لحظة الميدان المبهرة كانت تحمل بدايات كثيرة منها البشارة بميلاد مجتمع مصري جديد متماسك من رحم تشوهات وتحديات وفرقة وتفكيكات وتراكمات مرهقة مدمرة طالت لأمد يحتار في تحديده الباحث المنصف. أخطر ما في احتشاد الناس معا في ميدان التحرير كان أنهم شعروا بقوتهم وبدأوا يتعاملون على أساس أنهم الطرف الأقوى، في مواجهة السلطة التي تنتهكهم طوال عقود وربما قرون!
الإخوان كانوا هم القرص الصلب، والأقلية الفارقة وسط ملايين المحتشدين، وبدلا من تكريس صيغة "قوة الشعب" وتحويلها إلى أنساق حركية جديدة وصيغ مواجهة لتصفية تركة الماضي البغيض .. اندرج الجميع في الفخ الساذج المنصوب لهم.. ليتم تفكيك حشد الميدان بدءا من استفتاء مارس، أي بعد شهر وأيام ... من تنحي مبارك!
إجهاض ميلاد مجتمع جديد هو فشل تتحمله كل الأطراف، وكل على قدر حجمه، ووعيه، وهذا الإجهاض يعني أننا ما نزال في نفس المجتمع القديم بتوازناته ومكوناته وصراعاته، فكيف بدا رمضان مع تغييب أحد أهم هذه المكونات، بالقتل ..والاعتقال .. والانتهاكات ..والتهديدات للجميع .. وإجراءات إدارية قمعية طالت الجمعيات والمساجد والزاويا .. في سياسة تبدو منهجية، وكأنها تنتمي إلى خطط تجفيف المنابع!
الموضوع طرحه أحد أبرز أساتذة علم الاجتماع في الجامعات المصرية على صفحته في الفيسبوك، وطرحته أنا أيضا بدوري على صفحتي، والسطور التالية هي استقراء في أهم التعليقات التي وصلتنا:
عاد الحديث عن التدين الحقيقي والمزيف المظهري، وكانت 25 يناير قد أبدعت نموذجا جديدا فاعلا يمكن تسميته التدين المجتمعي الثوري الدينامي، لكن مع إجهاض البدايات يبدو مطروحا أن يستخدم الناس نفس المصطلحات والمقاييس القديمة!
اختلف المعلقون حول تفسير ما يرونه من انحسار لمظاهر الإقبال على الطقوس والشعائر، فمن قائل بأن غياب الإخوان وأنصارهم عن صدارة المشهد قد ساهم في ظهور حقيقة تدين المصريين، حيث الإفراط بمظاهر التدين غالبا ما يغطي جوهرا لا يعبأ كثيرا بحقيقته ومقاصده!
ومنهم من قال أن الخوف من القمع والاعتقالات والاتهام بالإرهاب هو السبب الرئيس وبخاصة مع ملاحقة بعض الأئمة، وإغلاق بعض المساجد، والتضييق على الاعتكاف، كما الاحتكاك بجمعيات خيرية كبيرة وواسعة الانتشار مثل الجمعية الشرعية، وجمعية رسالة!
لن تدهشك إذن اللافتة البلاستيكية الضخمة التي تغطي بوابة أكبر مقرات الجمعية الشرعية بالجيزة، ومكتوب عليها: وزارة الأوقاف – مسجد الاستقامة!
تجميد الأموال، وتلفيق التهم لأصحاب الجهود الخيرية الموجهة للفقراء والمعدمين وأطفال الشوارع من شأنه أن يحجم اندفاع المصريين المعتاد لفعل الخير، لكنه لم يكن كافيا بالطبع لإيقاف كل المحاولات، وإن ظلت بغير دعاية مثل السابق، ومفتقدة للتنظيم والتنسيق بأعداد كبيرة .. كما كان معتادا كل عام!
تفشي المجاهرة بالإفطار وبخاصة في أوساط شباب الحرفيين ربما يعكس خللا في التوازن المجتمعي الذي كان مستقرا في ظل وجود تكتلات تحافظ على الشعائر، وتدعو إليها، وتقدم نوعا من الانتقاد الاجتماعي للمخالفين مما يمثل نوعا من الردع لسلوكيات مثل هذه!
