صدمت المقاومة الفلسطينية العدو بقدراتها، وفاجأت أهلها وأصدقاءها بأدائها، وأذهلت المراقبين لها والمراهنين عليها بقوة فعلها وسداد رميها ودقة إصابتها، وأربكت العدو والصديق بغزارة نيرانها وجاهزية منصاتها وكثافة رشقاتها، وأحسنت استخدام قدراتها وتوظيف معلوماتها والاستفادة مما جمعته وراكمته، فأدرك العدو أنه أمامها مكشوف، وأن أهدافه عندها مرصودة، واحداثياتها معلومة بدقةٍ، وأن الاستمرار في المعركة أكثر سيكشف عن المزيد من نقاط الضعف ومظاهر الخرق، وسيمزق الجبهة الداخلية أكثر، بعد أن أجبرت صواريخ المقاومة غالبية مستوطني الكيان الصهيوني على الهروب إلى الملاجئ والبيوت المحصنة.
أصبحت المقاومة بتراكم قوتها وآخر معاركها التي أطلقت عليها اسم "سيف القدس"، قادرة على إثبات وجودها وفرض قواعدها وحماية معادلاتها، وباتت ذراعها طويلة بعد أن كانت جدرانها حصينة، وأصبحت تغزو وتهاجم بعد أن كانت تصد وتدافع، فأصاب العدو هلعٌ كبيرٌ بأن مشروعه في فلسطين بات مهدداً فعلياً من الداخل، وأن إمكانية تفجيره من داخله أصبحت ممكنة، وهو الذي اعتاد على خوض الحروب القصيرة المدى خارج حدوده، وعلى أرض خصومه، ولكن الحال تغير والواقع تبدل، وباتت المعركة بين مستوطنيه وداخل تجمعاته السكنية، ونجحت المقاومة في تعطيل الحياة العامة، وإغلاق الأجواء الإقليمية ووقف الملاحة الجوية، وخسرت المطارات البعيدة ميزتها الاستراتيجية، بعد أن أدخلتها المقاومة في أتون المعركة.
أدرك الكيان الصهيوني المتخبط سياسياً، والمضطرب اقتصادياً، والمتصدع داخلياً، والقلق على تحالفاته الدولية، أنه لن يستطيع بحروبه التقليدية، وسياساته المتكررة نفسها، ضبط المقاومة، أو نزع سلاحها، أو ترويضها وإجبارها على القبول بالشروط الدولية والالتزام بضوابط الاتفاقيات والمعادات، فلجأ إلى حلفائه الدوليين وأصدقائه الإقليميين، وعرض عليهم أزمته وشكا إليهم خطورة ما يواجه، وطلب منهم المساعدة في ضبط الفلسطينيين وإخضاعهم، وتحجيم قوتهم وإلزامهم، ودعاهم إلى استخدام كل الوسائل الممكنة للوصول إلى الغايات المرجوة والأهداف المنشودة.
يريد الإسرائيليون بكل صراحةِ ووضوحٍ من المجتمع الدولي مساعدتهم في الحرب على المقاومة الفلسطينية عموماً وعلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على وجه الخصوص، والوقوف معهم وتفهم مخاوفهم، فهم لا يريدون قوةً تهددهم، ولا سلاحاً يرعبهم، ولا قراراً مستقلاً يفاجئهم أو إرادةً حرةً تزلزلهم، والمقاومة الفلسطينية باتت حرةً في قرارها، سيدةً في موقفها، قويةً في سلاحها، عنيدةً في موقفها، ومصرةً على تحقيق أهدافها، وهو الأمر الذي ما كانوا يتوقعونه يوماً أو يخشون منه تاريخياً، وكأنهم بعد أن تفككت الجيوش العربية النظامية التي كانت تهددهم، ابتلوا بما هو أشد منها وأقوى، وأخطر عليها وأشد.
يبدو أن التنسيق الأمني الدولي والإقليمي قد تم بالفعل، وأن الأهداف قد حددت بدقةٍ، والخطط قد رسمت بتفاصيلها، وأن التنفيذ الرسمي قد بدأ فعلياً، فقطاع غزة يجب أن يستمر حصاره ويشتد، فلا مسافاتٍ بحرية توسع، ولا معابر تفتح، ولا بوابات تشغل، ولا بريد إليه يصل، ولا أموال إليه تدفع، ولا كهرباء إليه تصل، وأهلها يجب أن يحبسوا فيه ويخنقوا، فلا دواء يصلهم، ولا معوناتٍ تقدم إليهم، ولا سفر يتاح لهم، ولا إعمار لما دمرته الحروب السابقة والحرب الأخيرة، ولا تعويض للمواطنين، ولا مساعدة للمتضررين.
الحرب على المقاومة وأهلها، والتضييق على شعبها وحاضنتها، ليس حصاراً اقتصادياً فقط، أو تجويعاً يومياً ومعاناةً ماديةً، بل إن خطة العدو وحلفائه متكاملة، وهي على كل الجبهات وفي مختلف العناوين، فالحرب مستمرة والعدوان متواصل، والعمليات الحربية قد تستأنف بقوةٍ وعنفٍ، ولا أمن للمقاومين، ولا ضمان لاستمرار الهدوء أو الالتزام بالهدنة ووقف القصف والغارات الجوية.
يريد الإسرائيليون من الوسطاء الدوليين والإقليميين توصيل الرسالة إلى الفلسطينيين بصورةٍ مباشرةٍ، الحرب مستمرة، والضغط متواصل، حتى يسلم الفلسطينيون سلاحهم، ويتخلوا عن مقاومتهم، ويعيدوا إلى الإسرائيليين جنودهم المفقودين وأشلاءهم، فهل تسمح لهم المقاومة بتمرير مخططهم، وتنفيذ مشروعهم، أم أنها يقظة ومدركةٌ، وواعيةٌ ومنتبهةٌ، وتعرف كيف تواجه عدوها وترغمه على تغيير أفكاره وتبديل مفاهيمه، والتاريخ على قدرة شعبها شاهدٌ وعجز عدوها دامغٌ.
بيروت في 22/6/2021
واقرأ أيضا:
لمقاومةُ الفلسطينيةُ تضيقُ على مسيرةِ الأعلامِ الإسرائيليةِ / إيتمار بن غفير يحاربُ الإرهابَ ويستنكرُ الكراهية