لا تكاد تخلو السجون والمعتقلات الإسرائيلية من عشرات القصص والروايات المؤلمة القاسية، والحزينة المؤثرة المثيرة للشجون والأسى، لعددٍ كبيرٍ من الأسرى والمعتقلين العرب والفلسطينيين، الذين تغص بهم معتقلات العدو وسجونه، التي اعتقل فيها منذ تأسيس كيانه وحتى اليوم ما يزيد عن المليون ومائتي ألف عربيٍ وفلسطيني، شملت نساءً وأطفالاً وشيوخاً ورجالاً، وعجزةً ومرضى وجرحى ومصابين وغيرهم، يُفرج عن كثيرٍ منهم ويعاد اعتقالهم وجددٌ آخرون مرةً ومراتٍ أخرى، بما يُبقي في سجونه دوماً آلاف الأسرى والمعتقلين، يتخذهم رهائن يحبس حريتهم، وأسرى يعذبهم، وأدوات إكراهٍ يستخدمها للتأثير على الفلسطينيين والضغط عليهم، ليرغمهم على القبول بسياسته، والكف عن مقاومته، والحد من الحراك الشعبي العام ضده.
لا يتردد العدو الصهيوني في تعذيب الأسرى، المرضى والمصابين، والأطفال القاصرين والنساء الحوامل، ولا يكف عن اعتقالهم والتضييق عليهم، في الوقت الذي يمتنع فيه عن الاهتمام بصحتهم وسلامتهم، ولا يلتزم بتقديم العلاج المناسب لهم، ويرفض الإفراج عنهم لسوء وتردي حالتهم الصحية، أو السماح للأهل والمؤسسات الصحية والإنسانية الدولية بالإشراف عليهم والاهتمام بهم، ويتركهم يعانون في سجونه من الأمراض المستعصية الخطيرة المميتة والقاتلة، ويتسبب بإهماله علاجهم بفقدان بعضهم للبصر، أو إصابتهم بالشلل وفقد القدرة على الحركة، ما يؤدي إلى عجزهم التام عن خدمة أنفسهم.
لعل سجلات العدو السوداء تحفظ آلاف الحالات المرضية، التي تشهد عليها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتدينه والمؤسسات الدولية عليها، وسجل الأسرى والمعتقلين الخالد يدون ويسجل قصص آلاف الأسرى الأبطال الذين عانوا من الأمراض الخطيرة، وشكوا من قسوة الآلام بين جدران السجون وخلف القضبان والأسلاك والشائكة، الأمر الذي يزيد ويضاعف من حزن الفلسطينيين وألمهم، وإحساسهم الكبير بالظلم والاضطهاد نتيجة صمت دول العالم عن جرائم العدو وتجاوزاته في حق أسراهم ومعتقليهم، وعجزهم عن صده ومنعه عن ارتكاب المزيد منها، أو إلزامه بالإفراج عن بعض الحالات الخاصة أو علاجها.
أما شهيدنا الحي وحكايته مع الألم الدائم والمعاناة المستمرة والإهمال المقصود، التي يروي فصولها بصحته المتهالكة، وحالته المتردية، وجراحه المفتوحة، وآلامه القاسية المستمرة، فهو الأسير إياد حربيات، ابن خربة سكة القريبة من بلدة دورا جنوبي الخليل، المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 2002، والمحكوم بالسجن المؤبد وعشرين سنةً إضافيةً، الذي تعرض نتيجة إهمال سلطات السجون الإسرائيلية المقصود في العام 2004 إلى حقنةٍ ملوثةٍ أدت إلى إصابته بانتشارٍ بكثيري أضعف بنيته، وجعله عرضاً للإصابة بمختلف الأمراض، بسبب تهتك جهازه المناعي وفقدانه القدرة على التصدي لأي مرض.
ولما كانت سلطات السجون الإسرائيلية تعتمد الغازات السامة في قمع المعتقلين وعقابهم، حيث تعمد إلى فتح خراطيم الغاز السامة عليهم، التي تصيب الجهاز التنفسي وتعرض الجهاز العصبي للتلف، ولما كان الأسرى والمعتقلون محتجزين في غرفٍ ضيقةٍ وعنابرَ معلقةٍ، فإن كمية الغازات السامة على اختلاف أنواعها، تطال وتصيب جميع المعتقلين، وتستقر في أجسامهم وتتلف أو تعطل أجهزتهم الدماغية والعصبية بالإضافة إلى التنفسية.
