الكتابة بأنواعها صنعة أو حرفة ومهنة يرتزق منها أصحابها كأية حرفة أخرى، فالكُتاب والشعراء بضاعتهم كلماتهم، ويتباينون في مهارات تسويقهم وآليات تقربهم من بلاط الكراسي عبر العصور وحتى اليوم.
فالكاتب يعيش على ما يكتبه، وكذلك الشاعر بضاعته شعره الذي يبيعه لمن يدفع أكثر، وكأن الشعراء المعروفون يجيدون فنون المزادات، وكيفيات بيع قصائدهم بأثمان عالية.
فالجاحظ – على سبيل المثال- أهدى كتاب الحيوان للفتح بن خاقان، والبحتري كان أشطر الشعراء في التكسب بشعره حول كراسي خلفاء بني العباس.
يجب أن نعترف بأن المبدعين بضاعتهم ما ينسجونه بالكلمات، فالشعراء ينسجون قصائدهم بخيوطهم الملونة، ويتمايزون بروعة النسج وجمال السجادة الشعرية المسماة قصيدة، ولهذا وضعوهم في طبقات، وفقا لحسن قصيدهم، وتفوق قدراتهم في صب الكلمات بروافد إبداع أصيل.
ومنذ زهير بن أبي سلمى وما قبله، والتكسب بالشعر مهنة توارثتها الأجيال، ولهذا ساد المديح والرثاء، لأنهما يتصفان بمردودات مادية.
وربما لا توجد قصائد مديح بلا مكافأة لصاحبها إلا فيما ندر، خصوصا من ذوي الجاه والسلطان.
ويمكن القول أن البحتري من أثرى الشعراء عبر التأريخ العربي، لملازمته بلاط خلفاء بني العباس لأكثر من خمسة عقود، وهم يغدقون عليه العطاء.
وفي العصر الحديث تجد بعض الشعراء يحومون حول الكراسي من أجل الإكراميات والامتيازات، ويحسبون الشعر مهنتهم التي عليهم أن يتكسبوا بها.
كثير الشعر في سوق الكساد
لرخص القول في زمن الفساد
ترانيمٌ بها الأيام نادت
قليل بديعنا صنوُ الجهاد
تآلف شرها والخير ينأى
وكل فضيلةٍ نحو انخمادِ
واقرأ أيضا:
فرّقْ تَسُدْ!! / الجرح!!