أخرون رأوا في المشهد نوعا من العزوف والاحتجاج الصامت على ما يقع من مظالم، وما جرى ويجري من دماء وانتهاكات وتجاوزات.. مع العجز عن ردعها، أو حتى رؤية أفق للإفلات منها!
أستاذ علم اجتماع آخر رأى حالة من الإحباط العام، مصحوبة بخلل إيماني عند البعض يتسائلون معه: أين الله سبحانه..من كل ما يجري ؟ ويتجلى نفس الخلل في العزوف عن العبادة، وربما أضيف أنا أن نفس الذهنية ربما دفعت بزخم جديد إلى الموجة الإلحادية الصاعدة منذ بضعة سنوات في مصر!
البعض لاحظ أن الاختلاف بين الناس في إدراكهم لأثر تغييب الإخوان هو ناتج عن موقعهم بالقرب أو بعيدا عن دوائر تأثير الإخوان وتواجدهم، كما رأوا أن جهود الإخوان الحالية منكفئة لتضميد جراحهم، وإعالة أسرهم، ومواساة الثكالى والأيتام وذوي المعتقلين (زهاء الأربعين ألف، وزيادة)!
إحداهن قالت إن غياب الروح عن رمضان هذا العام هو طبيعي لأن بعض الوطن مغيب، وملايين من الناس مكسورة ومحبطة ومجروحة وتعاني قهرا فادحا وظلما ثقيلا!
أخرون رأوا في الأمر فرصة لرؤية المشهد في غياب التوظيف السياسي للتدين والعمل الخيري، كما انتبهت باحثة أخرى لتصاعد صوت التصوف عبر برامج وقنوات وشخصيات .. مما يخشى معه استبدال تدين مصطنع _كما يرى البعض_ بأخر مصطنع .. أيضا!!
يبقى أن هذا الرصد ما يزال يدور في إطار المشاهدات الفردية، والانطباعات السريعة بأكثر مما ينتمي للبحث المتفحص المتعمق في موضوع جدير بنقاش أوسع، ودراسة أوفى .. عن مجتمع ما يزال يشهد متغيرات متلاحقة، وصدمات وصدامات متتالية، قلما يتصدى لرصد تأثيراتها .. أحد!
والله تعالى أعلى، وأعلم! وكل فطر .. وأنتم طيبون!
الإخوان كانوا هم القرص الصلب، والأقلية الفارقة وسط ملايين المحتشدين، وبدلا من تكريس صيغة "قوة الشعب" وتحويلها إلى أنساق حركية جديدة وصيغ مواجهة لتصفية تركة الماضي البغيض .. اندرج الجميع في الفخ الساذج المنصوب لهم.. ليتم تفكيك حشد الميدان بدءا من استفتاء مارس، أي بعد شهر وأيام ... من تنحي مبارك!
إجهاض ميلاد مجتمع جديد هو فشل تتحمله كل الأطراف، وكل على قدر حجمه، ووعيه، وهذا الإجهاض يعني أننا ما نزال في نفس المجتمع القديم بتوازناته ومكوناته وصراعاته، فكيف بدا رمضان مع تغييب أحد أهم هذه المكونات، بالقتل ..والاعتقال .. والانتهاكات ..والتهديدات للجميع .. وإجراءات إدارية قمعية طالت الجمعيات والمساجد والزاويا .. في سياسة تبدو منهجية، وكأنها تنتمي إلى خطط تجفيف المنابع!
الموضوع طرحه أحد أبرز أساتذة علم الاجتماع في الجامعات المصرية على صفحته في الفيسبوك، وطرحته أنا أيضا بدوري على صفحتي، والسطور التالية هي استقراء في أهم التعليقات التي وصلتنا:
عاد الحديث عن التدين الحقيقي والمزيف المظهري، وكانت 25 يناير قد أبدعت نموذجا جديدا فاعلا يمكن تسميته التدين المجتمعي الثوري الدينامي، لكن مع إجهاض البدايات يبدو مطروحا أن يستخدم الناس نفس المصطلحات والمقاييس القديمة!
