الشعر تصوير بالكلمات لحالات ظاهرة وباطنة، والبعض يرى أنه "رسم بالكلمات"، والفرق بين التصوير والرسم واضح.
ومع التقدم التقني ومهارات التقاط الصور الجامدة والحية، أصاب الشعر الانكماش والذبول، لتوفر الأدوات القادرة على التصوير أبرع من الكلمات.
فما قيمة الوصف الكلامي أمام الصورة الملونة المكتملة الأبعاد، والتي تقدم الحدث بتفاصيله المكانية والزمانية، فالصورة المعاصرة ذات وقع وتأثير أقوى من أي كلام. ويبدو أن دور الشعر المتعارف عليه في مجتمعاتنا قد اضمحل وانتصرت عليه الصورة انتصارا ساحقا.
وزاد في هزيمة الشعر الميل للغموض والإبهام والرمز، والخروج عن ضوابطه المتعارف عليها منذ أن وضع الفراهيدي علم العروض.
فالطبع البشري لا يميل إلى التعقيد واللخبطة، إنه يرغب بما هو جاهز، ولهذا تجد مطاعم الأكلات السريعة ناجحة ومتنامية، فهل يعجبك أن تأكل الوجبة أم تقوم بإعدادها ومن ثم تأكلها؟
الشعر يبقى شعرا، لكن الصورة المعاصرة غيبته وأضعفت أثره ومحقت تأثيره، ومما زاد الطين بلة، التوهم بأن التحديث يعني استنساخ ما عند الآخرين وفرضه على واقع لا يعرفه.
الشعر ليس ميزة أو طاقة متميزة، إنه قدرة يمكن توظيفها بالتدريب، والبعض يعيش في الشعر ويتفاعل معه طيلة وقته، فيرتقي بمستويات تعبيرية تمليها قوة التواصل المستدام، والوسوسة البوحية عما يعتريه ويراه.
والشعوب التي لا تجد ما يشغلها إبداعيا، يتكاثر فيها الشعراء، وعندما نقارن عددهم بين المجتمعات المتأخرة والمتقدمة، يكونون أكثر في الأولى، ويمكن اتخاذ ذلك مقياسا لمعرفة مدى حياة المجتمعات في عصرها.
الشعر بوح كلامي، وإبداع قولي، يوهم صاحبه بأنه قدم ما يمثله، فيعجز عن توظيف طاقاته الإبداعية في مجالات أخرى.
فهل وجدتم شاعرا أو متشاعرا ابتكر ما ينفع الحياة؟!!
وهل أن الشعر نهاب للوقت، وخطّافٌ للعمر؟!!
وما هي دلالات الولع بالشعر؟!!
واقرأ أيضًا:
المكونات والمعوقات!! / المعارضة!!