"إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور" الأنفال ٤٣
تحتل الأحلام موقعها في عالم البشرية منذ أقدم الحضارات. كان المصريون القدامى يتحدثون عن الأحلام بكثرة ويعتقدون بأنها تنقل الإنسان إلى أبعاد جديدة في الكون. هناك موقع خاص للأحلام في مختلف الثقافات شرقاً وغرباً ويكثر الحديث عنها في الأدبيات المختلفة.
دخلت الأحلام الطب النفساني والعلوم النفسانية عن طريق رائد المدرسة التحليلية النفسية سيغموند فرويد 1. كان فرويد عالماً وسلك طريقاً متطوراً في الحديث عن الأحلام، وكان يؤمن بأن الأحلام لها وظيفتها التطورية في بقاء الإنسان القديم على قيد الحياة حيث النوم والأحلام ساعدت الإنسان على تجنب مخاطر اليقظة في بيئة لا ترحم. من جهة أخرى أعتقد فرويد بأن الحلم يساعد على رفع درجة يقظة الإنسان أثناء النوم للاستجابة إلى أي تهديد له أثناء فترة النوم. تدعي المدرسة التحليلية النفسانية بأن الأحلام هي الطريق الملكي إلى اللاوعي. وهناك أيضاً رموز في الطب النفساني وقراءة الفنجان حول الأحلام .
آلية الأحلام
هناك إجماع بأن الأحلام التي يتحدث عنها البشر تحدث فقط وقت النوم حركة العين السريعة حيث يتم تنشيط المناطق التالية في الدماغ 2:
١- سقيفة الجسر التي ترفع من درجة فعالية الدماغ Pontine Tegmentum.
٢- اللوزة Amygdala التي تتحكم في الذاكرة العاطفية.
٣- منطقة قرن آمون أو الحصين Hippocampus التي هي مخازن الذكريات.
٤- والتلفيف الحزامي الأمامي Anterior Cingulate Gyrus الذي هو جزء من الجهاز الحوفي العاطفي.
لذلك ليس من المستغرب أن تنطلق ذكريات مخزونة في الدماغ بفعل هذا التنشيط ولكن لا تصل هذه الذكريات إلى درجة الوعي ولا يمكن للإنسان أن يضعها في إطار وعي معرفي ولسبب واحد وهو أن الفص الجبهي لا يزال عاطلاً أثناء هذا النوع من النوم3.
يصحو الإنسان من نومه وهو في حالة من الخدار Twilight ما بين النوم واليقظة. في هذه الحالة لا يمكن للإنسان أن يستوعب أو يفهم ما الذي استقبله من محفزات مصدرها الدماغ نفسه أو بعبارة أخرى مصدرها داخلي وليس خارجي.
بعد هذه الفترة القصيرة من الخدار يكون الإنسان في كامل وعيه والذي يحدث:
١- قد ينسى ما حدث أثناء النوم.
٢- أو يبدأ بصياغة المحفزات بأسلوب معين اعتماداً على خلفيته الثقافية والحضارية وكذلك حالته الوجدانية في تلك الفترة الزمنية.
يمكن القول بأن ما يتحدث به البعض عن مشاهدة حلم ما ويعطي التفاصيل الغريبة هو أشبه بفنان يكتب سيناريو لفيلم بدون قصة أما في الحياة فلدى الإنسان رواية ثم يبدأ بكتابة السيناريو لمسرح الحياة وإن لم يكن ذلك ممكناً فسيحفظه في عالم الخيال الخاص به هذه العملية الأخيرة ربما ما يمكن أن نسميه بأحلام اليقظة.
إن هذه التفاعلات بين مناطق الدماغ المختلفة تفسر قوة المحتوى العاطفي لبعض الأحلام والتي نطلق عليها الكوابيس. في هذه الحالة تكون الذكريات المشحونة بعاطفة سلبية أكثر تسلطاً ولكن الأهم من ذلك هو أيضاً الحالة الوجدانية للفرد. تكثر وتكرر الكوابيس في اضطرابات القلق المزمن، الاكتئاب والإدمان على الكحول.
