ردت متحدثة باسم الخارجية الأمريكية على تعهد الرئيس محمد مرسى بإطلاق سراح الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن المسجون لدى الولايات المتحدة، بقولها: "قضاؤنا مستقل"، كما علق ـ وبغضب ـ بعض أعضاء الكونجرس متهمين الرئيس المصري بعدم احترام سيادة القانون الأمريكي، إلى غير ذلك من الاتهامات التي كالوها بحق الرجل، فيما بدا محاولة استباقية للإرهاب.
إذ قال السيناتور الجمهوري "بيتر كينج" رئيس لجنة الأمن الداخلي بمجلس الشيوخ: إن كلمة مرسى دليل على أنه إسلامي متشدد لا يمكن الوثوق به، وأضاف: "هذه طريقة مشينة لبداية فترة رئاسته".
يصدر مثل هذا عن الأمريكان ـ والأمريكان بالذات ـ الذين لوثوا بأحذيتهم القضاء والقانون وكل ما يمكن وصفه بالسيادة عندنا، ليس لأنهم هربوا مواطنيهم المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، بل لسوابق لا تُعد ولا تُحصى من التدخل السافر في شؤوننا وشؤون غيرنا من شعوب العالم.
أمريكا التي أفرجنا لسواد عيونها عن عشرات الجواسيس، تأبي أن تُفرج لنا عن شيخ سبعيني مريض، لفقت قضية باطلة لمحاكمته ثم وضعته في زنزانة انفرادية، دون أن توفر له من يرعاه وهو كفيف مريض.
أمريكا التي مارست كل أشكال الإجرام في أفغانستان والعراق والصومال وباكستان، صاحبة "أبو غريب" و"جوانتانامو" و"باجرام" و"الفلوجة" تتحدث عن القانون والحريات.. أمريكا التي تقتل المدنيين العزل في دول العالم، ليل نهار، وبأفتك أنواع الأسلحة حتى يتبول جنودها على جثث الموتى تتحدث عن الاحترام!!!
أمريكا التي تتهم الشيخ عبد الرحمن بالإرهاب ـ وهو منه براء ـ هي دولة الإرهاب الأولى في العالم، وهذا لقبها الذي تستحقه بجدارة، وليس أدل على ذلك مما تفعله الآن بالمناطق القبلية في باكستان، بواسطة طائراتها، التي تقتل كل ما تشتبه فيه بغض النظر إن كان امرأة أو طفل أو شيخ أو حتى قعيد، وهو ما كانت تفعله من قبل في الصومال وفي اليمن وغيرهم.
أمريكا تذهب أبعد من ذلك برعايتها للإرهاب، عبر عقود، وهو ما تقوم به الآن من توفير الحماية لصالح العصابات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية، التي تمارس كافة أشكال الإجرام بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
ماذا جنى رئيس الجمهورية المنتخب حينما تعهد أمام شعبه ـ وهذا واجبه ـ بالإفراج عن مواطن مقهور مضطهد لدى دولة أجنبية.. الدول من حولنا تُقيم الدنيا ولا تُقعدها من أجل أسير، جرى أسره في المعارك، وهو يحمل السلاح للقتل.. فكيف بنى ونحن لنا شيخ سبعيني مريض وكفيف، يعاني وحده في زنزانة إنفرادية، وضعه فيه المتغنون بحقوق الإنسان ليس إلا للتشفي والإمعان في تعذيبه نفسيا وبدنيا.
للدكتور مرسي الحق كاملا في تعهده بإطلاق العالم الأزهري الضرير، بل وهذا واجبه تجاه المصريين في الخارج قبل الداخل.. لكن الأمريكان ـ وكما عهدناهم ـ لا يتقنون سوى منطق العنجهية، وأسلوب الإرهاب والتعالي على الآخر، بحق أو بباطل.. لا يتركون ما يزعمونه حق لهم ولديهم الاستعداد الكامل لانتهاك كل حق لمن سواهم.
يبدو أن الأمريكان ينسون ماضيهم وحاضرهم سريعًا، أو ربما يظنون أن شعوب العالم من السهل أن تنسى لهم الإجرام الذي مارسوه وما يزالوا.. إن الثورة التي خرج لها ملايين المصريين يهتفون بسقوط مبارك، لم يكن همهم مبارك وحده أو رؤوس نظامه، بل سياسات كرس لها، قامت على التبعية والاستضعاف أمام الآخر، أهدر فيها حقوق المصريين في الداخل والخارج، حتى كانت إسرائيل ـ ربيبة أمريكا ـ تستبيح دماء الجنود المصريين على الحدود دون أن يوجه لها كلمة أو تصريح يبدي فيه احتجاجا.
إن الثورة التي أسقطت مبارك هتفت لإسقاط هذه السياسات، وهذا ما نعلمه ولا نعلم غيره، فإن كانت المعلومة لم تصل أسماع الأمريكان وحلفائهم، سيكون على من يحكمونا من الآن أن يبلغوا شرطي العالم هذا الجديد بالطريقة التي يفهمها.. ولا يمكن ذلك إلا بالتأكيد على حقوق المصريين حيث كانوا، وعدم التفريط في قليل أو كثير منها، وهذه هي العقيدة التي ينبغي على كافة مؤسسات الدولة أن تتبناها من الآن، فضلا عن احترام القانون في بلادنا، واستقلال المؤسسة القضائية بما لا يجعلها تفرق في الحكم بين أمريكي وهندي حتى ينال عقابه.
واقرأ أيضاً: