- كيف تؤثر الحروب والصراعات على الصحة النفسية للأفراد؟
يعاني جميع الأشخاص المتضررين من الحروب والصراعات تقريباً من ضائقة نفسية، ومعظمهم تتحسّن حالتهم بمرور الوقت، ومن بين الأشخاص الذين شهدوا حروباً أو نزاعات أخرى خلال العشر سنوات الماضية، أصيب واحد من كل خمسة (22٪) بالاكتئاب أو القلق أو اضطراب كرب ما بعد الصدمة (الرَّض النفساني) أو الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام.
والأشخاص المصابون باضطرابات نفسية شديدة معرّضون للخطر بالأخصّ أثناء الحروب والصراعات ويلزم أن تُتاح لهم رعاية الصحة النفسية وأن تُلبّى احتياجاتهم الأساسية الأخرى.
ولهذا توصي المبادئ التوجيهية الدولية بتوفير الخدمات على عدد من المستويات – من الخدمات الأساسية إلى الرعاية السريرية – وتشير إلى ضرورة إتاحة رعاية الصحة النفسية على الفور فيما يتعلق بمشكلات محدّدة وعاجلة خاصة بالصحة النفسية في إطار الاستجابة الصحية.
وعلى الرغم من الطابع المأساوي للحروب والطوارئ عموما وتأثيراتها السلبية على الصحة النفسية، فقد ثبت أنها تتيح فرصاً من أجل بناء نظم صحية نفسية مستدامة لجميع المحتاجين، (الصحة النفسية في حالات الطوارئ، منظمة الصحة العالمية، 2022) .
ما هي أنواع الأزمات والأمراض النفسية الناتجة عن الحروب والصراعات؟
• الأمراض الموجودة أصلاً: مثل القلق والاكتئاب والوسواس والاضطراب الوجداني والفصام... وغيرها، وهؤلاء المرضى تزداد حدة المرض لديهم ولا يجدون علاجات متاحة ولا توجد فرصة لدى المحيطين بهم لرعايتهم.
• المشكلات المترتّبة على الحروب والصراعات: مثل اضطراب الكرب الحاد (حالة من الخوف والهلع واضطراب النوم والأعراض الجسدية، وتظهر هذه الأعراض في الشهر الأول لمواجهة الحرب)، واضطراب كرب ما بعد الصدمة (استدعاء الأحداث الصادمة في النوم أو اليقظة، وتفادي كل ما يذكر الشخص بهذه الأحداث، والاستثارة العصبية الشديدة حين يتعرض الشخص لأي شيء له علاقة بالأحداث المؤلمة التي تعرض لها، وتظهر هذه الأعراض بعد شهر من التعرض للحدث الرّضي (الرضَّي) وتستمر لشهور أو سنوات بعد ذلك)، اضطراب الاكتئاب النفسي (مزاج حزين طول الوقت أو أغلب الوقت، فقد الاهتمام بالأشياء التي كانت تثير اهتمام الشخص قبل ذلك، اضطرابات في النوم والشهية للطعام، ضعف التركيز، الإجهاد، الأفكار السوداوية، التفكير في الموت أو محاولات الانتحار، الشعور القاسي بالذنب)، القلق، الميل للعدوانية، اضطرابات السلوك،...... الخ .
ما هي أبرز التأثيرات والتداعيات النفسية للحرب؟
يصاب غالبية الناس الذين شهدوا أهوال الحرب بما يسمى الكرب الحاد للصدمة، وهي حالة تستمر حوالي شهر، وفيها تسود حالة من الخوف والرعب والذهول والحزن الشديد والألم والأسى على ما أصاب الشخص أو أي من أحبابه من جراح أو وفاة أو فقد، ثم يلي ذلك ما يسمى بكرب ما بعد الصدمة.
ما هو اضطراب كرب ما بعد الصدمة PTSD؟
إن السمة المرضية (Psychopathology) الأساسية في هذا الاضطراب هي "الذاكرة الرضية" (TraumaticMemory) وهذا ينعكس في أعراض نفسية محددة وردت في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للأمراض النفسية (DSM IV 1994) كما يأتي:
أ) تعرض الشخص لحادث رضَّي (صدمي أو أذوي) وحدث التالي:
1- مر الشخص بخبرة أو شاهد أو واجه حدثا أو أحداثا تضمنت موتا حقيقيا أو تهديدا بالموت أو إصابة بالغة أو تهديدا شديدا لسلامة الشخص أو الآخرين.