وكان الأسير إياد حربيات المريض أصلاً والمصاب قصداً، قد تعرض في العام 2017 للرش المباشر بالغازات السامة، خلال إحدى عمليات القمع الوحشية التي تمارسها سلطات السجون الإسرائيلية بصورةٍ دوريةٍ ضد الأسرى والمعتقلين العزل في غرفهم وأقسامهم، ما أدى إلى إصابته بحروقٍ شديدةٍ وإصاباتٍ مباشرةٍ طالت جهازيه التنفسي والعصبي، وتسببت له بحروقٍ عديدة في مختلف أنحاء جسده، وأثرت على جهازه العصبي، فأصيب بمرضٍ عصبي سبب له رعشة دائمة في جسمه، وعطلت إلى درجة كبيرةٍ حركته، وأثرت على أنشطته الذهنية، فأصبح يعاني من عدم التركيز وفقدانٍ مستمرٍ للذاكرة.
لم يأبه العدو الإسرائيلي لمرض الأسير إياد وإصابته التي يتحمل كامل المسؤولية عنها، ولم يعرْهُ اهتماماً ولم ييسر له سبل العلاج اللازم، بل تمادى في غيه المقصود وسياسته المعهودة، وواصل إهماله حتى تردت حالته الصحية تماماً، شأنه شأن عشراتٍ آخرين من إخوانه وأخواته الأسرى والأسيرات، إلى أن ساءت حالته الصحية كلياً فاضطر إلى نقله مكبلاً بالقيود، ومُصَفَّدَاً بالأغلال إلى مستشفى سوروكا بمدينة بئر السبع، إلا أن الطواقم الطبية العاملة في المستشفى تعاملت معه كعدوٍ، وأهملت القيام بواجبها الإنساني تجاهه، رغم أنها ملزمة كسلطة احتلال برعايته وتقديم العلاج له، إلا أن الروح الإسرائيلية الخبيثة تأبى إلا أن تعبر عن طبيعتها العدوانية وجبلتها العنصرية، مما انعكس تدهوراً أكبر على حالة إياد الصحية، التي تتفاقم سوءً يوماً بعد آخر.
وأفادت مصادر فلسطينية مطلعة تتابع حالة الأسير إياد حربيات، أن سلطات السجون الإسرائيلية قد نقلته إلى عيادة سجن الرملة، وهي العيادة المشؤومة التي يكرهها الأسرى والمعتقلون، والتي لا يحبون الانتقال إليها ولا العلاج فيها، فهي ليست إلا قسماً للتعذيب ومقراً لممارسة السادية والعنصرية، فيها تتفاقم الأمراض، وتستعصي الحالات، ويتأخر العلاج، ويتعذر الشفاء، إذ تتبع العيادة سجن الرملة، وتخضع لإدارة مصلحة السجون، التي تتعمد تعذيب الأسرى بمرضهم، وزيادة معاناتهم بأوجاعهم، وتعميق جراحهم بحرمانهم من الدواء اللازم والعلاج المناسب.
ما زال الأسير إياد حربيات في أغلاله مقيداً وفي أصفاده مسربلاً، رغم أنه الآن يعاني بالإضافة إلى كل ما سبق بيانه من الأمراض، من التهابٍ في البروتستاتا، ما أدى إلى حصر بولٍ شديدٍ عنده، وتعذر قيامه بأداء وظائفه الحيوية بصورةٍ طبيعية، إلا عبر أكياسٍ خارجية، تثبت له ليتمكن من قضاء حوائجه بولاً وبرازاً، إلا أن الأنابيب قد تفجرت داخل جسده، ما أدى إلى حدوث حالة تسمم عامة، والتهاب البروتستاتا والمثانة.
رغم ذلك فقد أعادته سلطات الاحتلال الإسرائيلي محمولاً على محفةٍ إلى سجنه، وأودعته غرفته بلا رعاية، وأخضعته لشروطها القاسية بلا رحمةٍ، إذ أنها لا تخشى من المحاسبة والمسائلة القانونية، ولا تخاف من الملاحقة والمحاكمة، وتمارس جرائمها في ظل غياب المرجعية الدولية الضامنة لحقوق الأسرى والراعية لهم في ظل الاحتلال، لكننا نأمل للضمير الإنساني أن يصحو، وألا يطول الصمت الدولي ويستمر العجز القانوني عن مسائلة العدو ومحاسبته، والانتصار للأسير الفلسطيني عموماً والإفراج عنه، والانتباه لإياد حربيات خاصةً ومساعدته، وتسليط الضوء على قضيته ومعاناته، لتنتهي محنته ويتوقف ألمه، ويبرأ من جروحه ويشفى من أمراضه، وتتحقق حريته ويُفرج عنه.
بيروت في 30/7/2021
واقرأ أيضا:
الأسرى الإسرائيليون قنبلةُ نتنياهو في حجرِ بينت / دوافعُ النخوةِ الأمريكيةِ لإنقاذِ السلطةِ الفلسطينيةِ