الأمة تعاتب أجيالها لأنهم لا يستلهمون تراثها، وينهزمون إلى الذين أخذوا عنها، وتمثلوا إرثها واستوعبوا مسيرتها، وأبناؤها في غفلة عمّا تكنزه من درر الأفكار وجمان الإبداع والابتكار.
الأجيال ومنذ ما يقرب من قرنين – إلا قلة من الذين برزوا في مواطنها ورفعوا راياتها – في غربة عن ذاتها وموضوعها، فبدلا من انطلاقها من أعماق الأمة ومخزونها المعرفي، راحت تطارد خيط دخان الآخرين، فتعزز التقليد والاستيراد لبضائعهم، وتجمد الجد والاجتهاد والإبداع، وتبددت الطاقات في مطاردة سراب اللحاق بما لا يُدرك.
ويشذ عن ذلك عدد من جهابذة الفكر والثقافة العربية وخصوصا في مصر، من الذين استلهموا التراث ومازجوه بالمعارف الواردة من بلاد الآخرين، فأنتجوا عطاءً متميزا، وهم أعلام ثقافتنا العربية المعروفين في النصف الأول من القرن العشرين، وبعدهم تغرّبت الثقافة، وفقدت الأجيال قدرات المساهمة في الإبداع المعاصر الأصيل.
وتجدنا وعلى مدى ما يزيد عن سبعة عقود أمام حالات انهزامية، متصفة بما تستقدمه من ميادين التفاعلات الحياتية البعيدة، حتى أصبحنا نعتمد على غيرنا فيما نرى ونكتب. وأخذ الإبداع يتشبّه بالآخرين، ويتباهى باستنساخ ما يبدعون، ويحسب الناسخ أنه قدم ما ينفع الأمة، ويضع ما جاد به على لائحة الإبداع، وهو محض كلام بلا معنى ولا أثر، ويراه من العطاء العتيد.
ولهذا صارت الأجيال في عزلة عن أبهر أمتها، وبعيدة عن جوهر ما فيها، فراحت تتخبط كالوعاء الفارغ، الذي تركله أقدام الأيام، فتسمع له صوتا متعاليا كالصراخ. ولا زلنا نفتقر للإبداعات المستلهمة لتراثنا الثقافي، الغني بالأفكار الكبرى والمكنونات المعرفية النادرة، وكلما أمعنا في الاستنساخ، ازدادت غربتنا عن أصولنا وجذور وجودنا الحضاري.
فلا بد من عودة واعية مستوعبة لتراث الأمة، والانطلاق بآليات إستلهامية قادرة على تفعيل إرادتها، وشد أجيالها نحو التوثب الواثق والانطلاق الواعد.
فهل لنا أن نجيد مهارات الاستلهام، وننأى عن مواطن الانهزام؟!!
30\9\2021
واقرأ أيضاً:
السلوك الأرضوي!! / الصناعة والعرب!!