولكنهم أحضروها وأخذوا جواز سفرها، حاولنا عدّة مرات.
وخلال المحاولات سألنا أحد منظمي اللجنة لماذا الرفض، فكان الجواب: أنهم لن يسمحوا لنا بالذهاب للحدود بسبب ما حدث مؤخراً من قتل جنودنا، ولن يسمحوا لنا بالدخول إلى العريش لأن هناك حوالي 2500 فرد معتقل على خلفيات ما حدث في طابا ويتم تهديدهم بـ 2500 فرد من أفراد عائلاتهم معتقلين كرهائن للضغط، وأيضاً وصلنا ونحن على البوابة خبر اعتقال 6 من أعضاء اللجنة الشعبية بالعريش، لتنظيمهم مسيرة لأهالي العريش كنّا سننضم إليهم.
رجعنا على أدراجنا وسؤال يفترسنا، هل تم تحرير سيناء فعلاً، كيف نمنع من السير على أرضنا وهل حجة الخوف علينا وأوامر من فوق وجيهة لمنعنا من أرضنا في القلب حسرة.
7/9/2005
واقرأ أيضا:
مشاهدات مصرية.. يوم الانتخابات الهزلية