رحلتي إلى علم النفس الإسلامي2
• عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح، أمره الله أن يقول: "الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي"، وذكره الله أن القدرة على الفهم والإدراك عند الإنسان محدودة، أي لن يستطيع أن يفهم أي شيء يخبرنا الله به عن الروح. قال تعالى في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}.
• لذا فإن نسبة الوظائف النفسية والعقلية للروح وحدها ادعاء لعلم بالروح وقدرة على فهم الكثير عنها وهو ادعاء يتعارض مع هذه الآية الكريمة.
• وكذلك من يصف الرغبات والمتع والآلام على أنها نوعان روحية وبدنية هو مخطئ، بل هي معنوية وحسية.
• ندرس النفس البشرية ونحن نؤمن بالروح لكن لا نعزو لها شيئاً، تماماً كما ندرس الكون والطبيعة ونحن نؤمن أن هنالك ملائكة موكلين بتسييرها، ندرسها كما لو لم يكن هنالك ملائكة، بل نبحث عن القوانين الطبيعية التي تسيرها.
• الإيمان بالروح يحمي الإنسان من احتقار نفسه إن نظر إليها على أنها مجرد آلة حية يتم صنع الملايين منها وموت ملايين أخرى كل عام؛ ويكون قدره عند نفسه كبيراً لأنه خلق آخر فيه عنصر ليس في الحيوان مثله وهي نفخة الروح، التي جعلته خلقاً آخر قادراً على أن يكون خليفة لله في الأرض.
• ومما يحمي الإنسان من احتقار نفسه أيضاً علمه أن الله خلقه على صورته، لا على حقيقته، فهو ليس كمثله شيء.
• ثم لا معنى للأخلاق والقيم والدين والجنة والنار ما لم تكن النفس البشرية خالدة، إذ لو كنا أجساداً حية تعي ذاتها وتفكر وتشعر ثم متنا وجاء البعث ومن عجب الذنب يخلق الله أجسامنا من جديد، أي استنساخ لأجسامنا فلن يكون البعث لنا نحن بل سيكون خلقاً لنسخ وتوائم لنا لكن لن نكون نحن أنفسنا، لكن النفس البشرية التي هي خلق آخر مكون من اتحاد الروح بالجسد الحي اتحاداً لا يمكننا إدراك كنهه لأن الروح غير قابلة للإدراك، هذه النفس الخلق الآخر ستكون هي نفسها التي ستبعث يوم القيامة، وتكافأ أو تجازى على ما فعلت، ولن تكون المكافأة ولا الجزاء لنسخة عنها.
1. اللاشعور: وهو جزء لاشعوري مئة بالمئة ولا إرادي وهو آلي انعكاسي موروث وموجود عند الولادة يشمل البرامج العقلية التي تنتج الأفكار والمشاعر والمهارات العملية والأعمال الفنية، منه تأتي العواطف والشهوات ودوافع السلوك والطاقة المحركة، وفيه تتم عملية الإشراط الكلاسيكي والإشراط الفعال.
واللاشعور هو الجزء من عقولنا الذي يشبه عقول الحيوانات، وهو لا يتعلم بالإقناع المنطقي، بل بتكرار الخبرة حتى يتكون لها منعكس مكتسب، ومثالها حالات الإدمان والرهاب، حيث تبقى الرغبات أو المخاوف رغم القناعة العقلية المناقضة لها.
هذا اللاشعور يلح على الشعور بالشهوات، أو العواطف، أو المخاوف أو الدوافع النفسية، سواء الدوافع الحيوية المشتركة مع الحيوانات أو الدوافع الإنسانية الهادفة إلى تحقيق الخلافة في الأرض التي تجمعها صفات الله وأسماؤه الحسنى، ومنه أيضاً يأتي الإعجاب أو النفور، والغريزة الجنسية.