اختلف المعلقون حول تفسير ما يرونه من انحسار لمظاهر الإقبال على الطقوس والشعائر، فمن قائل بأن غياب الإخوان وأنصارهم عن صدارة المشهد قد ساهم في ظهور حقيقة تدين المصريين، حيث الإفراط بمظاهر التدين غالبا ما يغطي جوهرا لا يعبأ كثيرا بحقيقته ومقاصده!
ومنهم من قال أن الخوف من القمع والاعتقالات والاتهام بالإرهاب هو السبب الرئيس وبخاصة مع ملاحقة بعض الأئمة، وإغلاق بعض المساجد، والتضييق على الاعتكاف، كما الاحتكاك بجمعيات خيرية كبيرة وواسعة الانتشار مثل الجمعية الشرعية، وجمعية رسالة!
لن تدهشك إذن اللافتة البلاستيكية الضخمة التي تغطي بوابة أكبر مقرات الجمعية الشرعية بالجيزة، ومكتوب عليها: وزارة الأوقاف – مسجد الاستقامة!
تجميد الأموال، وتلفيق التهم لأصحاب الجهود الخيرية الموجهة للفقراء والمعدمين وأطفال الشوارع من شأنه أن يحجم اندفاع المصريين المعتاد لفعل الخير، لكنه لم يكن كافيا بالطبع لإيقاف كل المحاولات، وإن ظلت بغير دعاية مثل السابق، ومفتقدة للتنظيم والتنسيق بأعداد كبيرة .. كما كان معتادا كل عام!
تفشي المجاهرة بالإفطار وبخاصة في أوساط شباب الحرفيين ربما يعكس خللا في التوازن المجتمعي الذي كان مستقرا في ظل وجود تكتلات تحافظ على الشعائر، وتدعو إليها، وتقدم نوعا من الانتقاد الاجتماعي للمخالفين مما يمثل نوعا من الردع لسلوكيات مثل هذه!
أخرون رأوا في المشهد نوعا من العزوف والاحتجاج الصامت على ما يقع من مظالم، وما جرى ويجري من دماء وانتهاكات وتجاوزات.. مع العجز عن ردعها، أو حتى رؤية أفق للإفلات منها!
أستاذ علم اجتماع آخر رأى حالة من الإحباط العام، مصحوبة بخلل إيماني عند البعض يتسائلون معه: أين الله سبحانه..من كل ما يجري ؟ ويتجلى نفس الخلل في العزوف عن العبادة، وربما أضيف أنا أن نفس الذهنية ربما دفعت بزخم جديد إلى الموجة الإلحادية الصاعدة منذ بضعة سنوات في مصر!
البعض لاحظ أن الاختلاف بين الناس في إدراكهم لأثر تغييب الإخوان هو ناتج عن موقعهم بالقرب أو بعيدا عن دوائر تأثير الإخوان وتواجدهم، كما رأوا أن جهود الإخوان الحالية منكفئة لتضميد جراحهم، وإعالة أسرهم، ومواساة الثكالى والأيتام وذوي المعتقلين (زهاء الأربعين ألف، وزيادة)!
إحداهن قالت إن غياب الروح عن رمضان هذا العام هو طبيعي لأن بعض الوطن مغيب، وملايين من الناس مكسورة ومحبطة ومجروحة وتعاني قهرا فادحا وظلما ثقيلا!
أخرون رأوا في الأمر فرصة لرؤية المشهد في غياب التوظيف السياسي للتدين والعمل الخيري، كما انتبهت باحثة أخرى لتصاعد صوت التصوف عبر برامج وقنوات وشخصيات .. مما يخشى معه استبدال تدين مصطنع _كما يرى البعض_ بأخر مصطنع .. أيضا!!
يبقى أن هذا الرصد ما يزال يدور في إطار المشاهدات الفردية، والانطباعات السريعة بأكثر مما ينتمي للبحث المتفحص المتعمق في موضوع جدير بنقاش أوسع، ودراسة أوفى .. عن مجتمع ما يزال يشهد متغيرات متلاحقة، وصدمات وصدامات متتالية، قلما يتصدى لرصد تأثيراتها .. أحد!
والله تعالى أعلى، وأعلم! وكل فطر .. وأنتم طيبون!
واقرأ أيضا: