أغلب ما يصلني من تقارير حقوقية عن الوضع الإنساني في مصر هي صادرة عن منظمات أجنبية، وقد تشجعت بعض المراكز المحلية وعقدت مؤتمرا صحفيا مطلع العام، ثم أصدرت بيانا لاحقا يعلق على البيان الرسمي للمجلس القومي لحقوق الإنسان.. الذي جاء منحازا بشكل صارخ لصالح سلطة تقتل وتعتقل وتستخدم صلاحيات الدولة –الراعي الحصري للعنف المسموح به طبقا لفكرة ونظام ومفهوم الدولة -في التنكيل بالخصوم السياسيين، وحماية مصالح العصابات المسيطرة على مصر منذ عقود!!!
استشهاد زميل الدراسة السوري الذي ذهب إلى بلده ولم يعد للمدرسة الثانوية حيث كنا معا.. نهايات السبعينات.. علمني بشكل مبكر أن السلطات تقتل الناس خارج القانون، والإنسانية، وبعدها توالت صدمات متلاحقة دفعتني إلى الاهتمام بالتعرف على عمل الدفاع عن حقوق الإنسان، وتباعا اهتممت بتلقي كل ما أتيح أمامي من دورات ومعارف حول الموضوع، وحضرت لقاءات، ودخلت في نقاشات متنوعة، كما حاضرت ودربت في هذه المساحة التي أحبها كثيرا، وأدين لها بجزء كبير من تكويني الشخصي والمعرفي!
مطلع الثمانينات، وفي معرض القاهرة الدولي للكتاب تعرفت على لجان سورية تعمل في المنفى، وحملت إلى بيتي منشوراتهم التي تروي عن مذبحة حماة، ويرها.. ناقلة إلى وعيي الغض أهوالا جذبتني لأتعرف على أوضاع حقوق الإنسان في العراق، وليبيا، ومصر، ثم السودان مع بدايات ما سمي بثورة الإنقاذ التي لم أتفاءل بها كثيرا، كما انتقدت أوضاع حقوق الإنسان تحت ظل حكمها في برنامج تلفزيوني عربي رفض بعض كبار الكتاب والمفكرين المحسوبين على الاتجاه الإسلامي أن يشاركوا فيه ربما تحفظا من نقد نظام كان صديقهم د.الترابي.. جزءا منه حينذاك!! إذن..
في الوقت الذي تعالت فيه أصوات بعض المثقفين العرب وتداعت وفودهم إلى قبرص –بعد أن رفضت احتضان اجتماعهم كل العواصم العربية -ليعلنوا ميلاد المنظمة العربية لحقوق الإنسان في النصف الأول من الثمانينات، وفي الوقت الذي بدأت الفكرة تنتشر من بلد إلى بلد عربي في أوساط بعض النخب، وتتكون مكاتب ومراكز ومنظمات لحقوق الإنسان.. كانت بعض التيارات الإسلامية في وفاق نسبي، أو كامل مع الأنظمة، وكانت تيارات إسلامية أخرى في بلدان أخرى تخوض معركتها الخاصة مدافعة عن حقها في الوجود العلني القانوني، أو حفظ سلامة أعضاءها من الملاحقات!!
وفي توقيتات ملاحقة السلطات لبعض هذه المنظمات –وبخاصة الناشط منها فعلا -حيث شنت عليها حرب شائعات وسمعة وتخوين.. وملاحقات قانونية أحيانا.. كانت التيارات الإسلامية مشغولة بأولويات أخرى، أو متورطة في معارك وجودها، ولم تعتبر يوما أن مساحة حقوق الإنسان هي أفق يلزمها أن تلحق به، أو تقدم فيه إسهاما ناقدا ومطورا، أو تدرب قواعدها على مهارات وآليات المدافعة فيه، والتوعية بتفاصيله، والتعلم من تاريخ نضالاته الإنسانية المجيدة!!
بل ربما استسهل بعض الشباب أو القيادات من التيارات الإسلامية الاشتراك مع السلطة في الهجوم على هذه المنظمات تحت دعاوى كثيرة، ولا أنسى أبدا أن مؤتمر الأمم المتحدة للسكان والتنمية منتصف التسعينات قد انسخط واختزل عند هذه التيارات ليصبح مؤتمرا للشذوذ والشواذ حتى كتبت دكتورة جامعية مقالا شهيرا نزل في صدر جريدة الشعب –حينذاك -بعنوان: أرجموا هذا المؤتمر!!
نفس ذات المؤتمر ضم أكثر من 3000 ناشط وناشطة في مجال العمل البيئي والسكاني والتنموي والدفاع عن حقوق الإنسان جاءوا من كل فج عميق يحملون من الخبرات والتجارب ما يلزم تعلمه، وما صار معلوما من العصر بالضرورة، بينما أغلبية الإسلاميين كانوا بين حانق على هذا المؤتمر (الفاجر)، أو مهمل له على أقصى تقدير، لأن الأمر لا يعنيه!!
و كالعادة : من يزرع يحصد، وكلنا نحصد الآن!!
في مواجهة شرسة مع سلطة مجرمة تتسلح بالقانون والعتاد والرجال ليس لدى المصريين حركة حقوق إنسان شعبية قوية تحمل المفاهيم وتنشر الوعي وتمكن الناس من الأدوات والآليات، وتقاوم الظلم بأساليب متنوعة وطرق مختلفة.. كما في تجارب البشر.. التي يجهلها أغلب الإسلاميين.. تماما!!!
فكرة ومفاهيم وأدوات حقوق الإنسان تحولت إلى بضاعة محدودة الانتشار يسترزق منها من يريد، ويصرخ بها في البرية آخرون أكثر إخلاصا للحرية والإنسانية، لكنهم أفراد متناثرون.. بينما الكتل والحشود والملايين غارقة في الدم والدموع والولولة وقلة الحيلة وخيبة الرجاء، وما تتصوره معارفهم الضامرة هزائما، وما هي بهزائم.. لكنه الجهل المركب الذي يزري بصاحبه، ويفعل به الأفاعيل، ولو كان يزعم الانتساب لأمة إقرأ بينما هو عالة على من يبرمج له عقله ونشاطه.. إعلاما كان، أو جماعة، أو أي بؤس.. مما يشتهي المصريون، ولهم في اشتهاء البؤس دروب وتفانين!!
ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ولمن يسأل عن حلول.. أو مخرج.. أنصحه بقراءة هذا المقال ثانية، وكذلك مقالي "البنية التحتية للبؤس المستدام"، و"التحرر من البرمجة"، والله تعالى.. أعلى، وأعلم.
الجمعة، 25 أبريل 2014 11:15
واقرأ أيضاً:
فيما يرى الحالم المختبر.../صفحة جديدة.. ممكنة/ التربيط/ مسار الثورة لحظة محمد محمود 19/11/2013/ مسار الثورة 7 ديسمبر.... فرصة نادرة ! / التحرر من البرمجة