عند فرويد هذا الجزء حيواني وهو الذي يحرك الإنسان ويدفعه إلى العمل من أجل تحقيق غريزة الجنس التي تضمن بقاء النوع، وغريزة العدوان التي تقود الكائنات إلى نهايتها المحتومة. أما كارل يونغ فقد أضاف إليه ما تراكم من معانٍ ومشاعر مكتسبة لكنها تورث من جيل إلى آخر ويضاف عليها كل جيل حتى بلغت قدراً عالياً من التركيب أسماه اللاشعور الجمعي Collective Unconscious واعتقد يونغ أن هذا اللاشعور الذي اكتسبته البشرية هو مصدر الأساطير والخرافات.
اللاشعور عند فرويد جزء حيواني موروث وفيه الغرائز، وجزء يكتسبه الفرد من خلال كبته للمشاعر والذكريات والأفكار التي يؤلمه الاعتراف به فينكرها ويكبتها، فرويد لم يقل إن هذا اللاشعور المكتسب يورث من جيل إلى آخر مثل الجزء الحيواني. أما يونغ فقد آمن بانتقال مكتسبات اللاشعور من جيل إلى آخر وبالتالي تراكمها وتشكيلها للاشعور الجمعي.
الشعور أو "النفس" Self شيئان: أولهما "العقل" بلغة الفلاسفة وهو إرادي مفكر يحكمه المنطق الإنساني المعروف ونشعر بنشاطاته حين نفكر وتعكس عضلات الرأس هذا النشاط لذلك نحس أننا نفكر برؤوسنا. وثانيهما "القلب" حيث العواطف والمخاوف والشهوات والدوافع النفسية الآتية من اللاشعور التي تعكسها عضلة القلب، لذلك ننسب الحب والكره والخوف والطمأنينة وغيرها إلى القلب، وسنظل دائماً ننسب الحب لقلوبنا مهما تيقنا أن مراكز المشاعر هي في الدماغ.
2. اللاشعور وهو نوعان: أولهما إرادي وحر، حيث يتحول باستمرار الكثير مما نتعلمه من شعوري إلى شبه لاشعوري أوتوماتيكي سريع في عمله وتلقائي، أي دون تفكير ظاهرياً، يوفر الشعور ليهتم بالمستجدات والأمور ذات الأهمية العليا. وهو يشمل كل المعارف والمهارات اللاشعورية ظاهرياً، لكن يمكن للإنسان أن يستكشفها ويفهمها من خلال العلاج النفسي التحليلي الذي يحاول كشف آليات الدفاع النفسي التي يلجأ إليها الشخص بشكل أوتوماتيكي. وكذلك تستكشف في العلاج النفسي المعرفي حيث البحث عن الأفكار الأتوماتيكية السلبية التي تسبب القلق أو الكآبة أو غيرهما من الأعراض النفسية.
وهذا اللاشعور الذي من خلاله يقوم الدماغ بإنجاز الوظائف العقلية من أفكار وأفعال وعواطف وقرارات إرادي يحمل الإنسان مسؤولية ما يقوم به، وهو الجزء الذي يقوم بخداع النفس عن طريق آليات الدفاع النفسي المعروفة وغيرها من الآليات التي اكتشفها الباحثون في سيكولوجية خداع النفس، وفيه تخبأ الذكريات المكبوتة لإبعادها عن بؤرة الوعي لكنها تبقى مؤثرة في المشاعر والأفكار والسلوك.
والنوع الثاني من اللاشعور يحتوي على البرامج التي يعمل المخ من خلالها لينظم عمل كل أعضاء الجسم ووظائفه الحيوية وكذلك تحويل الإدراكات إلى صوت نسمعه ونفهمه وصور نراها ويمتعنا جمالها وألوانها والتنفس ودوران الدم وكل العمليات الفيزيولوجية التي تضمن استمرار الجسد حياً. هذا النوع من اللاشعور هو آلي لا يفكر بالمنطق الذي تفكر به عقولنا الواعية ولا يشعر بالعواطف التي نحس بها في قلوبنا، إنما هو بمثابة حاسوب أو كومبيوتر إمكاناته عجيبة وفوق التصور وهو الذي يحافظ على حياتنا حتى النهاية.
ويتبع>>>>>: رحلتي إلى علم النفس الإسلامي4
واقرأ أيضًا:
خواطر من أجل نظرية نفسية إسلامية