تخرجت من كلية الطب، وأصبحت طبيباً بالرغم من رسوبي في الامتحان النهائي ..
نعم حقيقة وليست طرفة، حدث ذلك عام 1978، لم أكن الوحيد الذي حصل على شهادة الطب وهو راسب!!
في الحقيقة لم تنجح سوى طبيبة واحدة من أصل 26 طالباً وطالبة.
أما كيف حدث هذا فبينما كنا في مرور جماعي على حالات الأطفال بمستشفى الأطفال الجامعي، طلب الأستاذ من أحد الطلاب فحص حالة طفل أتى بصحبة أمه الريفية الفقيرة، ولكي يستجيب الطفل للفحص من قبل الطالب، أعطاه الأستاذ قطعة من الشوكولا بالبندق، خطفها الطفل وراح يتلذذ بأكلها و"يبصق" البندق ظناً منه أنه "بذر"!!
أثار هذا المشهد ضحك الطلاب والأستاذ، وكنت أنا أيضاً ممن ضحكوا على هذا المشهد، ولم لا، وهو مشهد يجعل المترفين من أمثالنا يقهقهون من منظر الفقر "المضحك".
إلا طالبة واحدة .... كانت تقف بجواري امتلأت عيناها بالدموع، ومسحتهما، وانزوت وبدأت في بكاء مكتوم، راقبتها حتى انصرفت وهي تخفي وجهها بيديها.
بعد كل هذه السنوات، أتذكر هذا المشهد، ولكن المتغير الذي أصابني هو قراأتي الجديدة للمشهد، وهي القراءة التي سبقتني إليها زميلتي قبل 36 عام، وهي الوحيدة التي تخرجت كـ "طبيبة" لأنها نجحت بينما رسب الآخرون – وأنا منهم- وهو قراءة أعراض الفقر لأنه مرض شأنه شأن أي مرض بدني آخر، والفرق الوحيد أنه مرض "اجتماعي".
تخيل لو أنك دخلت على الطبيب بوجه متورم من جراء التهاب، وبدأ يضحك من وجهك الـ"كاريكاتوري" !! كيف ستكون ردة فعلك.
إن شهادة الطب تعنى أن الطبيب نال العلم الطبي، ولكن هذا لا يكفي لممارسة المهنة، بل من الضروي أن يحوز على شهادة أعلى في الآدمية والتعامل مع البشر.
إذا كانت معاناة الآخرين تُضحكك، فأنت لست جديراً بلقب "إنسان". لذا تبدأ دراسة الطب في الطفولة، عندما تتربى على مفاهيم الإنسانية.
تذكر أنك لو شعرت بألمك، فأنت حي، أما عندما تشعر بآلام الآخرين، فأنت عندئذ "إنسان".
واقرأ أيضاً:
النفس...والطب!! \ بعد سنة في كلية الطب ....