2- تتضمن استجابة الشخص خوفا شديدا وإحساسا بالعجز والرعب، وفي الأطفال يظهر هذا في صورة سلوك مضطرب أو هجاجة.
ب) تتم إعادة معايشة الحدث الرضي بطريقة أو بأخرى من الطرق التالية:
1- تذكر الحدث بشكل متكرر ومقتحم وضاغط وذلك يتضمن صورا ذهنية أو أفكارا أو مدركات.
2- استعادة الحدث بشكل متكرر وضاغط في الأحلام.
3- التصرف أو الشعور وكأن الحدث الرضي (الأذوي) عائد.
4- انضغاط نفسي شديد عند التعرض لمثيرات داخلية أو خارجية ترمز إلى أو تشبه بعض جوانب الحدث الرضحي.
5- استجابات فسيولوجية تحدث عند التعرض للمثيرات سابقة الذكر.
ج) التفادي المستمر لأي مثيرات مرتبطة بالحدث إضافة إلى خدر عام في الاستجابات.
د) أعراض زيادة الاستثارة بشكل دائم.
هـ) الأعراض مستمرة لمدة شهر على الأقل (أما إذا كانت أقل من شهر فيطلق عليها اضطراب الكرب الحاد).
و) يسبب هذا الاضطراب انضغاطاً إكلينيكيا واضحاً أو يؤدي إلى تدهور في الأنشطة الاجتماعية أو الوظيفية أو جوانب أخرى هامة.
وبما أن أهل غزة يتعرضون منذ سنوات لهجمات متتالية فإن توصيف "ما بعد الصدمة" لا ينطبق عليهم لأن الصدمات مستمرة أو متتالية عن قرب ولهذا استخدم تعبير (Chronic Traumatic Stress Disorder CTSD) وهو يعني الكرب المزمن للصدمة .
وفي حالة غزة على وجه التحديد يتأثر الأطفال بشكل كبير بالأحداث خاصة وأن الهجمات الإسرائيلية كانت تستهدفهم بشكل خاص. والطفل ليست لديه القدرات المعرفية الكافية لكي يستوعب تلك الخبرات الصادمة ويعطيها معنى مفهوما. لذا يصبح هضم هذه الخبرات صعبا، يضاف إلى ذلك عدم قدرته على التعبير اللفظي عن معاناته لذلك تحدث اضطرابات كثيرة في دائرتي المشاعر والسلوك. فالطفل الفلسطيني يواجه كماً هائلاً ومتزايداً من العنف المباشر وغير المباشر بشكل يومي وهو لا يعرف لماذا يحدث وإذا عرف لا يفهم مغزى الأحداث كما يفهمها الكبار.
وحين يتعرض أي طفل لخطر فإنه يحتمي بأمه أو أبيه أو يلوذ بالفرار نحو بيته ليجد فيه الأمان، أما في حالة الطفل الفلسطيني فلا يوجد مصدر للحماية ولا يوجد ملاذ آمن فالأب والأم حياتهما مستباحة والبيت حرمته منتهكة، وقوات الشرطة الفلسطينية مطاردة. أي أن الطفل الفلسطيني حين يداهمه الخطر فإنه يفتقد إلى أي غطاء للأمان ويفتقد إلى الحماية والرعاية بل قد يواجه الصواريخ والدبابات والمدافع والرشاشات بجسد عارٍ تماماً من وسائل الحماية. وهذا وضع متفرد لا يكاد يوجد مثيله في العالم كله، إذن فنحن أمام خبرات صادمة وأخطار هائلة وهذه الخبرات مستمرة ومتصاعدة ومفرطة وغير إنسانية وغير منطقية، يتعرض لها أطفال صغار يفتقدون للمأوى والملاذ والحماية، وهذا يجعلنا نقترب من الصورة الكارثية للحالة النفسية لهؤلاء الأطفال.
ويتبع>>>: استعادة الصحة النفسية لضحايا الحرب على غزة2
واقرأ أيضًا:
الصهيونية على الشيزلونج النفساني! / الصيام.. أوله في النفس وآخره عند الله1