الشخصنة*
السلوك السياسي في البلاد يُظهر بوضوح أن المجتمع وعلى مر العصور والفترات يعبر بسلوكه عن الشخصنة، أي أنه يركن إلى فرد ما ويجعله حالة لا بشرية، ويمنحها طاقات مطلقة وصلاحيات خارقة.
وهذا السلوك يتكرر في المجتمع ولا يُعرف التشافي منه، وكأنه يتحرك بدائرة مفرغة من التداعيات القاسية ولا يعنيه الوطن والحاضر والمستقبل.
وأهم أسباب الحالة القائمة هو هذه الشخصنة التي تريد إفراغ أي سلوكٍ بشري من محتواه الإنسان، وتعتبره آليا بحتاً مجرداً من المشاعر والأحاسيس، وكأن الذي تمكن من المنصب (الفلاني) صار مُقَدَّساً ولا يمكن استبداله، أو أن المجتمع أصبح عاجزاً تماماً عن إيجاد بديل له لأن الناس يستحوذ عليها التقديس والانقياد والتبعية والإذعان لما هو متحقق في لاوعيها الجمعي من الصور والتهيؤات.
والعجيب في الشخصنة أنها تجعل من الفرد المُشخصن يتصرف وكأنه الإله، ولا يشعر بما يدور حوله ، وإنما يعيش في فنتازيا انقطاعية عن واقعه، ويزداد نرجسية وشعوراً بالفوقية والعظمة، حتى لتجده يتهاوى في كرسيه الذي زعزعته الأوهام.
وما نعانيه اليوم هو الإمعان بالشخصنة الذي يمنع الرؤية الواضحة والحل الصائب، ويدفع باتجاه تدمير الذات والموضوع. وهذا السلوك ليس فردياً وحسب، وإنما مستمد من تفاعلات جماعية وطاقات لاواعية مؤثرة في السلوك الجمعي في المجتمع الذي يبدو وكأنه يسعى بطاقاته الخفية نحو الانتحار الجماعي والتحول إلى قرابين للكراسي والأشخاص!!
تلك بعض حقائق ما يحصل في أروقة الوجيع القائم في بلادٍ يعتمل أيامها الدمار والخراب والتصارع على المناصب والسلطات، وتمضي في دروب التفاعلات السلبية الماحقة لكل موجود، ولن تتبدل الأحوال أو تحصل تغيرات ذات قيمة إيجابية، بل إنها ربما ستتدحرج إلى مستنقعات الوعيد بقدراتها المستعدة لصناعة سقر!!
ومن الواضح أن الفردية جنت على البلاد في عصر الجمهوريات، وها هي تقضي عليها بالضربة القاضية في زمن الديمقراطية المزعومة، حيث دخل الدين بأحزابه المتطرفة وقدراته العدوانية المنفعلة العمياء الهوجاء ليحيل الوجود إلى رماد ودخان. والعجيب في الحالة الجديدة أنها تعتمد على الآخرين من القوى الإقليمية والدولية التي تنظر إلى مصالحها فقط ولا يعنيها ما ينفع البلاد.
وبهذه العقلية والتوجهات المشخصنة يمضي ناعور الآهات بدورانه الفظيع، والدنيا ترقب وتترقب، ولا يعنيها الأمر ما دامت مصالحها تتحقق!!
"وسعيدٌ مَن اكتفى بغيره"!!
* الشخصنة أن تقرن حالة ما بشخص ما لتبرر محقها دون اكتراث أو شعور بالمسؤولية، أي إضفاء صفة شخصية عليها وحسب، كأن تقول "بلاد فلان" فتدمرها وكأنك تدمر فلاناً.
د-صادق السامرائي
5\7\2014
واقرأ أيضاً:
التخاصم والتفاهم \ للحياة وفهم الحياة \ العرب أعداء العرب