صورٌ ومشاهدٌ من معركة سيف القدس (2)
ليلةُ القصفِ المسعورِ والغاراتُ الوحشيةُ
شهدت ساعات الليل المتأخرة من يوم الخميس، وهو اليوم الرابع للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تصعيداً عسكرياً مجنوناً، وقصفاً جوياً وبرياً وبحرياً مسعوراً، شاركت فيه المقاتلات الحربية والبوارج البحرية، والدبابات الثقيلة ومدافع الميدان، نفذت خلاله قوات الاحتلال قصفاً عنيفاً للغاية، وصف بأنه الأكثر شدة والأوسع انتشاراً، والأطول فترةً والأكثر تواصلاً، حيث شمل كل مناطق القطاع، لكنه تركز بصورةٍ لافتةٍ على شمال وجنوب القطاع في وقتٍ واحدٍ.
وذكر ناطقٌ رسمي باسم جيش العدو، أن 160 طائرة حربية نفذت على مدى ساعاتٍ متوالية، ليل الخميس وفجر الجمعة، غاراتٍ مركزة على أكثر من 150 هدفاً في شمال قطاع غزة، استخدم خلالها الجيش أسلحة حديثةً ذات قدراتٍ تفجيرية عالية، وادَّعَى الناطق الرسمي باسم الجيش أن العملية كانت تستهدف تدمير مقرات عمل حماس في الأنفاق، ومراكز إدارة ومنصات إطلاق الصواريخ.
بدا نتنياهو في هذه الليلة كالثور الهائج المطعون، يتخبط وجيشه، ويترنح وقيادته، يدور حول نفسه كجاموس تدور حول الساقية، يكاد يسقط إعياءً وينهار فشلاً، إذ يريد أن يحقق إنجازا، وأن يسجل نصراً، ويتطلع إلى استهداف رموز المقاومة وقادتها، وتحقيق بعض أهدافه التي أعلن عنها، فذهب بنفسه إلى الجبهات، يزور جنوده ويتفقد مواقعه، ويطلق من بينهم بابتسامةٍ صفراء، ووجهٍ كالحٍ أسود لا يخفي قلقه وخوفه، تصريحاتٍ ناريةٍ، وتهديداتٍ جوفاء، أن جيشه سيواصل القصف، وسيجني من حماس أثماناً باهظة، وأن الآتي أعظم، وأن العملية ستستمر حتى يستقر الهدوء على "حدود كيانه" مع قطاع غزة.
لكن فصائل المقاومة كذبت نتنياهو وصدمته، ولطمته وصفعته، إذ ردت على القصف الإسرائيلي المسعور بأكثر من 190 صاروخاً، أطلقتها على مدن عسقلان وأسدود ومدن غلاف قطاع غزة، أصابت العشرات منها أهدافها، وألحقت أضراراً فادحة بالمباني السكنية، وتسببت في حدوث عددٍ من الإصابات بين المستوطنين، وادَّعَى جيش الاحتلال أن ثلاثين صاروخاً منها سقطت في قطاع غزة، بينما أسقطت قبته الحديدية أغلب ما وصل منها إلى أجوائهم، لكن مصادر إسرائيلية إعلامية مستقلة تؤكد أن المدن الإسرائيلية التي استهدفتها صواريخ المقاومة الفلسطينية قد لحقت بها أضرارٌ كبيرة، وأن سكانها ما عرفوا النوم، إذ نزلوا جميعاً إلى الملاجئ، واستمر بقاؤهم فيها ساعات الصباح الأولى من يوم الجمعة.
حرث جيش العدو أرض قطاع غزة، ولكن النتيجة أظهرت أنه كان يحرث في بحر، وأن أياً من أهدافه التي خطط لها لم تتحقق، رغم أن الغارات العنيفة تسببت في تدمير العديد من المباني، واستشهاد وإصابة العشرات من المواطنين الفلسطينيين، إذ أن أغلب الغارات استهدفت المناطق السكنية المدنية المأهولة بالسكان، إلا أن رد المقاومة السريع والناجز، الذي طال العديد من المدن الإسرائيلية، خيب آمال الإسرائيليين وأغضبهم، وأثبت لهم أنها قادرة على امتصاص الضربات وتحدي الغارات، وأنها قد راكمت من القوة والخبرة ما يمكنها من الصمود وتحدي الأخطار، مما دفع بمسؤولين إسرائيليين إلى الإعلان كذباً عن نجاح جيشهم في تحقيق الأهداف التي وضعها وخطط لها.
لا تستغربوا أن تشهد الساعات القادمة أصواتاً إسرائيلية تعلو بصخبٍ، تطالب حكومتها بوضوحٍ وصراحةٍ، بوقف العمليات الحربية على قطاع غزة، والعمل على التوصل إلى تهدئة سريعة مع الفلسطينيين، فقد بات الإسرائيليون جميعاً في مرمى نيران المقاومة، التي لا تنفك تفاجئهم بالجديد الدقيق، وتداهمهم بالقوي الفتاك، وتقصفهم بالصواريخ بعيدة المدى وبالمسيرات الذكية المحملة بالمتفجرات الثقيلة، وما زال في جعبتها الكثير مما يمكن لها ويثبتها، وبما يسر شعبنا ويسعدنا، وبما يرفع رأس أمتنا ويشرفها، وبما يخزي العدو ويذله، ويضعف إرادته ويكسر شوكته، ويرهق جيشه ويفشله.
بيروت في 13/5/2021
ويتبع>>>>: صورٌ ومشاهدٌ من معركة سيف القدس (4)
واقرأ أيضا:
التطبيعُ العربيُ يرفعُ نتنياهو وصاروخُ النقبِ يسخطُهُ/ إسرائيلُ ضحيةُ الإرهابِ المزعومِ والعدوانِ المُفتَرى