تفسير الأحلام
هناك علاجات نفسية لا تستند على دليل علمي تتطرق إلى تفسير الأحلام 4 وقد يذكر المريض انزعاجه من الأحلام خلال المراجعات الطبية النفسية العامة ولكنه نادراً ما يطرح هذا الأمر في الجلسات العلاجية بصورة منتظمة لعدة أسباب:
١- معظم المرضى يدركون بأن تفسير الأحلام لا يستند إلى علم موثوق فيه.
٢- معظم المرضى يدركون بأن مسألة تفسير الأحلام مجرد ظاهرة اجتماعية تثير الفضول أحياناً ولا فائدة علاجية منها.
٣- الغالبية العظمى من المرضى قلما ينجحون في كتابة أحلامهم بالتفصيل إذا طلب منهم المعالج ذلك.
لكن الأمر غير ذلك في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية. حيث تبث بعض برنامجاً خاصاً لتفسير الأحلام أو الرؤيا من قبل أحد رجال الدين ومن الصعب التأكد من فائدة هذه البرامج .
إن المستحسن بأن لا يورط الطبيب أو المعالج النفسي نفسه في التركيز على تفسير الأحلام وخاصة أن الولع بها شائعاً في الشخصيات العاطفية التي تميل إلى التمارض أكثر من الاضطراب النفسي الحقيقي.
الاستنتاجات
١- لا شك بأن العلم قد أثبت بأن دماغ الإنسان يمر بفترات تنشيط أثناء النوم ولكنها تختلف تماماً عن حالة تنشيط الدماغ وقت الصحو أو اليقظة بعبارة أخرى هناك فرق في نوعية التنشيط أثناء فترة الأحلام أثناء النوم وبين حالة الوعي الكامل.
٢- الإدراك الحسي أثناء اليقظة يتحدد إطاره ومحتواه بعوامل خارجية أما الإدراك الحسي أثناء الأحلام فهو مجرد هلاوس.
٣- في حالة اليقظة يكون الإنسان في حالة من التوجه الوقتي والمكاني أم في وقت الأحلام فلا وجود لهذا التوجه.
٤- في حالة اليقظة يكون تفكير الإنسان منطقياً وفي وقت الأحلام مشتتاً.
٥- في حالة اليقظة تكون الذاكرة تصريحية وواضحة وفي الأحلام معطلة.
٦- في حالة اليقظة تكون العواطف مركزة ومتوازنة وفي الأحلام قلما يفهم الإنسان معناها.
٧- الأحلام تحتوي على أعراض تشابه الأمراض الذهانية وهي ناتجة عن اضطراب في التعديل Modulation الوظيفي للدماغ. على ضوء ذلك يتفق الجميع الآن بأن الأمراض الذهانية ما هي إلا نتيجة لاضطراب فعالية الأجهزة المسؤولة عن تعديل الدماغ بسبب عوامل وراثية أو بيئية.
٨- وكذلك هناك آراء على أن فترة الأحلام لها وظيفتها البيولوجية لضمان صحة العينين وفعالية الدماغ على المدى القصير والبعيد وحتى في تنظيم مناعة النسيان ضد الأمراض المختلفة. أما تفسيرها فلا فائدة فيه وكلما تعمق به الإنسان تضاعف احتمال تهربه من الحقيقة وتنصله من السعي نحو الشفاء بدلاً من ذلك يستمر في انتظار الرؤيا التي لا يعرف حتى كيف يكتبها.
المصادر
1- Freud S The Interpretation of dreams, in the Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud, Vols 4, 5. Translated and Edited by Strachey J. London. Hogarth press, 1953.
2- Amaral, D; Lavenex P). "Ch 3. Hippocampal Neuroanatomy". In Andersen P, Morris R, Amaral D, Bliss T, O'Keefe J. 2003 The Hippocampus Book. Oxford University Press.
3- Nielsen A Stenstrom P (2005) What are the memory sources of dreaming. Nature 2005, 437: 1286-1289
4- Werman D (1978). The use of dreams in psychotherapy: practical guidelines. Canadian Psychiatric Association Journal 1978, 23: 153 – 158.
واقرأ أيضاً:
الاستشارة الطبنفسية (الطبنفسانية) / الهرمونات والشهية والوزن